بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،، وبعد،،،
فهذه مادة أولية لتقرير بسيط قدمه الباحث/ يوسف بن عبد الله آل ناصر ويتضمن لمحة موجزة عن حياة المستشرق اليهودي (جولد تسيهر) تشمل ترجمة له، وذكر لمحات من حياته العلمية والعملية، ومؤلفاته، ورأي من كتب عنه من علماء ومفكري المسلمين.
وقد كانت هذه المادة ضمن تقارير قدمت لمادة (مناهج المستشرقين والاستشراق المعاصر في ضوء الإسلام) في دراسة السنة التمهيدية لمرحلة الدكتوراه، في مسار العقيدة بقسم الثقافة الإسلامية، بجامعة الملك سعود بالرياض، وقد أحببت نشره للإفادة منه، مع العلم بأنه قابل للتطوير والزيادة، والتعديل، والتنقيح، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

اسمه ميلاده ونشأته العلمية والاستشراقية:
• اسمه: هو أجناتس جولد زيهر أو صيهر( ) أو تسيهر( ) مستشرق يهودي مجري.
• ميلاده: كان ميلاده في الثاني والعشرين من شهر يونيو سنة 1850م - 1266ه-، بمدينة (أشتولفيسنبرج) في بلاد المجر، وأسرته أسرة يهودية ذات مكانة وقدر كبير، وكانت بلاد المجر التي كانت آنذاك جزءاً من الإمبراطورية النمساوية.
ثم إن مكانة أسرته ووضعها الاجتماعي كانت من العوامل التي أثرت في تشكيل نظرته إلى الحياة العامة, فإن من شأن هذا النوع من الأسر أن يقف موقفاً هو خليط من المحافظة, والوطنية المحدودة, ولهذا كان ذا نزعة وطنية ( ).

• دراسته وحياته العلمية والاستشراقية:
قضى جولدتسهير السنين الأولى من عمره في بودابست (عاصمة المجر) ومن ثم ذهب إلى برلين سنة 1869م فظل بها سنة انتقل بعدها إلى جامعة ليبتسك وفيها كان أستاذه في الدراسات الشرقية فليشر( ) أحد المستشرقين في ذلك الحين؛ وعلى يديه حصل جولد تسيهر على الدكتوراه الأولى سنة 1870م وكانت رسالته عن عالم يهودي في العصور الوسطى شرح التوراة، وهو (تنخوم أورشلمي).
ومن ثم عاد إلى بودابست فعين مدرساً في جامعتها سنة1872م، ولكنه لم يستمر في التدريس طويلاً وإنما أرسلته وزارة المعارف المجرية في بعثة دراسية إلى الخارج، فاشتغل طوال سنة في فينا وفي لندن، وارتحل بعدها إلى الشرق من (أيلول سنة 1873م؛ إلى نيسان من العام التالي).
أقام في القاهرة مدة من الزمن استطاع أن يحضر بعض الدروس في الأزهر؛ وكان ذلك بالنسبة إلى أمثاله امتيازاً كبيراً ورعاية عظيمة، ورحل إلى سوريا وتعرف على الشيخ طاهر الجزائري وصحبه مدة وانتقل بعدها إلى فلسطين.
ومنذ أن عين في جامعة بودابست وعنايته باللغة العربية عامة والإسلامية الدينية خاصة تنمو وتزداد( )، وإذا به يحرز في وطنه شهرة كبيرة جعلته يُنتخب عضواً مراسلاً للأكاديمية المجرية سنة 1871م، ثم عضواً عاملاً في سنة 1892م، ورئيساً لأحد أقسامها سنة 1907م(.(
وصار أستاذاً للغات السامية في سنة 1894م ومنذ ذلك الحين وهو لايكاد يغادر وطنه بل ولا مدينة بودابست إلا لكي يشترك في مؤتمرات المستشرقين أو لكي يلقي محاضرات في الجامعات الأجنبية استجابة لدعوتها إياه.
ومن مكتبه في مدينة بودابست ظل جولدتسيهر أكثر من ربع قرن يقوم بأبحاثه ودراساته في عالم البحوث الإسلامية ويفتح الطريق أمام الباحثين الجدد في هذا المجال وهم اليوم أئمة المستشرقين وأساتذتهم.
يقول نجيب العقيقي عنه:" واشتهر بتحقيقه في تاريخ الإسلام وعلوم المسلمين وفرقهم وحركاتهم الفكرية تحقيقاً فريداً في بابه, فعد من أعلام المستشرقين واعترف له عظماؤهم بطول الباع وصدق النظر والبعد عن الهوى....ونال لقب دكتور شرف من جامعتي أدنبرا , وكمبريدج, وحاضر في مؤتمر المستشرقين بليدن عن مذهب داود الظاهري سنة ( 1883م)، وكان قد جمع كتبه وكتب ابن حزم ونشر جزءاً من الأبطال لابن حزم، وحاضر في مؤتمر المستشرقين بهامبورج عن المراثي عند العرب (1902م)، وأنشأ عن الإسلام مقالات رصينة في المجلات الآسيوية والغربية بالألمانية والفرنسية والانجليزية و الروسية والمجرية, والعربية"( ).
ولا يستغرب هذا التمجيد والثناء لجولد زيهر من مستشرق مثله – أعني العقيقي -، ولكنه يستغرب من بعض المسلمين أمثال: عبد الرحمن بدوي.
إذ يعد جولد تسيهر من أخطر المستشرقين وأشدهم هجوماً على الإسلام وعلومه كما هو واضح في مؤلفاته.
• وفاته :
كانت وفاته في اليوم الثالث عشر من شهر نوفمبر عام1921م - 1340 ه- بالمدينة التي قضى فيها الشطر الأعظم من حياته, وهي مدينة بودابست ( ) .

• نتاجه العلمي من مؤلفات وأبحاث :
لا نستطيع أن نتحدث عن أبحاث جولد تسيهر كلها؛ لأنه بدأ نشاطه العلمي مبكراً وكتب بحثاً عن أصل الصلاة وتقسيمها وأوقاتها ولم يتجاوز عمره الثامنة عشرة ثم اتجه إلى الدراسات الشرقية وهو لا يزال في سن السادسة عشرة.
وكانت له مكتبة زادت على40 ألف مجلد في العلوم والفقه والفلسفة والفنون واللغة والأدب، اهتم بالقسم الشرقي منها اهتماما بالغاً فعلق عليها بالحواشي والاستدراكات والتحقيقات, وأضاف إليها نسخاً تبلغ الآلاف عدا مقالات المجلات العلمية التي أهداها إليه المستشرقون من جميع أنحاء العالم ( ).
وقد ترجم في هذه السن قصتين من التركية إلى اللغة المجرية ونشرتها له إحدى المجلات ووضعها تحرير هذه المجلة تحت عنوان "مستشرق في السادسة عشرة" ومنذ هذه السنة – سنة 1866- وهو في كل سنة يخرج بحثاً أو طائفة من الأبحاث بين كتب ضخمة قد يتجاوز حجم المجلد الواحد منها أربعمائة صفحة وبين مقالات متوسطة الحجم بين العشرين والستين صفحة وتعليقات صغيرة وبحوث نقدية تعريفاً بالكتب التي تظهر باستمرار حتى بلغت مجموعة أبحاثه، كما بينها فهرست مؤلفاته 592 بحثاً( ) في مختلف اهتماماته.
ومن أهم مؤلفاته:
1- "الظاهرية مذهبهم وتاريخهم". وكان هذا أول أبحاثه الخطيرة في المسائل الإسلامية.
2- "مذاهب التفسير الإسلامي".
3- "دراسات إسلامية"، وهو كتاب له أخطر الأثر في الدراسات الإسلامية, وبخاصة فيما يتصل بالبحث في الحديث الشريف.
4- "العقيدة والشريعة في الإسلام"، وكان اسمه: (الإسلام) بالألمانية، ثم نُقل إلى الفرنسية بإشراف المؤلف، بعنوان (العقيدة والشريعة في الإسلام), ثم نقله إلى العربية محمد يوسف موسى, والأستاذ عبد العزيز عبد الحق( ) .
5- "دراسات محمدية".
6- "الإسلام والدين الفارسي".
وهناك بعض الكتب التي قام بتحقيقها منها:
1- "المعمرين" لأبي حاتم السجستاني سنة 1899م وقدم له.
2- كتب مقدمة لكتاب "التوحيد" لمحمد بن تومرت، وقد نشر في الجزائر سنة 1903م.
3- نشر فصول من كتاب "المستظهر" للغزالي في الرد على الباطنية سنة 1916م في لندن وقدم له.

• منهجه:
لاحظ من قرأ لجولد تسيهر وكتب عنه عدم التزامه بمنهجية البحث العلمي والاقتباس الصحيح للنصوص فقد كان يحوّرها أو يأخذها من سياقها ويبني عليها أحكاماً وآراء وتأويلات.
يقول الدكتور علي حسن عبد القادر وهو يعلق على كتاب (المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن): "أن المؤلف قد تخلى عنه قلم العالم النزيه في نقد المسائل نقداً سليماً ومعالجتها في جو علمي لا تشوبه الأهواء ولا تعكر صفاءه الأوهام والشكوك"( ).
وعندما قام الدكتور مصطفى السباعي بكتابة بحث في الرد على جولد تسيهر وشكوكه في الحديث النبوي الشريف والتجني على الإمام الزهري وضمنه كتاب) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)، بين السباعي عدم التزام هذا المستشرق بالمنهجية العلمية والصدق، ودافع عن الإمام الزهري دفاعاً علمياً قيماً وفند آراء جولد تسيهر في علم الحديث إجمالاً، وعدّه الدكتور الساعي من أخطر المستشرقين المعاصرين ( ).
ويوضح الدكتور محمد حسن جبل في كتابه (الرد على جولد تسيهر في مطاعنه على القراءات القرآنية) تناقضات جولد تسيهر ومنهجه المضطرب في تناول القراءات القرآنية ومغالطاته وزعمه بأن القراءات القرآنية تزداد مع مرور الزمن مع العديد من الأمثلة الموضحة( ).
وممن رد على جولد تسيهر الشيخ محمد الغزالي بعد أن اطلع على كتاب (العقيدة والشريعة في الإسلام)، حيث قام الشيخ الغزالي بكتابة دفاعه وردوده في كتاب بعنوان: (دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين)( )، وقد اهتم في رده على بعض النقاط الأساسية وكان رده رداً إجمالياً.
وهو ممن ترجم لهم الدكتور خالد القاسم في كتابه (مفتريات وأخطاء دائرة المعارف الإسلامية - الاستشراقية - )، وذكر بأنه قد حرر في الدائرة 20 مادة غالبها عن السنة والشريعة، انتقده د. خالد في ثمانية مواضع منها( ).
وغيرهم كثير، سواءً كان بتأليف خاص فيه، أو الرد عليه ضمن المستشرقين.