أول تعريف جامع مانع لـ (البدعة)

السلام عليكم و رحمة الله
و الصلاة و السلام على خير خلق الله
اما بعد

فمن أكثر مصطلحات الشرع تعرضا للعبث هو مصطلح البدعة
حتى اخترعوا لها علما من فراغ (علم أصول البدع)
فإن فتحت أيا من تلك الكتب ، لن ترسيك على بر ، و لن تزيدك إلا تيها !

فهم حينا يقيدون البدعة بالعمل
و عندها سيخرج أصحاب البدع الاعتقادية كالمعتزلة و الجهمية
و حينا يقيدون البدعة بالاعتقاد
و عندها سيفلت من تعبد بما هو فاسد شرعا
و حينا يجعلونها قول و عمل
و عندها يفلت من صح اعتقادة فقط ، او صح عمله دون عقيدته !!!

و أرجهم عقلا من جعلها مرتبطة بالزمن
سيدى عبد الحى الكتانى السهالوى ، حيث عرفها بأنها

كل ما لم يكن له وجود فى القرون الثلاثة الأولى ، و لم يكن له سند من الأصول الأربعة (يعنى القرءان و السنة و الاجماع و القياس) !

و غالب من ألف فى البدع ، قد جهد جهده لإسقاط تعريف الكتانى ، مما أوحله فى متاهة لا يستفاد منها بشيء أكثر من ان البدعة ، ما حكم عليه أحد المشائخ بذلك ، و فقط !!!

لكن تعريف سيدى الكتانى ، لم يشمل البدع الحسنة
بل قد أتى من أتباعه من خص البدعة بانها لا تطلق إلا على كل مذموم ، حيث نص الحديث (كل بدعة ضلالة و كل ضلالة فى النار)

فلم يستجيزون تسمية (صلاة القيام جماعة) بدعة كما قال عمر رضى الله عنه
و كذا لم يرضوا تسمية الآذان الثالث للجمعه ، بدعة كما قال عثمان عليه السلام !!!

لكن تعريف سيدى الكتانى على رجاحته ، قد حوى قصورا بالغا
إذ ان غالب البدع التى ظهرت فى الإسلام ، قد نبتت بذرتها فى القرون الثلاث الأولى ، و كل منهم يأتى بأصول بدعته من القرءان و السنة و الاجماع و القياس !!!

فالمعتزلة قالوا بالتنزيه ، و بالغوا فيه حتى عطلوا جميع الصفات
و التنزيه حق ، لكن ليس بتلك الصورة !
و الجهمية تمسكوا بظواهر النصوص حتى أثبتوا لله تعالى الجوارح و الأعضاء (إلا العورة)
و ايضا التمسك بظواهر النصوص واجب ، لكن ليس بتلك الطريقة !!!
و الشيعة ، بالغوا فى حب آل البيت حتى كفروا من سواهم من الصحابة و امهات المؤمنين عليهم السلام !
و كذلك موالاة آل البيت حق ، و لكن ليس بذلك الفحش !!!

فالحق و الحق يقال
لكل بدعة مبتدع أصل فى الكتاب و السنة
لكنه قد أخذ هذا الأصل فنزعه من سياقه ، و ترك ما عداه من أصول !

إذن فلا المعيار الزمنى صالح لتعريف البدعة
و لا المعيار العقدى
و لا المعيار العملى
و لا حتى عدم موافقتها لأحد الأصول الأربعة

فقد قالت عائشة عليها السلام (اول ما ابتدع الناس فى الدين بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المناخل)

فهل للمنخل (المستخدم لتنقية الطحين) أصل من القرءان و السنة و الاجماع و القياس ؟؟؟

هذا كلام عجيب ، و تساؤل لا يطرح إلا و أدركت فساد معيار البدعة عند كل من حاول تعريفها !!!

فما هى البدعة إذن ؟
و كيف يمكننا تعريفها ؟

لهذا عدة أركان أولها
1 - الركن الزمنى
فكل ما لم يوجد على عهد النبى صلى الله عليه و سلم ، من الأفعال أو الأقوال أو المعتقدات او المخترعات أو الأدوات
هو بدعة على عموم اللفظ
حيث ان البدعة لغة : كل محدث على غير مثال سبق

و بناء على هذا الركن ، علمنا ان حديث (كل بدعة ضلالة) ليس على إطلاقه ، فمن البدع ما لا دخل له بعبادة و لا بعقيدة (كالمخترعات و منها المنخل)

2 - الركن الثانى
ركن عقدى
حيث لا عمل بغير نيه ، فمن سجد و فى قبلته صنم ، لا يكون مشركا حتى يضمر فى قلبه العبادة لهذا الصنم ، أما إن كان سجود لله ، غير ملتفت لوجود صنم من عدمه ، فليس بمشرك و لا شيء عليه !!!
بل و لعله أصلا لم ينتبه لوجود صنم بتلك الجهة ، و الا لانصرف عنه تنزها !

و بناء على الركن العقدى ، ستخرج سائر المخترعات و الأدوات التى لم تعرف على عصر النبى -صلى الله عليه و سلم-

و لكن من اتخذ ذلك (الاختراع) عبادة ، فهو مبتدع
كمن يتخذ حجرا لا يسجد إلا عليه !!!
و هو فعل الروافض ، إذ يعتقدون ان السجود على (التربة) شرط لصحة الصلاة !!!

فليست بدعتهم انهم يسجدون على الحجر ، و لكن بدعتهم ان يجعلونه شرطا لا تصح الصلاة بدونه !!!
يحتجون فى ذلك بأن النبى -صلى الله عليه و سلم- لم يسجد على شيء سوى الأرض !!!

فالآن لدينا ركنان للبدعة
ركن زمنى ، و ركن عقدى
و لكن هل هذان الركنان كافيان ليشملون كل أنواع البدع قديما و حديثا ؟

دعونا نتأكد بسرد بعض البدع
1 - بدعة التجسيد -- لم تكن على العهد النبوى ، و هى مقرونه بإعتقاد قلبى ، لا يشاركه (عمل بالجوارح)
2 - بدعة لطم الصدور على الموتى -- لم تكن على العهد النبوى ، و هى مقرونة بإعتقاد أنها تعبير عن مزيد محبة للميت و تأبين له (لا سيما إن كان من اهل البيت) فهى مندوبة عند الشيعة !
3 - بدعة الخروج على الحاكم المسلم ، بحجة أن النبى عليه الصلاة و السلام لم يكن ملكا ! فلا يبيحون وجود إمام لجماعة المسلمين ؟!
و هذا فاسد ، إذ ثبت له الملك بغير طلب و لا إدعاء ، و بخضوع تام من الرعية مؤمنهم و منافقهم و كافرهم ، و بمحبة أيضا ، و هذا لم يتوافر لأى ملك فى التاريخ مرباعه ، حتى سليمان عليه السلام !!!
4 - بدعة صلاة القيام جماعة
فلم تكن على العهد النبوى ، مصحوبة بإعتقاد ، ان صلاتها فى جماعة مزيد قربى لله تعالى !!!
5 - بدعة المناخل ، لم تكن على العهد النبوى ، لكنها تخلو من الركن العقدى ، فينتفى عنها وصف البدعة !!!

مما سبق سيتبين لنا أن هناك ركنان ركينان يجب أن يتوافرا فى أى بدعة ، سواء كانت حسنة ، أو منكرة !!!

1 - الركن الزمنى
2 - الركن العقدى

إذن المسالة لم تنتهى ، و لابد لنا من حد قاطع مانع بين (البدعة المقصودة بالحديث (كل بدعة ضلالة) و البدعة المقصودة بقول عمر رضى الله عنه (نعمت البدعة) !!!

الركن الثالث هو
3 - وقوع نازلة
و هو الركن الذى به تقوم كل بدعة ضلالة
و بدون وقع (نازلة) لا يتسنى للبدعة أن تظهر أصلا !!!

و النازلة هى واقعة شاذة ، لا مثيل لها فى التاريخ ، تستدعى أئمة مجتهدين فقهاء ، ليصدروا عليها الحكم اللائق بها !

فإن عدم الأئمة الفقهاء المجتهدون ، او لم تتبع كلمتهم
ظهرت البدع !!!

و بالمثال يتضح المقال
1 - بدعة التشيع
بدأت بنازلة اضطهاد بنى أمية لآل البيت و السعى وراءهم لإغتيالهم ، فإنقسم الصحابة انفسهم بين مؤيد لعلى عليه السلام و ىل البيت و مناصر لمعاوية !
و تلك فتنة ، كان الحق فيها مع سيدنا على عليه السلام ، و لكن النصر فيها كان لمعاوية !!!
و هذا أدى لإستشراء بدعة التشيع ، إذ انتصر الباطل على الحق ، و المثل يقول (لا صوت يعلو على صوت المعركة)
فلن يسمع أحد فتوى مجتهد و لا مجال لسماع علم عالم !!!

2 - بدعة التجسيم
ظهرت مع مطلع أولياء الصوفية كالجنيد و معروف الكرخى ، و حديثهم بالرؤى و الكشوفات ، ما يوهم حقيقة التجسيد
فقلدهم قوم على غير بصيرة ، على رأسهم ابو الجهم !!!

3 - بدعة التعطيل
ظهرت فى مقابل (بدعة التجسيد) ، القول بوجوب التنزيه ، و تأويل ما لا يليق بالذات الإلهية من لوازم الأجساد !
و هذا سبب تأخر ظهور الاعتزال عن التجهم ، فأوجبوا التأويل فى جميع الصفات ، حتى الصفات الكمالية كالعلم و القدرة ، و التى لا يستوجب اثباتها على ظواهرها إثبات نقص على الله تبارك !!!

4 - بدعة الزندقة
و التى تأخر ظهورها للقرن الخامس ، و هى فرقة من المعتزلة جنحت إلى تأويل سائر الغيبيات ، لا الصفات و فقط ، و اشتهروا اليوم بـ (القديانية)

تلك أربع بدع
انبنى بعضها على بعض ، و كلما ابتعدت زمانيا و مكانيا عن مهبط الوحى ، كلما ازدادت فحشا و فجورا !!!

من تتابعها سيتبين لنا ، أن النازلة ربما كانت (بدعة سابقة)
و ربما كانت فتنة ، لا مدخل فيها لسماع صوت العقل

و من هنا سنعلم
ان البدعة لا تكون ضلالة إلا إن صاحبها (نازلة) أفتى فيها من لا قبل له بالفتوى !!!

بدع أخرى :
الحلول و الاتحاد و غيرها من عقائد السابقين
نشات من نازلة إختلاط العرب بأمم أخرى لا تعرف العربية ، ففهمت النصوص العربية على وفق عقائدهم القديمة !!!

لكن فى الحقيقة
لم نصل بعد إلى التعريف الجامع المانع
إذ ان البدعة الحسنة أيضا قد تنشأ عن نازلة ، كبدعة حرق المصاحف لعثمان بن عفان لما وقعت نازلة التنازع فى القرءان
و كبدعة الآذان الثالث للجمعة ، و الذى نشأ عن انشغال الناس فى الاسواق عن صلاة الجمعة

لكن وقوع النازلة شرط فى بدعة الضلالة و ليس شرطا فى البدعة الحسنة !!!

إن فكرة التأصيل ، ليست غائبة عن ذهنى ، لكنها غير صالحة ههنا ، لأنى كما أسلفت ذكرت ان كل مبتدع يخرج بدعته من الأصول الأربعة ، لكن بفهم سقيم !!!

فأين الخط الفاصل بين الفهم السليم و الفهم السقيم ؟

فى الحقيقة فإن الخط الفاصل الوحيد هو (ما ينبنى عليه)
فإن ما ينبنى على بدعة الضلالة يبتعد بها عن أصول الإسلام الشهيرة ، كما رأينا كيف جر التجسيد الى التعطيل إلى الزندقة !!!

لهذا
فإن أهل البدع دائما ما يتفرقون الى فرق متناحرة مختلفة عقائدا و فقها
{ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ }
فالأصل بين قلوب الناس هو الإختلاف و لكن الاسلام قد ألف بين أمم الأرض عرب و هنود و فرس و مغول و زنج و أوروبيون ، و ما كان لهم لأن يتفقوا على أى دين خلافه !!!

و فى أى مكان ترحل إليه من العالم (فيه مسلمين) ستشعر بالألفة ، و كانك بين أهلك !

كذلك ، فإن كل من يرغب فى انكار احد العبادات أو الشعائر او التعاملات أو العقائد ، نجده يحذر مما يقود إليه الاعتقاد بها أو العمل !!!

فى الحقيقة
فإن الخط الفاصل بين الفهم الصحيح و الفهم السقيم هو (أن تفهمه) أنت ، ليس وفقط ، بل و تفهم لماذا كان ما عداه خطأ !!!

فلا بدعة تخلوا من تعصب ، و لا تعصب إلا و هو مقرون بالإفتراء على المخالف ، و نسبة أفعال اليه و أقوال هو بريء منها !!!
إذن ، فحتى تفهم (المذهب الباطل) لا ينفع أن تصدق كل ما يقوله شيخك عنه !!!
فلو كان شيخك من أهل البدع ، فلابد أن يرمى مخالفيه بالباطل ، و بما هو يبرأون إلى الله منه !!!

أنت تريد طريقا سهلا ، شيخا تثق فيه ، ثم تعلق كل شيء فى رقبته يوم القيامة !!!
الطريق السهل ليس إلا طريق جهنم
{ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا }

فإياك أن (تؤمن) بشيخ ، و لا حتى (أن) تأمن لشيخ ، كلمة حكمة خذها من صوفى !!!

لابد أن تفهم الباطل ، لماذا هو باطل ؟
فإنك لن تعرف الحق دون أن تعرف الباطل قبله !!!

أهل البدع جميعا يحرجون على أتباعهم قراءة كتب المخالفين ، لأنهم يعلمون أن مذاهبهم منقوضه عقلا !
بل و ربما حرموا على أتباعهم (استخدام العقل) أصلا ، ليصيروا كالبهائم ، يسيرون خلف كل راع إلى المذبح !!!

و ختاما
فقد توصلنا إلى أربعة أركان للبدعة ، لو فقد (الأمر) أحد الشرطان الأولان ، فلا يجوز تسميته بدعة أصلا ، و هما :
1 - الركن الزمنى : لم يكن على عهد النبى صلى الله عليه و سلم
2 - الركن العقدى : أن يعتقد فاعله أنه يتقرب إلى الله تعالى بهذا الأمر

و لو فقد الركن الثالث ، فهى بدعة هدى يقينا ، لا ضلالة ، و هو :
3 - وقوع نازلة : أفتى فيها الجهلاء فصلوا و أضلوا

لكن حتى بوقوع النازلة ، فربما كان من يفتى فيها ليس بجاهل ، فكانت بدعة هدى ، لهذا إحتجنا إلى الركن الرابع
4 - الفهم الصحيح للمسألة : و لن تعرف الفهم الصحيح حتى تعرف الفهم السقيم و لماذا هو فاسد ؟

[ حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري قال : قال حذيفة : " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشر " ، قيل : لم فعلت ذلك ؟ قال : " من اتقى الشر وقع في الخير ]

أبما بعد
فهذا أول تعريف جامع مانع للبدعة
و كل تعريف غير هذا تجدونه فى الكتب ، فهو قاصر (جدا) و يسمح بإدخال آلاف من فرق المبتدعة تحت ستار (أهل السنة)

اللهم إن هذا أول أيام شهرك رمضان المبارك
فاجعل هذا الموضوع خالصا لوجهك الكريم
و فاتحة خير لى و لسائر المسلمين
و فرج عاجل للمكروبين من أهل (لا إله إلا الله)
إنك أنت الغنى الكريم
و الصلاة و السلام على إمام الهدى ، شفيع الورى
من خصصته بليلة هى خير من ألف شهر
و على آله و صحبه و أزواجه و التابعين و اتباعهم الى يوم الدين