يقول مالك بن دينار ( أحد العلماء الكبار و من ثقاة التابعين ) أتيت القبور يوما لأنظر في الموتى و أعتبر و أزدجر و أتفكر فاذا بي ببهلول المجنون جالس بين قبرين فقلت له :
يا بهلول و الله انك لحكيم فهل لك من حاجة؟ قال نعم أريد أن تشتري لي قميصا, قلت نعم ان شاء الله تعالى, ثم ذهبت الى السوق وقد ملئت سرورا واشتريت قميصا جديدا و أتيت به اليه , فقلبه بهلول و رماه الي وقال لا أريد مثل هذا القميص . فقلت له صفه لي يا بهلول .
قال : أريد قميصا من قمص أهل الاخلاص و ذوي البصيرة و الاختصاص , محفوظا من الدنس و الانتقاص , زرع قطنه في حديفة مشرقة بأنوار الحقائق محروسة من الاعتراضات و البوائق يسقى بماء السلسبيل, فأينع بهاءا و حسنا و أثمر فأنبت قطنا ثم لقط بأنامل الكرام البررة التالين لسورة البقرة ثم حلج بأكف الوفاء على دفف الصفا بحركات العزم من غير خفاء, ثم تحللته الأوتار المتصلة بنور الأنوار و غزلته بنات طاهرات و نساء خيرات بمغازل الحمد والثناء و المحبة و الاعتناء فجعلت الجنة على نسجه ثوابا و كان بين لابسه و بين النار
حجابا, ثم قصر الثوب بماء معين غدق و طلعت عليه شموس الشوق و القلق فسطع بياضه و زال اعتراضه و امتاز بحسن الرقعة و الطراز وأعجب كل تاجر و بزاز فدفع الى خياط مطبوع في صنعته بعيد المدى في همته صادق البكاء من عبرته فنظر الى الثوب بفكره و قاسه بشبره فجعل بدنه من حقائق الاخلاص وقدر الكمين كاملين بلا انتقاص تم علق
البنائق وأوصل بهما النيافق اتصال الحقيقة بالحقائق, و كان الخياط بربه واثقا فأتى القميص موافقا وللشك مفارقا ثم قصص التدوير وخاطه بلطائف التدبير ثم فتح الجيب و أمده
بشواهد الغيب و أزال عنه النقص و العيب, ثم صور الطوق و زينه بلواعج الشوق فاعتدل القميص من أسفل الى فوق, فهل تقدر يا مالك على مثل هذا ؟
قلت يقدر عليه من خصك بوصفه و ألهمك لمعانيه و كشفه, فصف لي لابسه يرحمك الله؟
قال: يلبسه قوم خصهم الله بأنواره و كتبهم في ديوان أبراره و حماهم في أزل ألأزل بالسابقة وقواهم بالعزائم الصادقة, فأجسادهم بين أهل الأرض تسعى و قلوبهم في رياض الملكوت ترعى فهم شموس الناظرين و أقمار الساهرين,ثم قام و قال:

اليك فر الهاربون و نحوك قصد الطالبون و ببابك أناخ التائبون , ثم سار و تركني .


لا تقل ياأخي ( أختي ) لا يمكن أن أكون من هؤلاء . بل يمكن لان الله تعالى يقول :

( قل يعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله تغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم )



وصلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم