بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أما بعد ، فإن الإمامين التقي والتاج السبكيين رحمهما الله تعالى شيخا الإسلام ومحققا عصرهما بلا خلاف ولا تردد ، رضي الله عنهما ونفنا بهما

وإن الفائدة والثناء منهما على كتاب أو مصنف شهادة عظيمة يقتفي أثرها الطلاب ، ويفرح باقتنائها المتفقهين ، ذلك أنهما لسعة اطلاعهما ، ودقة نظرهما وشحة ثنائهما على أمر ، لا يكون ذلك منهم إلا بعد كثير تأمل ، وعظيم تمعن ، فتخرج النصيحة والفائدة من بين ركام كبير من التحصيل ، وجهد كبير من تحقيق وتحرير ، فمن علم مقام الناصح ، علم قدر النصيحة

وإن ترجمتهما حافة باهرة ، أعجزت من بعدهما أن يصلوا لهما ، لا في نظر ، ولا تحصيل ، ولا تحقيق ، ولا تقرير !

وكنت نقلا بعضا من ذلك عن ثناء بعض الأئمة على الإمام تقي الدين ، وعن بعض صور تحصيله ، وكتب غيري كأخي الشيخ سامح يوسف فوائد وقواعد وضوابط منثورة في المنتدى ، يجتنيها من بحث عنها ونقب ، والله الموفق

ولينظر كمثال بعض محفوظات الإمام تقي الدين وثناء أهل عصره عليه :
http://www.aslein.net/showthread.php?t=14381



وقبل الشروع في المقصود فإن إبراز بعض سعة علم الإمامين مطلوب ، والبيان معذر ، والاكتفاء بالإشراة المتاح ، وقد سبقت في حق الشيخ الإمام تقي الدين

وأما ولده الإمام التاج رحمه الله ، فأنقل بعضا مما قال ، به يظهر المراد

فإنه القائل رحمه الله في مقدمة جمع الجوامع :

ونضرع إليك في منع الموانع عن إكمال جمع الجوامع الآتي من فنّ الأصول بالقواعد القواطع عيشةٍ راضيةٍ لبالغ من الإحاطة بالأصلين مبلغ ذوي الجِدِّ والتّشمير الوارد من زهاء مائة مصنّفٍ مَنهَلاً يُرْوِي ويمير المحيط ما في شرحي على المختصر والمنهاج مع مَزِيدٍ كثيرٍ اهـ


فإن أراد أحد أن يطلع على بعض ما عنى من تلك المصنفات فإما أن يتتبع مصارده من كتبه ! أو فلينظر تسهليلا على نفسه شرحه المختصر ! على مختصر ابن الحاجب " رفع الحاجب " ، حيث ذكر بعض مصادره ، وإن المرء ليعجب من أسمائها فضلا عما فيها من علم وتحقيق التي ما - ولن ! - اطلعنا على أكثرها ، لفقد أكثرها أو ندرته ، وليس لنا إلا ما حفظ منقولا عنها والله المستعان

قال رحمه الله :

فبدأنا في شرح غاية في الاختصار، آية في جمع الشوارد والإكثار، يأتي على تقرير ما في الكتاب كله، مع مباحث من قبلنا،
ونقول: لا يجمع مثلها إلا لمثله،
فلقد نظرنا عليه مع توخينا الاختصار فيه كتبا شتى منها: الرسالة؛ للإمام الشافعي - رضي الله عنه - وشرحها؛ لأبي بكر الصيرفي، والأستاذ أبي الوليد النيسابوري، وأبي بكر القفال الشاشي الكبير، وأبي محمد الجويني، و " التقريب والإرشاد، في ترتيب طرق الاجتهاد "؛ للقاضي أبي بكر، وهو أجل كتب الأصول، ومختصره المسمى ب " التلخيص "؛ لإمام الحرمين، و " تعليقة " الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وتعليقة الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، و " آداب الجدل "؛ لأبي الحسين الجلال، و " معيار الجدل "؛ للأستاذ أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي، و " شرح الكفاية "؛ للقاضي أبي الطيب الطبري، و " العمد "؛ للقاضي عبد الجبار، و " المعتمد "؛ لأبي الحسين البصري، و " التقريب "؛ لسليم الرازي، وكتاب الأستاذ أبي بكر بن فورك، و " البرهان "؛ لإمام الحرمين، وشرحه؛ للإمام أبي عبد الله المازري المالكي، والكلام على مشكله؛ للمازري أيضا، وشرحه أيضا؛ لأبي الحسن ولقد عجبت لهذا " البرهان "؛ فإنه من مفتخرات الشافعيين، ولم يشرحه منهم أحد، وإنما انتدب له هذان المالكيان، وتبعهما شخص ثالث من المالكية أيضا يقال له الشريف أبو يحيى زكريا بن يحيى الحسيني المغربي، فجمع بين كلاميهما وزاد.
و" اللمع "، وشرحه؛ للشيخ أبي إسحاق الشيرازي، و " الملخص "، و " المعرفة "؛ له أيضا في الجدل، و " القواطع "؛ للإمام الجليل أبي المظفر منصور بن محمد بن السمعاني، وهو أنفع كتاب للشافعية في الأصول وأجله و " المستصفى "، و " المنخول "؛ للإمام حجة الإسلام، و " شفاء الغليل في بيان مسالك التعليل "؛ له أيضا، و " عدة العالم "؛ للشيخ أبي نصر بن الصباغ، وتعليقة ألكيا أبي الحسن الهراس، و " الملخص "؛ للقاضي عبد الوهاب، و " أصول الفقه "؛ للأستاذ أبي نصر ولد الأستاذ أبي القاسم القشيري، و " الوجيز "؛ لأبي الفتح بن وكتاب الإمام محمد بن يحيى، و " العقيدة "؛ لتلميذه شرف شاه بن ملكداد، و " شرح اللمع "؛ لأبي عمرو عثمان بن عيسى الكردي صاحب " الاستقصاء "، و " مشكلات اللمع "؛ لمسعود بن علي اليماني، و " المحصول "؛ للإمام، وغيره من كتب أتباعه؛ كشرحه؛ للقرافي، وشرحه؛ للأصفهاني، والمؤاخذات عليه؛ للنقشواني، و " التنقيح "؛ للتبريزي، و " شرح المعالم " [الذي " له؛ لابن التلمساني، و " النهاية "، و " الفائق "؛ كلاهما للشيخ صفي الدين الهندي، وغير ذلك، و " الإحكام "؛ للإمام سيف الدين الآمدي، و " المنتهى "؛ له، وغير ذلك من كتب أصحابنا، وكتب المخالفين من الحنفية وغيرهم، وطائفة من شروح هذا " المختصر "، مع [ما] التقطناه له من كتب الخلافيات؛ ك " المنهاج "؛ للقاضي أبي الطيب، و " النكت "؛ للشيخ أبي إسحاق، و " الأساليب "؛ لإمام الحرمين، و " التحصين "؛ للغزالي، و " شفاء المسترشدين "؛ ل " إلكيا " الهراسي، وتعليقة الإمام محمد بن يحيى، والإمام أسعد الميهني، والقاضي الرشيد، والطاووسي، والإمام فخر الدين، وسيف الدين الآمدي، وغيرهم، ومن الخلافيات للحنفية كتاب " الأسرار "؛ للقاضي أبي زيد، وتعليقة ابن مارة، وغيرهما، وغير ذلك كله مما لو عددناه لضيعنا الأنفاس، وضيعنا القرطاس. اهـ


وأكتفي بما سبق من تمهيد ، وأشرع في المقصود



[ التقريب والإرشاد للإمام الباقلاني ]

قال الشيخ الإمام العلامة التاج السبكي رحمه الله تعالى في مقدمة رفع الحاجب :

التقريب والإرشاد، في ترتيب طرق الاجتهاد "؛ للقاضي أبي بكر، وهو أجل كتب الأصول، اهـ 231/1

وقال فيه الزركشي رحمه الله : وهو أجل كتاب صنف في هذا العلم مطلقا اهـ البحر ط. الكتبي 11


وللأسف ما طبع منه إلا بعضه ، وباقيه أو أكثره مفقود ، والحمد الله أن حفظ فنا مختصره " التلخيص " لإمام الحرمين التالي ذكره .




[ تلخيص إمام الحرمين ]


قال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله عن التلخيص لإمام الحرمين رحمه الله :


واعلم ان هذا الكتاب قد أكثرنا النقل عنه في هذا الشرح وهو كتاب التلخيص لامام الحرمين اختصر من كتاب التقريب والإرشاد للقاضي فلذلك أغزو النقل تارة إلى التلخيص لامام الحرمين وذلك حيث يظهر لي ان الكلام من أمام الحرمين فإنه زاد من قبل نفسه أشياء على طريقة المتقدمين في الاختصار وتارة أعزوه إلى مختصر التقريب وهو حيث لا يظهر لي ذلك

والذي أقوله ليستفاد أني على كثرة مطالعتي في الكتب الأصولية للمتقدمين والمتأخرين وتنقيبي عنها على ثقة بأني لم أر كتابا اجل من هذا التلخيص ، لا لمتقدم ولا لمتأخر ، ومن طالعة مع نظره الى ما عداه من المصنفات علم قدر هذا الكتاب اهـ الإبهاج 109/2 ط. الكتب العلمية




[ برهان إمام الحرمن ]


وقال التاج رحمه الله في برهان إمام الحرمن :

ولقد عجبت لهذا " البرهان "؛ فإنه من مفتخرات الشافعيين، ولم يشرحه منهم أحد، وإنما انتدب له هذان المالكيان، وتبعهما شخص ثالث من المالكية أيضا يقال له الشريف أبو يحيى زكريا بن يحيى الحسيني المغربي، فجمع بين كلاميهما وزاد اهـ





[ قواطع الأدلة لأبي مظفر السمعاني ]


وقال التاج رحمه الله عن قواطع الأدلة للإمام أبي مظفر السمعاني رحمه الله :

و " القواطع "؛ للإمام الجليل أبي المظفر منصور بن محمد بن السمعاني، وهو أنفع كتاب للشافعية في الأصول وأجله اهـ رفع الحاجب 234/1

وقال فيه الزركشي في البحر :
وهو أجل كتاب للشافعية في أصول الفقه نقلا وحجاجا اهـ 11


[ البرهان والقواطع ]

وقال التاج عن البرهان والقواطع :

قلت : ولا أعرف في أصول الفقه أحسن من كتاب القواطع ولا أجمع ، كما لا أعرف فيه أجل ولا أفحل من برهان إمام الحرمين ، فبينهما في الحسن عموم وخصوص اهـ 343/5 طبقات الشافعية




[ شرح اللمع للإمام أبي إسحاق الشيرازي ]


قال الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين السبكي رحمه الله فيما يحكيه عنه ولده الإمام التاج :


وكان بينه وبين الشيخ الإمام الوالد رحمه الله ما يكون بين الأقران ولم يحفظ أحد عن الشيخ الإمام في حقه كلمة سوء وقد كان الشيخ الإمام رحمه الله لا يغتاب أحدا لا ابن الكتاني ولا غيره

وحدثني الشيخ ناصر الدين محمد بن محمود البساسي أعاد الله علينا من بركاته قال :
جرت بينهما مناظرة فنقل الشيخ الإمام عن الشيخ أبي إسحاق مسألة في الأصول ثم انصرفا
قال ناصر الدين فرآني ابن الكتناني فقال لي : قل لصاحبك - يعني الشيخ الإمام - الذي نقلته عن الشيخ ليس هو في اللمع

قال ناصر الدين : فجئت فوجدت الشيخ الإمام راكبا فحدثته
فقال: هات دواة فأخذت له دواة من الكتاب فكتب :

سمعت بإنكار ما قلته ... عن الشيخ إذ لم يكن في اللمع)
ونقلي لذلك من شرحه ... وخير خصال الفقيه الورع

لو وقفت على شرح اللمع لما أنكرت النقل فانظره فإنه كتاب نافع مفيد
حدثني الشيخ ناصر الدين قال هذا كان جوابه فأعدته على ابن الكتناني فسكت

وكان ابن الكتناني أسن من الشيخ الإمام ثم حصل للشيخ الإمام من الرواج والشهرة والعظمة في أنفس الناس ما هو جدير بأضعافه فصار بهذا السبب عند الثلاثة ابن الكتناني وابن عدلان وابن الأنصاري ما يكون بين أهل العصر ولم يكن فيهم إلا من هو أعلى سنا من الشيخ الإمام رحمهم الله اهـ 378/10-379



والله الموفق