قال المقريزي - رحمه الله تعالى - : "وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة: أعياد ومواسم، وهي: موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن، ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النوروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام الركوبات" المواعظ والاعتبار (2/118).
إذن المولد النبويُّ بدعةٌ فاطميةٌ بامتياز.
الفاطميونَ شيعةٌ قرامطة باطنية قال ابن كثير وهو يتحدثُ عن المعز الفاطمي حاكم الدولةِ الفاطمية: "كما قاله عنهمُ الباقلاني - رحمه الله تعالى - : "إن مذهبهم الكفر المحض وأعتقادهم الرفض" وكذلك أهل دولته ومن أطاعه ونصره ووالاه قبحهم الله" ونقل ابنُ كثيرٍ عن أبي بكر النابلسي أنه قال للمعز الفاطمي - لعنه الله - : "ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم (أي الروم) بالعاشر وقال (أي المعز الفاطمي) : ولم؟ قال: لأنكم غيرتم دين الأمة وقتلتم الصالحين وأطفأتم نور الإلهية وادعيتم ما لبس لكم" فقتله بطريقةٍ بشعة نقلها ابن كثير في البداية والنهاية (11/284).
الفاطميون ادَّعَوا كذباً وزوراً أنهم أحفادُ فاطمةَ بنتِ النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُصَدِّقْهُمُ العلماءُ وأهلُ الأثر والخَبَرِ، قال ابن كثير: "وفي ربيع الآخر منها كتب هؤلاء ببغداد محاضر تتضمن الطعن والقدح في نسب الفاطميين وهم ملوك مصر وليسوا كذلك وإنما نسبهم إلى عبيد بن سعد الجرمي وكتب في ذلك جماعة من العلماء والقضاة والأشراف والعدول والصالحين والفقهاء والمحدثين وشهدوا جميعا أن الحاكم بمصر هو منصور بن نزار الملقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار والخزي والدمار ابن معد بن إسماعيل بن عبدالله بن سعيد لا أسعده الله فإنه لما صار إلى بلاد المغرب تسمى بعبيدالله وتلقب بالمهدي" البداية والنهاية (11/345).
فأراد هؤلاءِ أن يُثبتوا للعوام نسبَهم للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فابتدعوا هذا المولدَ، فكان بدعةً فاطميةً لم يُحدثْها إلا الفاطميون في القرنِ الرابع الهجري.
أراد الفاطميون بابتداع هذه الموالدِ كالمولدِ النبوي:
1) أنْ يُلهوا النَّاسَ ويصرفوا أنظارَهم عن الكُفر الواضح، والشِّرْكِ الصُّراح، الذي أقام بُنيانَه العُبيديون الفاطميون، ورفعوا وشيَّدوا صرحَه عالياً في شمال إفريقيا من المغربِ حتى مصر.
2) أن يُقدِّموا دليلاً وبينةً على نسبِهم إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عندما كذَّبَهُمُ العلماءُ والفقهاءُ وأهلُ السِّيَرِ، ولم يُصدِّقْهُمُ العوام، ولسانُ حالِ العُبيديين: ها نحنُ نحتفلُ بمولدِ جدِّنا!.
3) أرادَ هؤلاءِ الزَّنادقةَ أن يصرفوا النَّاسَ والعوام خصوصاً في مصرَ عن الحالِ السيئةِ التي وصلتْ إليها مصرُ بسبب حكمِهمُ الظالمِ الباغي، وأن يُلهوا العوامَّ المحرومين عن المطالبةِ بحقوقهم.
الأسبابُ التي دَعَتِ الفاطميين القرامطةَ الباطنيينَ الشيعةَ إلى ابتداعِ هذا المولدِ المُبتَدَع تنقسم إلى أسبابٍ سياسيةٍ بالدَّرَجَةِ الأولى، فيكسبوا ولاءَ النَّاسَ بالعاطفةِ التي كانوا يحملونَها تجاهَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
واقتصادية فالمولدُ كان وسيلةً لهؤلاءِ الكَفَرَةِ المشركين لابتزازِ أموالِ النَّاسِ وسرقتِها.
وأيضاً أسباب دينية ليجعلوا مذهبَهُم أو دينَهم الشنيعَ مقبولاً عندَ النَّاسِ، فالعوام يُصفِّقون لكلِّ من لعبَ بعواطفِهم.
لقدِ اختلفَ أهلُ الأخبار والآثارِ والسِّيَر في تحديدِ تاريخِ ومكانِ ولادةِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فمنهم مَن قال إنه وُلد في 17/ ربيع الأول، ومنهم مَن قال إنه وُلدَ في 2/ ربيع الأول، ومنهم مَن قال إنه وُلدَ في 8/ربيع الأول، وقيل في 10/ربيع أول، ومنهم من قال 12/ ربيع أول، ومنهم من قال إنه وُلد في رمضان، ومنهم من قال وُلد في صفر، وقد اتفقوا أن ولادتَه كانت في عام الفيل يومَ الاثنين.
والسببُ في الخلاف: أنه لم يُنقَلْ إلينا بحديثٍ أو أثر صحيحٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أو أحد من صحابتِه في تحديدِ تاريخِ الولادة فيبقى علمُ ذلك عندَ اللهِ تعالى.
الفاطميون المشركون الباطنيون هم مَنْ أحدثَ بدعةَ المولدِ النبوي والاحتفال به، وقدْ أمَرَنا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بمخالفةِ المشركينَ، فلِمَ نخالفُ قولَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟!
قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "خالفُوا المشركين" رواه البخاريُّ.
لمْ يتَّفِق أهلُ السيرِ على تاريخِ ولادةِ النَّبيِّ صلى الله عليهِ وسلَّمَ فعلى أيِّ أساسٍ وبأيِّ دليلٍ يُحدَّدُ مولدُهُ صلى الله عليه وسلم؟
الاحتفالُ بعيدِ الفطرِ وعيدِ الأضحى عبادةٌ شرعيةٌ، وأمرٌ نبويٌّ، فأينَ الأمرُ النبوي، أو الاستحبابُ، أو حتى التلميح بدلالةِ مفهومٍ أو إشارةٍ أو اقتضاء أو غير ذلك على الاحتفالِ بمولدِ النَّبي صلى الله عليه وسلم.
هل فعل ذلكَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، هل فعل ذلك أبو بكر أو عمر أو عثمان أو عليٌّ رضي الله عنهم؟ قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المهديينَ من بعدي".
هل احتفل الصحابةُ الذين هم أتقى وأخشى وأحرص منا على كلِّ خيرٍ بالمولد النبوي؟!
هل احتفل التابعون أو تابعوهم أو تابعوهم؟ هل احتفل بالمولدِ النبوي أبو حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد أو ابنُ حزم أو ابن تيمية أو ابن حجر أو النووي أو البخاري أو مسلم أو أبو داود أو الترمذي أو النَّسائي أو ابنُ ماجه أو الحاكم أو الذهبي أو ابن كثير أو الطبري أو علماءُ الأمصارِ المعتبرين؟
إن كان الجوابُ: لا، فأرِحْ نفسَك ولا تُتعبْها في البحثِ، واحرصْ على مالِك ووقتِك وجُهدِك ولا تُضَيِّعْها بما لم يفعلْهُ أولئك الفحولُ.
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم: "خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم" رواه البخاري ومسلم وذكر الألبانيُّ أنه متواتِرٌ.
سيقولون: بدعةٌ حَسَنةٌ نستذكرُ بها النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم.
نقول: أفلا نستحدثُ عيداً لتذكر إبراهيم وموسى وعيسى وداود وسليمان وزكريا ويحيى وإلياس عليهم السلامُ؟
أفلا نستحدثُ مأتماً في ذكرى وفاةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم؟
أفلا نستحدثُ عيداً لغزوة بدر وأُحُد والأحزاب؟
أفلا نستحدثُ ذكرى لأبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وعائشة ؟
أفلا نستحدثُ صلاةً جديدةً اسمُها صلاةُ الذِّكرِ للهِ أَوْلى وأحْرى؛ فاللهُ أَوْلى أن نذكرَه من جميعِ الخَلْقِ.
كلُّ ذلك باطلٌ، ولا قيمةَ له في الشَّرْعِ بما فيه المولد النبوي.
السنةُ الحسنةُ هي سنةٌ نبويةٌ نُحييها بعدما تركها النَّاسُ، والسنةُ السيئةُ هي ما قال عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "من أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ" فكيفَ بسنةٍ استحدثَها المشركون الفاطميون الباطنيونَ الكَفَرَةُ؟ كيف نتَّبِعُها؟
النبيُّ صلى الله عليه وسلم والصحابةُ والتابعون وتابعوهم لم يحتفلوا بالمولدِ النبوي.
الفاطميون المشركون احتفلوا بالمولدِ النبوي.
فاختَرْ أيَّهُما تشاءُ؛ ليكونَ أُسوتَك وقدوتَك.
فمن ترك الاحتفالَ فعل ما فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم وخيرُ القرون، ومن احتفل فعل ما فعله المشركون الفاطميون.
اللهم اجعلْنا هداةً مهديين.
وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.