انتشر صيت الشيخ أحمد بن الصديق الغماري فترة من الزمان، على أنه خاتمة حفاظ الحديث، وإمام كبير في العلوم. ولم يكن قد نشر الكثير مما كتب. وبعد ذلك بدأت تظهر لهذا الرجل آراءا مخفية لم تكن معلومة عنه. ومنها ما هو كفر والعياذ بالله تعالى من ذلك.

وقد حصل بيني وبين أحد المحبين له كلام حول الشيخ، فذكرت له طعنه في العلماء والفقهاء، وسلاطة لسانه (بل قبحه) فتعجب وطالبني بالبينة، فأحلته على هذا النص الآتي:

[كتاب مسالك الدلالة، ص 440:

قال الإمام ابن أبي زيد: (واللجأ إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه واتباع سبيل المؤمنين وخير القرون من خير أمة أخرجت للناس نجاة)

قال أحمد بن الصديق: لا فائدة في ذكر دليل هذا؛ لأمرين:
أحدهما: أنه معلوم من الدين بالضرورة أن من لم يلجأ إلى كتاب الله وسنة رسوله فليس بمسلم، وليس له دين؛ إذ الدين لله ورسوله، فمن لم يتبعهما فلا دين له ولا نجاة. وأما سبيل المؤمنين الذي يقصد به الإجماع فهو من أصول الدين المعلومة والمقررة أدلتها بما لها وما عليها في كتب الأصول.

الأمر الثاني: أن هذه الجملة ليس بناظر فيها أهل الوقت، ولا عامل بها أحد منهم، ولو كتبنا عليها مائة ألف دليل؛ لأن النجاة عندهم في اللجأ إلى عرف فاس وقرطبة ورأي المتأخرين، الذين هم أبعد الناس من العلم وأجهلهم بالكتاب والسنة وأشدهم وعداوة ومحاربة لها ولأهلها، لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله، ولا فيما اتفق عليه عمل السلف الصالح وخير القرون، بل ولا فيما قاله ورآه الإمام مالك نفسه، فأكثر أقواله اليوم ضعيفة مهجورة ومحجوز عليها محجورة، جزءا وفاقا، وكما يدين الفتى يدان، وبالكيل الذي يكيل يكتال، فكما حجرت الطائفة الأولى على كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وأنزلوهما منزلة القاصر الذي لا يحسن التصرف إلا بأمر وصيه ونظره، واتخذت كل شرذمة وصياً ارتضته واختارت وصايته وتقدمه على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اللذين لا يأتيهما الباطل من بين أيديهما ولا من خلفهما تنزيل من حكيم حميد، كذلك حجر المتأخرون على رأي أولئك الأئمة الهداة المهديين والعلماء العاملين، فلم يأخذوا من قولهم إلا بما شهد به عرف الدباغين والخرازين والقصابين والباعة من أهل قرطبة وفاس، وبما رجحه أو شهره أمثال التسولي والزرهوني والرهوني والزجلي والخمسي والفاسي والوزاني والمراكشي والتطواني، الذين لا يعرفون مأخذ الأحكام ولا مقاصد الشريعة، ولا عندهم من العلم الصحيح ما يصلح للتدوين ولا ما يساوي النظر فيه فضلا عن أن يقدم على فقه الأئمة المقدم في نظرهم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله.

فهذه هي الرزية العظمى والمصيبة الكبرى، التي ابتلي بها المسلمون فمرقوا بها من الدين وخرجوا عن سنن المهتدين وانخرطوا في سلك المبتدعة الضالين، فاستحقوا الطرد والعقاب وصب الله عليهم سوط العذاب، فشتت شملهم وفرق كلمتهم وسلب هيبتهم وسلط عليهم أعداءهم وحكمهم في رقابهم وجعل لهم السبيل عليهم، وقد قال تعالى وقوله الحق ووعده الحق، (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمين سبيلاً)، مما هو أصرح دليل وأوضح برهان على أن الموجودين تحت حكم الكفار ليسوا بمؤمنين ولا من حزب الله المفلحين، وكيف وقد نفى الله عنهم الإيمان ولم يكتف بذلك حتى أقسم بذاته المقدسة فقا: (فلا وربك لا يؤمنين حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما). وأتى في صفة المؤمنين بالحصر فقال: (إنما المؤمنون الذين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون)، أي لا غيرهم ممن إذا دعوى إلى كتاب الله وسنة رسوله قالوا هذا كفر وضلال، أيعمل بكتاب الله وسنة رسوله ويترك قول خليل؟

فالحمد لله الذي عافنا مما ابتلاهم به وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلاً، وصلى الله على أشرف المخلوقات المنزل عليه قبل ولادة مالك والشافعي وأبي حنيفة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، والقائل قبل وجود المختصر والتحفة والمرشد والزقاقية (لقد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيل عنها إلا هالك) بقراءة مختصر خليل والمرشد المعين والتحفة والمنهج وملا مسكين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين]
انتهى.

فانظر كيف طعن في الأئمة الأولين، فكما دانوا يدانوا!! وكيف جعل متبعيهم من أهل الضلال ومن الذين خرجوا عن الإيمان؟

ولقد كان لدي كتاب مخطوط له سماه: (الإقليد في تنزيل كتاب الله على أهل التقليد)، من الكتب التي أريتها للسقاف فأخذها ولم يرجعها لي!!

ولا أظنه في الحديث كما وصفه الواصفون، وقد أثبت الأخ إياد الغوج في تحقيقه لرسالة (درء الضعف عن حديث من عشق فعف)، وجه الخلل في تصحيحه لهذا الحديث.

فهل يصح أن يجعل هذا الرجل قدوة، وتتخذ أقواله حجة!!