كان لرسول الله صل الله عليه وسلم منهج خاصٌّ في استقبال الليل، فلم يكن الليل بالنسبة إليه مجرَّد راحة أو نوم؛ إنما كان في المقام الأول لقاءً مع ربِّ العالمين؛ قال تعالى واصفًا رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ومَنْ سار على نهجهم إلى يوم الدين: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17]؛ لهذا فإن رسول الله صل الله عليه وسلم لم يكن يبدأ قيام ليله بالصلاة مباشرة؛ إنما كان يُقَدِّم لذلك ببعض الأذكار والدعوات، وكأنه يُمَهِّد نفسه لِلِّقاء الكبير مع خالق السموات والأرض؛ فقد روى أبو داود -وقال الألبانى: صحيح- عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عائشة رضي الله عنها: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَفْتَتِحُ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم قِيَامَ اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ، "كَانَ إِذَا قَامَ كَبَّرَ عَشْرًا، وَحَمِدَ اللَّهَ عَشْرًا، وَسَبَّحَ عَشْرًا، وَهَلَّلَ عَشْرًا، وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي". وَيَتَعَوَّذُ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
فهذه هي السُّنَّة النبوية، يبدأ بالأذكار الخمسين، عشرًا مِن كلٍّ مِن التكبير، والحمد، والتسبيح، والتهليل، والاستغفار، ثم يدعو دعوتين: في الأولى يدعو ببعض أمورٍ يُريدها أن تتحقَّق وهو ما زال يعيش في الدنيا؛ كالمغفرة والهداية والرزق والمعافاة، وفي الثانية كان يدعو بأمر من الأمور التي سيعيشها في الآخرة، وهو التعوُّذ من ضيق المقام؛ فلْنحفظ هذه البداية الخاشعة لقيام الليل، ولْنحرص على ترديدها، فهي خير استهلال لهذا العمل الكبير.
{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].