يبدو أن التطلع إلى الرموز التاريخية شيء مشترك بين الأمم. فمنذ احتلال اليهود أرض فلسطين وذكرُ صلاح الدين لا يفارق أفواه المتطلعين إلى تحرير المسجد الأقصى الأسير، ومن قبله ذكرُ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى قال شاعرهم:
أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيـــوش الــــروم تنهــى وتأمـــــر
يحاصرنا كالموت مليون كافر ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصـر
وقال قائلهم:هل من صلاح .. هل من عمر؟
والمسلمون يستشرفون قادة كسلف الأمة الكرام الذين التزموا منهج الله وحملوا الرسالة إلى أمم الأرض، وكانوا خير الناس للناس، ففتحوا القلوب قبل أن يفتحوا البلاد، وفرح الناس بمقدمهم حقا لا كما ادعى مغول العصر. ومع ضياع الأندلس استشرف الناس قادة كطارق بن زياد وموسى بن نصير، ومع غلبة الكفر في الصين والهند استشرف الناس قادة كقتيبة بن مسلم ومحمد بن القاسم.
ليت شارل مارتل قطعت يده :
على الجانب الآخر، وبفعل تحريض على المسلمين في أوروبا، وبفضل تخويف من الإسلام وانتشاره واعتباره الخطر الأكبر على النصرانية – تولى كِبر ذلك كبراء النصارى الدينيون والسياسيون – بدأ يتطلع نصارى أوروبا إلى رموزهم التاريخية الذين كان لهم دور في وقف النور (الإسلام).
فأحد كتاب صحيفة الإندبندنت البريطانية كتب مقالا حديثا بعنوان "إننا نحطم نفس القيم التي قد تنقذنا في معركتنا ضد الإسلام" يقول فيه: "هناك الكثير من الأوروبيين الذين يقولون ما أحوجنا إليكما في هذه الساعة يا شارل مارتل ويا جان سوبيسكي".
وللتعريف بجان سوبيسكي يقول ذلك الكاتب: "في عام 1683، وصل الجيش التركي إلى مشارف فيينا، وكانت النتيجة أن اهتز التوازن إلى أن وصل القائد البولندي جان سوبيسكي على رأس جيشه، فطرد العثمانيين وحرر أخيرًا أوروبا الغربية من خطر الهيمنة الإسلامية، ليكمل بذلك العمل الذي كان شارل مارتل قد بدأه في بواتيه عام 782".
وهو يشير إلى معركتين أوقفت فيهما الجيوش النصرانية الفتح الإسلامي لأوروبا، مرة أيام الخلافة الأموية، وكان الجيش الإسلامي بقيادة عبد الرحمن الغافقي، والمرة الأخرى أيام الخلافة العثمانية عندما كانوا على حدود النمسا، والكاتب يفخر بهذين اليومين اللذين يعتبرهما المنصفون من عقلاء النصارى يومين أسودين على أوروبا.
يقول الكاتب الفرنسي أناتول فرانس في كتابه (الحياة الجميلة): "أسوأ يوم في التاريخ هو يوم معركة (بواتيه) عندما تراجع العلم والفن والحضارة العربية أمام بربرية الفرنجة، ألا ليت شارل مارتل قطعت يده ولم ينتصر على القائد الإسلامي عبد الرحمن الغافقي".
ويقول غوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب": "لو أن العرب استولوا على فرنسا، إذن لصارت باريس مثل قرطبة في إسبانيا، مركزا للحضارة والعلم؛ حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ بل يقرض الشعر أحيانا، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم".
الوعد الحق :
لكن بين تطلع كل من المسلمين والنصارى لرموزهم ينبغي التنبه أن الأمور ليست بالأماني {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَاب} بل ينبغي العمل لتحقيق الوعد الحق الذي جاء على لسان خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزًّا يعز الله به الإسلام وذلاًّ يذل الله به الكفر". وقد ذكر الشيخ الألباني في كتابه "تحذير الساجد": أنه صحيح على شرط مسلم. وعلق رحمه الله قائلا: إن دائرة الظهور (أي ظهور الإسلام) اتسعت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم ولا يكون التمام إلا بسيطرة الإسلام على جميع الكرة الأرضية وسيتحقق هذا قطعاً، كما ذكر أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم أن المسلمين سيفتحون مدينة روما عاصمة البابا بعد فتحهم القسطنطينية وقد تحقق الفتح الأول فلا بد أن يتحقق الفتح الثاني{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}.