ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
قال الذهبي/ السير:
قَالَ يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ،: دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ سُوْقَةَ، فَقَالَ:
يَا ابْنَ أَخِي، أُحَدِّثُكُم بِحَدِيْثٍ، لَعَلَّهُ يَنْفَعُكُم، فَقَدْ نَفَعَنِي، قَالَ لَنَا عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ:
إِنَّ مَنْ قَبْلَكُم كَانُوا يَعُدُّوْنَ فُضُوْلَ الكَلاَمِ مَا عَدَا كِتَابِ اللهِ، أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوْفٍ، أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ أَنْ تَنْطِقَ فِي مَعِيْشَتِكَ الَّتِي لاَ بُدَّ لَكَ مِنْهَا، أَتُنْكِرُوْنَ أَنَّ عَلَيْكُم حَافِظِيْنَ، كِرَاماً كَاتِبِيْنَ، عَنِ اليَمِيْنِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيْدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ؟
أَمَا يَسْتَحْي أَحَدُكُم لَوْ نُشِرَتْ صَحِيْفَتُهُ الَّتِي أَمْلَى صَدْرَ نَهَارِهِ، وَلَيْسَ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ آخِرَتِهِ؟
===
قَالَ مَرَّةً رَجُلٌ: مَا أَشَدَّ البَرْدَ اليَوْمَ، فَالتَفَتَ إِلَيْهِ المُعَافَى، وَقَالَ:
أَسْتَدْفَأْتَ الآنَ؟ لَوْ سَكَتَّ، لَكَانَ خَيْراً لَكَ.
قُلْتُ( الذهبي): قَوْلُ مِثْلِ هَذَا جَائِزٌ، لَكِنَّهُم كَانُوا يَكْرَهُوْنَ فُضُولَ الكَلاَمِ، وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الكَلاَمِ المُبَاحِ، هَلْ يَكْتُبُهُ المَلَكَانِ، أَمْ لاَ يَكْتُبَانِ إِلاَّ المُسْتَحَبَّ الَّذِي فِيْهِ أَجْرٌ، وَالمَذْمُوْمَ الَّذِي فِيْهِ تَبِعَةٌ؟
وَالصَّحِيْحُ كِتَابَةُ الجَمِيْعِ، لِعُمُوْمِ النَّصِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ} [ق: 18]، ثُمَّ لَيْسَ إِلَى المَلَكَيْنِ اطِّلاَعٌ عَلَى النِّيَّاتِ وَالإِخْلاَصِ، بَلْ يَكْتُبَانِ النُّطْقَ، وَأَمَّا السَّرَائِرُ البَاعِثَةُ لِلنُّطْقِ، فَاللهُ يَتَوَلاَّهَا.
==
قال مالك بن أنس في قول الله عز وجل { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }
يكتب عليه حتى الأنين فى مرضه
==
قال ابن الجوزي
قال سفيان الثوري يوما لأصحابه أخبروني لو كان معكم من يرفع الحديث إلى السلطان أكنتم تتكلمون بشيء ؟
قالوا: لا
قال :فإن معكم من يرفع الحديث إلى الله عز وجل قوله تعالى:
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
أي ما يتكلم من كلام فيلفظه أي يرميه من فيه إلا لديه رقيب عتيد أي حافظ وهو الملك الموكل به
والعتيد الحاضر معه أينما كان
يا كثير الكلام حسابك شديد
يا عظيم الإجرام عذابك جديد
يا مؤثرا ما يضره ما رأيك سديد
يا ناطقا بما لا يجدي ولا يفيد
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
كلامك مكتوب وقولك محسوب وأنت يا هذا مطلوب ولك ذنوب وما تتوب وشمس الحياة قد أخذت في الغروب فما أقسى قلبك من بين القلوب وقد أتاه ما يصدع الحديد
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
أتظن أنك متروك مهمل أم تحسب أنه ينسى ما تعمل أو تعتقد أن الكاتب يغفل
هذا صائح النصائح قد أقبل يا قاتلا نفسه بكفه لا تفعل يا من أجله ينقص وأمله يزيد
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
أنا من خوف الوعيد=== في قيام وقعود
كيف لا أزداد خوفا===وعلى النار ورودي
كيف جحدي ما تجرمت===وأعضائي شهودي
كيف إنكاري ذنوبي===أم ترى كيف جحودي
وعلي القول يحصى===برقيب وعتيد
====
قال ابن القيم

والكلام أسيرك فإذا خرج من فيك صرت أسيره
و الله عند لسان كل قائل
و ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد
و فى اللسان آفتان عظيمتان إن خلص العبد من احدهما لم يخلص من الآخرة
آفة الكلام و آفة السكوت
و قد يكون كل منهما أعظم إثما من الاخرى في وقتها
فالساكت عن الحق شيطان أخرس عاص لله مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه
والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله
وأكثر الخلق منحرف فى كلامه وسكوته فهم بين هذين النوعين
و أهل الوسط و هم أهل الصراط المستقيم كفوا ألسنتهم عن الباطل واطلقوها فيما يعود عليهم نفعه فى الآخرة
فلا يرى أحدهم أنه يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة فضلا أن تضره فى آخرته
و إن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها
و يأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله عز و جل وما اتصل به