من هي سودة بنت زمعة ؟

هي سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس ، بن عبدود القرشية العامرية. وأمها الشموس بنت قيس
، بن زيد بن عمرو من بني النجار من فواضل نساء عصرها، كانت قبل أن تتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ابن عم لها يقال له : السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو العامري .

وكانت سيدة جليلة نبيلة ضخمة ، أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم زوجها معها وكانت معه ضمن النفر الثمانية من بني عامر الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ، وركبوا أهوال
البحر راضيين بما هو أقسى من الموت من أجل النجاة بدينهم ، ولما انتهت غربتها في أرض الحبشة توفي زوجها المهاجر لتعاني محنتي الغربة والترمل .

وتأثر النبي صلى الله عليه وسلم فما إن ذكرتها له خولة بنت حكيم حتى مد يده الرحيمة إليها ، في حين لم يكن أحد من الصحابة يجرؤ على التحدث إلى رسول الله في موضوع الزواج بعد وفاة خديجة رضي الله عنها .

فقالت له : يا رسول الله ألا تتزوج ؟ ، فأجاب بنبرات الحزن والأسى : " ومن بعد خديجة ياخولة ؟"

فقالت : " إن شئت بكراً ، وإن شئت ثيباً " ، فقال : " ومن البكر ؟ "

قالت:"ابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر"وبعد فترة صمت قال رسول الله :" ومن الثيب؟


قالت خولة : " إنها سودة بنت زمعة التي آمنت بك ، واتبعتك على ما أنت عليه " ..

وعقد النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها ، وتزوج من سودة التي انفردت به نحواً من ثلاث سنين أو أكثر حتى دخل بعائشة ، وكانت في حالة الكبر حتى أنها بلغت من العمر حين تزوجها عليه الصلاة والسلام الخامسة والخمسين رضي الله عنها ، واستغرب الناس في مكة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من سودة بنت زمعة ، وتساءلوا في ارتياب : أرملة مسنة غير ذات جمال تخلف سيدة نساء قريش ومطمح أنظار السادة منهم .

ولكن واقع الحال يقول : إن سودة أو سواها لن تخلف خديجة ولكنه البر والرحمة وجبران الخاطر من نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام، واستطاعت سودة أن تقوم على بيت النبوة، وتخدم بنات رسول
الله ، وتدخل السرور لقلبه بخفة روحها ومرحها بالرغم من ثقل الجسم .

وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب سودة وكان لها خمسة صبية
أو ستة، فقالت: " والله ما يمنعني منك وأنت أحب البرية إلي، ولكني أكرمك أن يتضاعى هؤلاء الصبية
عند رأسك بكرة وعشياً " فقال لها: يرحمك الله !! إن خير نساء ركبن أعجاز الإبل، صالح نساء قريش أحناهن على ولد في الصغر، وأرعاهن لبعل في ذات يده ".

وبعد ثلاث سنوات جاءت عائشة إلى بيت النبوة ثم وفدت على هذا البيت الأزواج الأُخريات فأدركت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوجها إلا إشفاقاً لحالها بعد وفاة زوجها . واتضح لها ذلك عندما أراد رسول الله أن يسرحها سراحاً جميلاً ليعفيها من وضعٍ شَعَرَ أنه يجرح قلبها . فلما أنبأها بعزمها على الطلاق ، فهمست في ضراعة : " أمسكني يا رسول الله ، ووالله مابي على الأزواج من حرص ولكني أرجو أن يبعثني الله يوم القيامة زوجاً لك " ..

ولما علمت مكان عائشة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت : " يا رسول الله جعلت يومي الذي يصيبني لعائشة وأنت منه في حل" ، فقبله النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقسم لعائشة يومين، يومها ويوم سودة وبقيت في عصمته صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها ، وهكذا آثرت مرضاة الزوج الكريم رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيها قرآناً يتلى : () فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )) (النساء: من الآية128) ..

روت سودة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث أخرج لها منها في الصحيحين حديث واحد، وفي رواية أن البخاري روى لها حديثين، وروى عنها عبد الله بن عباس ويحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري، وروى لها أبو داود والنسائي. وتوفيت سودة- رضي الله عنها- بالمدينة في شوال سنة 54 هـ في خلافة معاوية وفي رواية أنها توفيت في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي رواية أنها توفيت سنة 55 هـ ..

ومكثت سودة في بيت النبوة راضية مطمئنة شاكرة الله أن ألهمها هذا الحل الموفق لتكون من خير خلق الله في الدنيا أماً للمؤمنين ، وزوجاً له في الجنة .

وقد ظلت أم المؤمنين عائشة تذكر لها صنيعها وتؤثرها بجميل الوفاء فتقول : (( ما من امرأة أحب إليَّ من أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة لما كبرت قالت : يارسول الله قد جعلت يومي منك لعائشة . إلا أن بها حدَّة )) أي تمنت أن تكون على مثل هديها وطريقتها دون الحدة التي ذكرتها في آخر الحديث ..

رضي الله تعالى عن أم المؤمنين .. الكريمة المهاجرة ..