((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ))  Bsm-allah3
قال الله عزّ وجل :* قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ

الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * (سورة آل عمران الآية : 26) ..

لقد جمعت هذه الآية الكريمة من ضروب الفصاحة وفنون البلاغة ما يلي :

1 – (الطباق) في قوله: "تؤتي" و"تنزع"، وفي قوله : " تعز" و"تذل" ..

2 – (الجناس النّاقص) : في قوله : "مالك الملك" ..

3 - التّكرار في قوله : * تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ * وفائدته (للتّفخيم والتّعظيم) ...

4 – (الإيجاز بالحذف) في قوله : * تؤتي الملك من تشاء * أي : (تؤتي الملك من تشاء أن تؤتيه) ..

وكذلك في قوله : * وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ * أي : (ممّن تشاء نزعه منه) ..

وكذلك في قوله: * وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ * أي : (مَن تَشَاء أن تعزّه) ..

وكذلك في قوله : * وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ * أي : (مَن تَشَاء أن تذلّه) ..

فتأمّل هذا الإيجاز البديع مع وضوح المعنى وبيانه ...

كما أنّ في الآية مسائل أخرى منها :

أوّلاً : ما معنى : (مالك الملك) ؟

ثانياً :استعمال (تؤتي)ولم يقل مثلاً: (تعطي الملك من تشاء) ؟

الجواب :

أوّلاً : معنى : (مالك الملك) : (مالك) : من (المِلك) أي (التّملّك) أي أنّه يتصرّف فيما يملك ..

أمّا (ملِك) فهو من (المُلك) أي : الحكم ، فيقال لصاحب المُلك (مَلِك) ولصاحب المِلك (مالك) ...

و(المالك) قد يكون (مَلكا) وقد لا يكون ، أي أنّ الشّخص قد تكون له أشياء يمتلكها ويتصرّف فيها وهذا الشّخص قد يكون

في نفس الوقت ملكاً وحاكما وقد لا يكون ..

كما أنّ الشّخص قد يكون (ملكا) أوحاكماً لكنّه قد لا يكون ومتصرّفا تصرّفاً مطلقاً في كلّ مُلكه كما جاء على لسان فرعون :

* أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي * (الزخرف الآية :51) أي أنّه يحكم مصر ، لكن الأنهار ليست مملوكة

له،بل هي مملوكة لله تعالى لذلك قال تعالى : * فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا * (الإسراء آية : 103) ...

وقوله تعالى: *قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ* يعني أنّ المُلك المطلق لله عزّ وجلّ وهو في مِلكيته يتصرّف فيه كيف يشاء، فجمع

تعالى بين معنى الملكية المطلقة والمُلك المطلق وهذه صفة لله وحده فهو سبحانه (المالك) لكلّ شيء و(الملك) على كلّ

شيء وهو الوحيد المالك للمُلك .

ثـانـيـاً : إستعمال لفظ (تؤتي) بدل (تعطي) :

الفرق بين (أعطى) و(آتى) أنّ (الإيتاء) يشمله النّزع بمعنى أنّه ليس بالضّرورة أن يكون تمليكا كما قال تعالى عن قارون:

*وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ * (القصص آية : 76) ثم قال تعالى بعد ذلك : * فَخَسَفْنَا

بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ * (الآية : 81) أي أنّه سلب منه كلّ ما يملك ...

وكذلك قوله تعالى عن امرأة العزيز : * وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا * (يوسف آية : 31) ولم يقل : (وأعطت) لأنّ

السّكاكين سُلّمت للنّسوة لتقطيع الفاكهة فقط ثمّ بعد ذلك تردّ لصاحبتها وليس تمليكاً لهن ...

أمّا (العطاء) فلا يشمله النّزع وهو تمليك محض لذلك قال تعالى لسليمان عليه السّلام : * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ

حِسَابٍ * (سورة ص آية : 39) فهذا تمليك لسليمان يتصرّف فيه كيف يشاء،ولم يسلب منه ذلك المُلك حتّى توفي عليه

السّلام ..

وقال عزّ وجلّ للنّبي صلّى الله عليه وسلّم: *إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* (الكوثر آية : 1) فهذا تمليك للنّبي صلّى الله عليه وسلّم

ولن يُنزع منه أبداً ..

فقوله تعالى : * تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء * بمعنى أنّ هذا المُلك قد يُسلب فيما بعد لذلك قال بعدها : *وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء*

فلا يستقيم أن يقال هنا : (تعطي الملك) لأن العطاء تمليك ..

فتأمّل دقّة التّعبير وجمالية الأسلوب في كلام الله عزّ وجل ...

والله أعلم ...

والحمد لله ربّ العالمين ...