بسم الله الرحمن الرحيم

هذه خلاصة وزبدة بحث الأسباب التي يرد بها خبر الواحد للإمام الحافظ الخطيب البغدادي من كتابه القيم (الفقيه والمتفقه الجزء الأول ص353إلى ص 355 ط دار ابن الجوزي)
-
يقول رحمه الله تعالى : إِذَا رَوَى الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ خَبَرًا مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ رُدَّ بِأُمُورٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُخَالِفَ مُوجِبَاتِ الْعُقُولِ فَيُعْلَمُ بُطْلَانُهُ , لِأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا يُرَدُّ بِمُجَوِّزَاتِ الْعُقُولِ , وَأَمَّا بِخِلَافِ الْعُقُولِ , فَلَا.
وَالثَّانِي: أَنْ يُخَالِفَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ , فَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ أَوْ مَنْسُوخٌ
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُخَالِفَ الْإِجْمَاعَ , فَيُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ لَا أَصْلَ لَهُ , لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ , وَتُجْمِعُ الْأُمَّةُ عَلَى خِلَافِهِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَنْفَرِدَ الْوَاحِدُ بِرَاوِيَةِ مَا يَجِبُ عَلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ عِلْمُهُ , فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ , لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ , وَيَنْفَرِدُ هُوَ بِعِلْمِهِ مِنْ بَيْنِ الْخَلْقِ الْعَظِيمِ .
وَالْخَامِسُ: أَنْ يَنْفَرِدَ الْوَاحِدُ بِرَاوِيَةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِأَنْ يَنْقُلَهُ أَهْلُ التَّوَاتُرِ فَلَا يُقْبَلُ , لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ , أَنْ يَنْفَرِدَ فِي مِثْلِ هَذَا بِالرِّوَايَةِ.

وقد ساق الإمام الأحاديث والآثار الدالة على ذلك في بداية باب المسألة في كتابه فروى بإسناده عن , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{ إِنَّهَا سَتَأْتِيكُمْ عَنِّي أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ , فَمَا آتَاكُمْ مُوَافِقًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَلِسُنَّتِي فَهُوَ مِنِّي , وَمَا آتَاكُمْ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي} والكلام في هذا الحديث معروف.
وروى بإسنده أيضاً عن الحافظ الكبير مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ قال[كُلُّ حَدِيثٍ جَاءَكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْلُغْكَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَعَلَهُ فَدَعْهُ]
وأسوق أنا أيضا نصاً وجدته في كتاب (تاريخ أبي زرعة الدمشقي ص271ط مجمع اللغة العربية ) للإمام الأوزاعي قال أبو زرعة قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامٌ قال: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عِمْرَانَ قال: [سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ، وَسَأَلَهُ مُنِيبٌ فَقَالَ: أَكُلُّ مَا جَاءَنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقْبَلُهُ؟ فَقَالَ: نقبل منه ما صدق كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ مِنْهُ، وَمَا خَالَفَهُ فَلَيْسَ مِنْهُ.
قَالَ لَهُ مُنِيبٌ: إِنَّ الثِّقَاتِ جاؤوا بِهِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ الثِّقَاتُ حملوه عن غير الثقات؟]
فهذا منهج أهل الحق وأما أهل الباطل فخلطوا الحابل بالنابل فاختلطت معتقداهم بالخرافات وكان فقهم مزيجاً من الآراء الشاذات المنكرات