الصحابي

عكرمه بن ابي جهل المخزومي


قال الرسول عليه الصلاة والسلام لاصحابه .. ( سيأتيكم عكرمه بن ابي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا اباه ، فإن سب الميت يؤذي الحي ولايبلغ الميت )



كان في اواخر العقد الثالث من عمره يوم صدع نبي الرحمه بدعوة الهدى و الحق .. وكان من اكرم قريش حسبا ، و اكرمهم مالا و اعزهم نسبا

وكان جديرا به ان يسلم كما نظراؤه من امثال سعد بن ابي وقاص و مصعب بن عمير و غيرهما من ابناء البيوتات المرموقه في مكه لولا ابوه

فمن هو هذا الاب يا ترى ؟ انه جبار مكه الاكبر ، و زعيم الشرك الاول ، وصاحب النكال الذي امتحن الله ببطشه ايمان المؤمنين فثبتوا ....

و اختبر بكيده صدق المقنين فصدقوا .... انه ابو جهل وكفى





اما هو فعكرمه بن ابي جهلٍ المخزومي ، احد صناديد قريش المعدودين و ابرز فرسانها المرموقين

وجد عكرمه بن ابي جهل نفسه مدفوعا بحكم زعامة ابيه الى مناوأة محمدٍ عليه الصلاة و السلام ، فعادى الرسول صلى الله عليه وسلم

اشد العداء و آذى اصحابه افدح الايذاء ، وصب على الاسلام و المسلمين من نكال ماقرت به عين ابيه





ولما قاد ابوه معركة الشرك يوم بدر و اقسم باللات و العزى الا يعود الى مكه الا اذا هزم محمداً ، نزل ببدر واقام عليها ثلاثا ينحر الجزور

ويشرب الخمور ، وتعزف له القيان بالمعازف ..

ولما قاد ابو جهل هذه المعركه كان ابنه عكرمه عضده الذي يعتمد عليه ويده التي يبطش بها .. ولكن اللات و العزى لم يلبيا نداء ابي

جهل لانهما لايسمعان .. ولم ينصرانه في المعركه لانهما عاجزان ، فخر صريعا دون بدر ، و رآه ابنه عكرمه بعينه ورماح المسلمين

تنهل من دمه ، وسمعه بأذنيه وهو يطلق آخر صرخةٍ انفرجت عنها شفتاه


عاد عكرمه الى مكه بعد ان خلف جثة سيد قريش في بدر فقد اعجزته الهزيمه عن ان يظفر بها ليدفنها في مكه ، و ارغمه الفرار على تركها

للمسلمين فألقوها في القليب مع العشرات من قتلى المشكرين و اهالوا عليها الرمال ..

ومنذ ذلك اليوم اصبح لعكرمه بن ابي جهل مع الاسلام شأن آخر ، فقد كان يعاديه في بادئ الامر حميّة لابيه ، فأصبح يعاديه اليوم ثأرا له

ومن هنا انبرى عكرمه ونفر ممن قتل آباؤهم في بدر يوقدون نار العداوة في صدور المشركين على محمدٍ صلى الله عليه وسلم

ويضرمون جذوة ( الجمره الملتهبه ) الثأر في قلوب الموتورين من قريش ، حتى كانت وقعة احد



خرج عكرمه بن أبي جهل الى احد و اخرج معه زوجه ام حكيم لتقف مع النسوة الموتورات في بدر وراء الصفوف ، وتضرب معهن الدفوف

تحريضا لقريش على القتال ، وتثبيتا لفرسانها اذا حدثتهم انفسهم بالفرار

وجعلت قريشا على ميمنة فرسانها خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتهم عكرمه بن ابي جهل ، وابلى الفارسان المشركان في ذلك اليوم بلاء

رجح كفة قريش على محمدٍ واصحابه ، وحقق المشركين النصر الكبير مما جعل ابا سفيان يقول .. هذا بيوم بدر






وفي يوم الخندق حاصر المشركون المدينه اياما طويله فنفد صبر عكرمه بن ابي جهل ، وضاق ذرعا بالحصار ، فنظر الى مكانٍ ضيق من الخندق

و اقحم جواده فيه فاجتازه ، ثم اجتازه وراءه بضعة نفر في اجراء مغامرةٍ ذهب ضحيتها عمرو بن عبد ود العامري اما هو فلم ينجه الا الفرار






وفي يوم الفتح رأت قريش ان لا قبل لها بمحمدٍ و اصحابه ، فقررت ان تخلي له السبيل الى مكه ، وقد اعانها على اتخاذ قرارها هذا ماعرفته

من ان الرسول عليه الصلاة و السلام امر قواده الا يقاتلوا الا من قاتلهم من اهل مكه

لكن عكرمه بن ابي جهل ونفرا معه خرجوا على اجماع قريش ، وتصدوا للجيش الكبير ، فهزمهم خالد بن الوليد في معركةٍ صغيره قتل فيها من قتل

منهم ولاذ بالفرار من امكنه الفرار ، وكان في جملة الفارين عكرمه بن ابي جهل

عند ذلك ندم عكرمه فمكه لم يبقى له فيها قرار بعد ان خضعت للمسلمين والرسول صلوات الله عليه عفا عما سلف من قريش تجاهه لكنه استثنى

منهم نفرا سماهم ، وامر بقتلهم وان وجدوا تحت استار الكعبه .. وكان في طليعة هؤلاء النفر عكرمه بن ابي جهل .. لذا تسلل متخفيا من مكه

ويمم وجهه شطر اليمن اذلم يكن له ملاذ الا هناك






عند ذلك مضت ام حكيم زوج عكرمه بن ابي جهل ، وهند بنت عتبه الى منزل رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ومعهما عشر نسوة ليبايعن

النبي عليه السلام ، فدلنا عليه وعنده اثنتان من ازواجه وابنته فاطمه ونساء من نساء بني عبدالمطلب ، فتكلمت هند وهي متنقبه ..

وقالت : يا رسول الله ، الحمدلله الذي اظهر الدين الذي اختاره لنفسه ، واني لأسالك ان تمسني رحمك بخير (اي تحسن معاملتي لما بيني

وبينك من من قرابه ) فاني امرأة مؤمنه مصدقه .. ثم كشفت عن وجهها وقالت .. هند بنت عتبه يا رسول الله

فقال لها الرسول عليه الصلاة والسلام : ( مرحبا بك )

فقالت : والله يا رسول الله ماكان على وجه الارض بيت احب إليّ ان يذل من بيتك ، ولقد اصبحتُ وما على وجه الأرض بيت أحب الي ان يعز من بيتك

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : و زيادة ايضا

ثم قامت ام حكيم زوج عكرمه بن ابي جهل فأسلمت

وقالت : يارسول الله ، قد هرب منك عكرمه إلى اليمن خوفا من أن تقتله فأمنه امنك الله

فقال عليه السلام : هو آمن

فخرجت من ساعتها في طلبه ومعها غلام لها رومي ، فلما اوغلا في الطريق راودها الغلام عن نفسها ، فجعلت تمنيه وتماطله حتى قدمت على حي

من العرب فاستعانتهم عليه فأوثقوه وتركوه عندهم ومضت هي الى سبيلها حتى ادركت عكرمه عند ساحل البحر في منطقة تهامه وهو يفاوض

نوتيا ً( بحار ) مسلما على نقله

والنوتي يقول له : اخلص حتى اقلك

فقال له عكرمه : وكيف اخلص ؟

قال : تقول اشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله

فقال عكرمه : ماهربت الا من هذا

وفيما هما كذالك اذا اقبلت ام حكيم على عكرمه

وقالت : يا ابن عمّ ، جئتك من عند اوصل الناسِ ، و ابر الناسِ ، وخير الناسِ ... من عند محمدٍ بن عبدالله

وقد استأمنت لك منه فأمنك فلا تهلك نفسك ..

فقال : انت كلمته ؟

قالت : نعم ، انا كلمته فأمنك

ومازلت به تؤمنه وتطمئنه حتى عاد معها .. ثم حدثته حديث غلامها الرومي فمر بها وقتله قبل ان يسلم

وفيما هو في منزلٍ نزلا به في الطريق أراد عكرمه أن يخلو بزوجته ، فأبت ذلك اشد الاباء ..

وقالت : إني مسمله وانت مشرك

فتملكه العجب وقال : ان امرا يحول دونك ودون الخلوة بي لأمر كبير





فلما دنا عكرمه من مكه ، قال الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه .. ( سيأتيكم عكرمه بن ابي جهل مؤمنا مهاجرا

فلا تسبوا أباه ، فإن سب الميت يؤذي الحي ولايبلغ الميت )

وماهو إلا قليل حتى وصل عكرمه و زوجه الى حيث يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه النبي صلوات الله عليه

وثب اليه من غير رداء فرحا به .. ولما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عكرمه بين يديه

وقال : يا محمد ، ان ام حكيم اخبرتني انك امنتني

فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( صدقت ، فأنت آمن )

فقال عكرمه : إلامَ تدعوا يا محمد ؟

قال : ( أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله ، و أني عبدالله ورسوله ، وأن تقيم الصلاة ، و أن تؤتي الزكاة ...) حتى عدّ اركان الاسلام كلها

فقال عكرمه : والله ما دعوت الا إلى الحق ، وما أمرت إلا بخير .. ثم اردف يقول : قد كنت فينا والله قبل ان تدعوا إلى

مادعوت اليه وانت اصدقنا حديثا وأبرنا برا ..

ثم بسط يده وقال : اني اشهد ان لا اله الا الله واشهد انك عبده ورسوله

ثم قال : يارسول علمني خير شيء اقوله

فقال : ( تقول : اُشهد الله ، و اُشهد من حضر اني مسلم مجاهد مهاجر ) .. فقال عكرمه ذلك

عند هذا قال له الرسول صلوات الله عليه : ( اليوم لاتسالني شيئا اعطيه أحد إلا أعطيتك إياه )

فقال عكرمه : اني اسالك ان تستغفر لي كل عدواةٍ عاديتكها ، او مسيرٍ اوضعت فيه ، او مقامٍ لقيتك فيه ، او كلامٍ قلته في وجهك او غيبتك

فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : اللهم اغفر له كل عداوةٍ عادانيها ، وكل مسيرٍ سار فيه الى موضعٍٍ يريد به اطفاء نورك و اغفر له ما نال من عرضي في وجهي او انا غائب عنه )

فتهلل وجه عكرمه بشرا وقال : اما والله يا رسول الله ، لا ادع نفقه انفقتها في صد عن سبيل الله لا انفقت ضعفها في سبيل الله ولا قتالا قاتلته

صدا عن سبيل الله الا قاتلت ضعفه في سبيل الله


ومنذ ذلك اليوم انضم الى موكب الدعوة فارسٌ باسلٌ في ساحات القتال ، عبادٌ قوامٌ قراءٌ لكتاب الله في المساجد ، فقد كان يضع

المصحف على وجهه ويقول : كتاب ربي .. كلامي ربي ... وهو يبكي من خشية الله






بر عكرمه بما قطعه للرسول صلى الله عليه وسلم من عهد ، فما خاض المسلمون معركة بعد اسلامه الا وخاضها معهم ، ولا خرجوا في بعثٍ إلا كان طليعتهم .. وفي يوم اليرموك اقبل عكرمه على القتال إقبال الظامي على الماء البارد في اليوم القائظ


ولما اشتد الكرب على المسلمين في احد المواقف ، نزل عن جواده وكسر غمد سيفه و اوغل في صفوف الروم ..

فبادر اليه خالد بن الوليد وقال : لا تفعل ياعكرمه ، فإن قتلك سيكون شديد على المسلمين

فقال : اليك عني يا خالد ... فلقد كان لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة ، اما انا و ابي فقد كنا من اشد الناس على رسول الله

فدعني اكفر عما سلف مني ..

ثم قال : لقد قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيره وافر من الروم اليوم ؟! ان هذا لن يكون ابدا

ثم نادى في المسلمين : من يبايع على الموت ؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام ، وضرار بن الازور في اربعمائةٍ من المسلمين فقاتلو

دون فسطاط ( الفسطاط : بيت من الشعر ولمراد به مكان قيادة الجيش ) خالد رضي الله عنه اشد القتال و ذادوا عنه اكرم الذود

ولما انجلت معركة اليرموك عن ذلك النصر المؤزر للمسلمين كان يتمدد على ارض اليرموك ثلاثة مجاهدين اثخنتهم الجراح هم ..

الحارث بن هشام ، وعياش بن ابي ربيعه ، وعكرمه بين ابي جهل ، فدعا الحارثُ بماءٍ ليشربه فلما قُدّم له نظر اليه عكرمه ..

فقال : ادفعوه اليه

فلما قرّبوه منه نظر اليه عياش ..

فقال : ادفعوه اليه

فلما دنوا من عياش وجدوه قد قضى نحبه .. فلما عادوا الى صاحبيه وجدوهما قد لحقا به

رضي الله عنهم اجمعين وسقاهم من حوض الكوثر شربة لايظمأون بعدها

وحباهم خضراء الفردوس يرتعون فيها ابدا