قال الإمام الأصفهاني رحمه الله تعالى في شرح المنهاج للإمام البيضاوي في توجيه ورود رأيين مختلفين من الإمام الشافعي (وكان ذلك في 17 مسألة لم يترجح فيها له رأي، كما في نقل الأصفهاني)، ما نصه:

[وهو دليل على علو شأنه في العلم والدين:

أما في العلم فلأن كل من كان أغوص نظرا وأثقب فكرا وأدق نظرا وأكثر إحاطة بالأصول والفروع وأتم وقوفا على شرائط الأدلة، كانت الإشكالات عنده أكثر. فأما المصر على الوجه الواحد طول عمره، في المباحث الظنية بحيث لا يتردد فيه، فذاك لا يكون إلا من جمود الطبع وقلة الفطنة وكلال القريحة وعدم الوقوف على شرائط الأدلة والاعتراضات.

وأما في الدين فلأنه لما لم يظهر له وجه الرجحان فيه لم يستح من الاعتراف بعدم العلم، ولم يشتغل بالترويج والمداهنة، بل صرَّح بعجزه عما هو عاجز فيه، وذلك لا يصدر إلا عن قوة الدين.

كيف وقد نقل عن عمر رضي الله عنه اعترافه بعدم العلم في كثير من المسائل، والمسلمون عدُّوا ذلك من مناقبه وفضائله، فكيف جعلوه ها هنا عيباً.
ولأنه لم يقل ابتداءا: إني لا أعرف هذه المسألة، بل وجد المسألة واقعة بين الأصلين، فذلك وجه وقوعها بينهما، وكيفية اشتباهها، ثلم لما لم يظهر له الرجحان تركها على تلك الحالة، ليكون ذلك بعثا له على الفكر بعد ذلك وحثًّا لغيره من المجتهدين على طلب الترجيح.

وهذا هو اللائق بالدين المتين، والعقل الرصين، والعلم الكامل، بل من أنصف واعترف بالحق علم أن ذلك مما يدل على رجحان حاله على حال سائر المجتهدين في العلم والدين].


والأمر لا يختص بالإمام الشافعي رحمه الله تعالى، بل بالمجتهدين مطلقاً، وقد ورد عن بقية الأئمة مثل هذه المسائل.
ولاحظ أن هذا إنما يوجه في حال ما إذا كان صادرا عن إمام معتبر، أما التناقضات التي تحصل في زماننا من أدعياء الفقه، فسببها الجهل بالقواعد والمسائل والراجح من المرجوح وتنزيل الفروع على الأصول، لا من هذا الباب المذكور هنا ..

والله الموفق ..