جــــــهاد النفــــــس

*************

وضع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ اللبنه الأولى فى تكوين الفرد الصالح ، وبناء المجتمع الفاضل ، الذى تظله الفضيلة ، وتغمره السعادة ... إنها تربية الإسلام المجيدة ، التى تعتنى بالفرد ... تعتنى بسلوكه وأخلاقه ، تعتنى بنزعاته ورغباته ، بميوله وأتجاهاته ، فتوحهه الوجهه الصالحة ، التى تكفل له السعادة فى الدنيا ، والراحة فى الآخرة ، وتجعل منه عضواً نافعاً للمجتمع ، وأنساناً مثالياً يعيش بين أخوانه وأقرانه عيشة الشرفاء ، الذين يعرفون مالهم وماعليهم ، فلا يظلمون ولا يعتدون ، ولا يحاولون أن يسلكوا الطريق الملتوية التى يزينها لهم الشيطان !!
عن أبى يعلى ـ شداد بن أوس ـ عن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال :
( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى )
رواه الترمذى
وهكذا ـ فى إيجاز وروعة ـ يقسم النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ الناس إلى قسمين ، ويجعلهم صنفين أثنين :
1ـ صنف عرف غاية وجوده فى هذ الحياة .. فجد وأجتهد ، وكافح وناضل ، وحاسب نفسه على ماقدمت من أعمال ، فزجرها عن الشر ، ودفع با نحو الخير ، وسما بها إلى درجات الكمال ... وهذا الصنف من البشر ، هم الصفوة ، هم الأخيار الأطهار ، هم العقلاء الذين أدركوا سر هذه الحياة ، فتزودوا من دنياهم لآخرتهم ، ووقفوا عند حدود الله ، فكفوا جوارحهم عن الآثام والموبقات ، وأبتعدوا عن المحرمات والشهوات ، ونظروا إلى الدنيا نظرة البصير العاقل ، الواعى المتدبر ، الذى لن تؤثر فيه عواصف المدنية الهوج ، ولا أسليبها الماكرة الخادعة ... وهناك أدركوا حقارة الدنيا الفانية ، فأقبلوا على الآخرة بصدق وأخلاص ، وإيمان ويقين ، وأجهدوا أنفسهم فى طاعة الله ، فكانوا من السعداء الأبرار .

2ـ والصنف الآخر هم الذين أخطأوا الفهم الصحيح للحياة .. ولم يدركوا سر وجودهم فيها ، فساروا مع أهوائهم ، وعاشوا لشهواتهم , وظنوا الحياة خالدة لهم ، فلم يعرفوا من الدنيا إلا التمتع باللذائذ والشهوات ، ولم يدركوا منها إلا كما يدرك الحيوان الأعجم من العيش فى سبيل الطعام ، والشراب والشهوة ، ولسان حالهم يقول :
إنما الدنيا طعام **** وشراب ومنـــام
فإذا مافات هذا **** فعلى الدنيا السلام
إنهم عبيد البطون ، وعبيد الشهوات ، الذين أصبح لهم نسب غريق مع البهائم والحيوانات ( يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ) ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) !!
هؤلاء هم الذين يسيرون مع أهوائهم ، لا يفكرون فى حساب ولا عقاب ، ثم يطمعون فى رحمة الله مع إنهم لم يقدموا شيئاً لآخرتهم .. لقد عاشوا غير مفكرين بمستقبل أو مصير ، وهؤلاء ـ لعمر الحق ـ هم الخاسرون النادمون ، الذين فرطوا فى جنب الله ، فأساءوا إلى أنفسهم وأوردوها موارد التهلكة ... فيالهم من بلهاء ، ويالهم من أناس مغفلين .

اللهم إنا نقف ببابك نرجو رحمتك ونخشى عقابك متذللين متوسلين فتقبل منا ياودود ياحنان يامنان