#القول_البر_في_الاحتفال_بمولد_الأبر
       
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، القائل: (قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني؛ يحببكم الله، ويغفر لكم ذنوبكم"
والصلاة والسلام، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، القائل: (من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه، فهو رد)
أما بعد:

ففي كل عام، وفي مثل هذه الأيام، نشهد جدلاً واسعا، وتباينا شاسعا، على الساحة السّاحّة، وبين الغادة والراحّة، عن الاحتفال بمولد المصطفى، والنبي المجتبى، والرسول المرتضى، عليه الصلاة والسلام؟

وحباً مني، في إيصال الحق، للخلق، أحببت أن أتقدم بهذه الأكتوبة، التي أعلم أن سطورها وكلماتها، مكتوبة، ومعانيها عليّ محسوبة.
فقلت، وعلى الله الكريم اتّكالي، وإليه وعليه تفويض أمري واستنادي:

إن حب النبي صلى الله عليه وسلم، عبادة عظيمة،  وفريضة حتمية، يتوقف عليها، إيمان المؤمن، فمن لم يحبه عليه الصلاة والسلام، فقد فارقه الإيمان، ونابذه الإحسان!! (والله لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من والده وولده، والناس أجمعين) كما في الصحيح.

وإنا نشهد الله وملائكته، ومن حضر وسمع وقرأ من الإنس والجن أجمعين، على حبنا لنبينا وسيدنا وقدوتنا وقائدنا الحبيب الكريم، والنبي العظيم، والرسول الفخيم، عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم.
نعم، نحب نبينا، وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وسلم، أشد وأكثر وأعظم وأجل وأعلى من حبنا لأنفسنا، ولأزواجنا، ولآبائنا وأمهاتنا.

وأكبر علامة الحب له: اتباع سنته، واقتفاء أثره، وترسم خطاه، فهو القائل عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين) كما في الحديث الصحيح.

يامدعي حب أحمد، لا تخالفه *** الخلف يحرم في دنيا المحبينا
أراك  تأخذ  شيئا من  شريعته ***
وتترك البعض تهوينا وتدوينا

والاحتفال بمولده، عبادة يتقرب بها أصحابها إلى ربهم تبارك وتعالى.
ونحن عندما ننظر لمن يحتفلون بمولد النبي الكريم، ونسألهم، لمَ ذاك؟
كان جوابهم: إن هذا تعبير عن حبنا لنبينا، وتجسيد لطاعته علينا !!
وأنتم يامن لا تحتفلون بمولده، لا تحبون نبيكم، ولا تحترمونه!!
قلت لهم: بهدوء: أعلامة حبنا لنبينا عليه الصلاة والسلام، هو حضور مكان الاحتفال، والرقص مع النساء والرجال؟!!


فنحن لا نلتزم أن نحبه يوما واحدا، بل إن ذكره ملازم لنا: ليلا ونهارا، سرا وجهارا، نقرأ في (الصحيحين) و (الأمات الست) و (السنن) و (المسانيد) و (المعاجم) و (المشيخات) و (الأمالي) و (الأثبات) و (المستدركات) و (المستخرجات) وغيرها من متون السنة، التي لم تغادر سنة من سنن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، إلا وذكرتها، فنحن نعيش معها، ونسامرها، فتؤنسنا، وتشرح صدورنا.

وماأجمل ما قاله حسان بن ثابت في وصف الرسول عليه الصلاة والسلام:

أغر عليه في النبوة خاتم *** من الله ميمون يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه *** إذ قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد
نبي أتانا بعد يأس وفترة *** من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
فأمسى سراجا مستنيرا وهاديا *** ولاح كما لاح الصقيل المهند
وأنذرنا نارا وبشر جنة *** وعلمنا الإسلام فلله نحمد

أيها الأطياب: آلاحتفال بمولده، عليه الصلاة والسلام، فعله الصحب الكرام، أوالتابعون الفخام، الذين حفظوا للنبي عليه الصلاة والسلام، -أشد وأكثر وأفضل- الاحترام؟
أجيبكم: لم يرد ذلك عنهم، لا في حديث صحيح، ولا ضعيف، بله موضوع!!

 بل روى أبو داود، عن حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه- أنه قال: (كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد فلا تتعبدوها؛ فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً، فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم)

فهل نتهم الصحب الكرام، بالتقصير في حبه، والجفاء في محبته؟!

أحبابنا: ألا يسعنا ماوسعهم؟ ألا يجدر بنا أن نلزم غرزهم؟؛ فإنهم السادة والقادة، وهم من سلكوا الجادّة، ولم يتركوا في دينهم شاذة ولا فاذة، ف "لو كان خيرا" لسبقونا إليه، وحثونا عليه، وهم من بذلوا الغالي والنفيس، في سبيل الله، وفي محبة رسول الله عليه الصلاة وأتم التسليم.

أأسْتدراك على شرع الله الكامل الفاضل العادل؟!
أتعقيب على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
أتعقب على إجماع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

ألم يكمل الله دينه،؟ بلى، قال الله: "اليوم أكملت لكم دينكم..." الآية.
و(كل من زاد في الدين، شيئا، فقد استدرك على الشرع) كما قال السلف

ولله در الفقيه الفطِن ابن مسعود، حينما قال:
(إنكم على ملة، أهدى من ملة نبيكم، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة) كلمة مدوية من عبدالله بن مسعود، لبعض المستحسنين في الشرع.

وقد نقل الإجماع -من أباح المولد، كابن حجر والسخاوي-، أن المولد لم يعمل ويخترع إلا بعد القرون المفضلة، التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم، بالخيرية، والذين كانوا أشد اتباعا للحضرة النبوية!

وإني لأعجب، كما عجب الإمام أبو عمرو بن العلاء، ومما تعجب العلامة ابن الحاج؛ إذ يحتفلون بيوم مولده، وهو يوم وفاته!!
فبأيّ شيء يحتفلون؟!

قال أبو عمرو بن العلاء: (لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب، هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي -وهو ربيع الأول- هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه)!!

ويقول ابن الحاج، في (المدخل: 16):  "ثم العجب العجيب، كيف يعملون المولد للمغاني والفرح والسرور؛  لأجل مولده عليه الصلاة والسلام، -كما تقدم في هذا الشهر الكريم- وهو عليه الصلاة والسلام، فيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل، وفجعت الأمة فيه، وأصيبت بمصاب عظيم، لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبداً، فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير، وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به ......". أهـ

قلت: وهو القائل عليه الصلاة والسلام: (إذا أصيب أحدكم بمصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب) رواه الطبراني في المعجم الكبير: 6579).

وإنما كان مبدأ المولد ونشأته، هو من الفاطميين الروافض العبيديون، على يد المعز لدين الله، في عام ٣٦١ه‍. نقل ذلك: المقريزي في (خططه: 1/490) والقلقشندى في (صبحه: 3/498) والسندوبي في (تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي: 69) ومحمد بخيت المطيعي في (أحسن الكلام: 44) وعلي فكري في (محاضراته: 84) وعلي محفوظ في (إبداعه: 126).

وقال الشيخ محمد رشيد رضا: (هذه الموالد بدعة بلا نزاع، وأول من ابتدع الاجتماع لقراءة قصة المولد أحد ملوك الشراكسة بمصر) [المنار (17/ 111)].

قلت: وذلك أن الفاطميين: أظهروا الزراية والشماتة بأهل الإسلام، ففقدوا بذلك الهيبة، وباؤوا بالخيبة، فأرادوا إيهام الناس بالإسلام، وبحب النبي عليه الصلاة والسلام، فاخترعوا لهم الموالد، فانجفل إليهم الطارف والتالد، وقلدهم الولد والوالد!!

ثم أميتت هذه الفعلة، -التي كانت ميتة، فأحياها الأموات- حتى كان صاحب إربل، الملك المظفر، أبو سعيد كوكبوري في آخر القرن السادس، نقلها إليهم، شيخ صوفي يدعى عمر بن محمد الملا. فأعادها جذعا كما كانت، ورحب الناس بها وصفقوا، وحضروا وزعقوا !!
وهذا شأن العوام الطغام، الذين لا يميزون بين الحلال والحرام، بل حياتهم تقليد لغيرهم من الأنام.

ولا شك أن العصمة مفقودة من الخلق، وجل من لا يخطئ.
ففعلها  وأقرها بعض العلماء: إما مجاملة، أو خوفا، أو حبا للنبي عليه الصلاة والسلام، أو ترفا.

وهكذا استمرت إلى يوم الناس اليوم، يفعلونها، ويحتفلون بها، ويتقربون إلى الله -زعما- بالصيام، وبذبح الأنعام، وبرقص الأعلام  والطغام!!

وكم عجبت وتعجبت، عندما قرأت، ماسطره المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي -الذي عاش في زمن الحملة الفرنسية- أن “نابليون بونابرت” اهتم بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة 1213هـ 1798م، من خلال إرسال نفقات الاحتفالات وقدرها 300 ريال فرنسي إلى منزل الشيخ البكري (نقيب الأشراف في مصر) بحي الأزبكية، وأُرسلت أيضًا إليه الطبول الضخمة والقناديل.. وفي الليل أقيمت الألعاب النارية احتفالاً بالمولد النبوي، وعاود نابليون الاحتفال به في العام التالي لاستمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية وقوادها ... ثم يذكر السبب، وهنا زال عجبي:!! فيقول: من كتابه (عجائب الآثار: 2/306): "ورخص الفرنساوية ذلك للناس؛ لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، واتباع الشهوات والتلاهي، وفعل المحرمات".
ينظر: (عجائب الآثار: 2/249،201) و(مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس ص47)

ويا لله، كم يحصل فيها من الإسراف والتبذير، وبعضهم عيشه قصدٌ بل تقتير!
وكم يقع فيها من المحرمات: من اختلاط وزحام من الجنسين، بل من ضياع الصلوات من بعض من أخبرونا عن حالهم!

قال الفاكهاني في كتابه: (المورد في عمل المولد): "لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة، أحدثها البطالون، وشهوة نفس اغتنى بها الأكالون".

قلت: بل أصبح فعل المولد، أنسٌ للعاشقين، وموئل للباطلين، ومرتع للراقصين، ومكان للفارغين، حاشا البعض ممن صفت نيته، وطهر قلبه، فأراد البر والاحترام، وأظهر الطاعة والالتزام، وقد قال في هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الله يأجر هؤلاء، على محبتهم وصدقهم، لا على حضورهم ومذقهم.

ويذكر بعض الباحثين: (أن المشاهدات الواقعية الحية، ووسائل الاتصال الحديثة، لا تدع مجالا لمكذب، إذ يصبح المولد عند بعضهم -وخاصة بلاد العجم- مرتعا للفسق، وانتهاك الحرمات، والإغراق في البدع الإلحادية في أحيان كثيرة، كما يصبح مباءة للفسقة، والسحرة، والذين يضحكون على بعض العامة، -وهم كثر- باسم الولاية، وبركة المولد، فينتهكون حرماتهم وشرفهم، ويسود الاختلاط، بل ترى رقص النساء كاشفات عن أجزاء من أجسامهن أمام ومع الرجال، إما تحت مسمى الوجد، أو التعبد، وإظهار الذل والانكسار، وطلبا للشفاعة، وكم من مآسي ترتكب باسم المولد الذي ليس من الدين، لا في ورد ولا صدر)!!


وهؤلاء الصادقين، قد شعروا بتحول روحانية المولد، -كما يسمونها-  الذي كانوا يجدون فيه اللذة وا
لراحة، والطمأنينة والسماحة، فشكوا وضجوا، مما يرون، ومما يجدون من هتك للحرمات، وقطع للصلوات!!

حتى أن بعض الحاضرين، قال: إن كثيرا من المترددين على المولد: نعرف عنه المعاصي والشهوات، والعشق للملذات.
فحضروا لهوى في نفوسهم، وانتكاس في سلوكهم.
والله المستعان.

وأختم لك بطائفة ممن وقفت عليها، دون استقصاء، ممن حرموا الموالد:

* شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: (اقتضاء الصراط المستقيم ( 2 /619 )، ومجموع الفتاوى( 1/312 ).
* العلامة الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني له رسالة بعنوان (المورد في الكلام على عمل المولد) وهي قيمة مهمة.
* الاستاذ أبو عبد الله محمد الحفار، له فتاوى ذكرها الونشريسي في (المعيار المعرب).
* العلامة ابن الحاج أبو عبد الله محمدبن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي، ينظر:  (المدخل).
* الشيخ العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية.
* الشيخ على محفوظ في كتابه المنفاع:  (الإبداع في مضار الابتداع)
* الإمام الشاطبي، في (الموافقات) وقد حوت من العلم الجزالات.
* الشيخ رشيد رضا في أكثر من موضع من مصنفاته كما في المنار (9/96)، المنوار.
*أبو عبدالله، محمد بن عبد السلام المستنيري.
*ابن حجر الهيتمي، في (الفتاوى الحديثية) التي حوت دقائق خفية.
*نصير الدين، المبارك، الشهير: بابن الطباخ.
*ظهير الدين، جعفر التزمنتي.
*البناني المالكي.
* أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي وهو من علماء الهند، في تعليقه على (سنن الدارقطني) وهي: جوهر نقي.
* الشيخ بشير الدين القنوجي وهو من علماء الهند وهو شيخ أبي الطيب، في رسالته (غاية الكلام في إبطال عمل المولد والقيام) وهي حرية بالاهتمام.
* الشيخ فوزان السابق كما في كتابه (البيان والإشهار: ص 299) فاقتنه، فإنه في أهل البدع، مسمار.
* الشيخ محمد بن عبد السلام خضر الشقيري في كتابه (السنن والمبتدعات) وهو من الكتب النافعات.
* شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
* العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما في (الدرر السنية) التي حوت دررا جوهرية.
* العلامة الشيخ محمد بن ابراهيم له رسالة في (إنكار عمل المولد) وتنظر؛ (مجموع فتاواه (3/48-95).
* العلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد في رسالته (هداية الناسك إلى أهم المناسك) فاقرأه، وقاك الله المهالك.
* العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز له رسالة في (حكم الاحتفال بالمولد النبوي) وهي على صغرها، منهل روي.
*محمد حامد الفقي، في تعليقه على (الاقتضاء).
*العلامة مقبل بن هادي الوادعي.
*محمد بن إسماعيل العمراني.
* العلامة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري في رسالة بعنوان (الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي وبيان أخطائهم في المولد النبوي) وهو متين حوي.
* الشيخ العلامة إسماعيل الأنصاري له رسالة وهي من أجود ماألف في بابه، بعنوان (القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل) وهو غاية في النفاسة والجزالة.
* العلامة الشيخ محمد الصالح العثيمين.
*أبو بكر الجزائري، في رسالته (المولد بين الغلو والإجحاف) وهي غاية في البيان والإنصاف.
* الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين .
* الشيخ صالح بن فوزان الفوزان .
وغيرهم كثير، لا يحصيهم مقالي، وقد اطلعت على مجلدين، يحوي رسائل عن حكم عمل المولد، من تحقيق الشيخ: علي بن حسن عبدالحميد.

وأخيرا: أيها الفاضل، لا تعتب علي، فهذه حقائق ذكرتها، وعقيدة اعتقدتها، علّها أن تقابل قلبا صادقا، فيفكر ويدبر، ولا يعلل ويبرر.

هذا ماأردت تحريره وتقريره، وكتْبه وزبْره، آملاً منك، وداعياً الملك، أن يريك الحق، حقا، ويرزقك اتباعه، والباطل، باطلا، ويرزقك اجتنابه، "والله يقول الحق وهو يهدي السبيل" وحالي، كحالي النبي الكريم، القائل: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت عليه توكلت وإليه أنيب"