زوجي دائم الصمت،عينه مثبتة في صحيفته، يحملق في التليفزيون بانتباه شديد كأن الحرب العالمية الثالثة اندلعت، وكأنني لست موجودة، يتكلم باقتضاب شديد.
تلك حالة من حالات كثيرة ونموذج للعديد من الأسر التي تشتكي صمت الأزواج في البيوت مع زوجاتهم. وهي ليست حالات فردية، وإنما هي تعبير عن ظاهره تؤثر علي العلاقة بين الزوجين. ويبدو أن هذه الظاهرة أصبحت شبه عالمية ففي تقرير لمجلة "بونته" الألمانية توضح الإحصائيات أن تسعا من كل عشر سيدات يعانين من صمت الأزواج كما تشير الأرقام أن 79%من حالات الانفصال مردها إلى معاناة المرأة من انعدام المشاعر وعدم تعبير الزوج عن عواطفه لها وعدم وجود حوار يربط بينهما.
أسباب الصمت:
ترى كيف ينظر الرجال ويفسر صمتهم في البيوت، م. ع يرى أن الرجل قليل الكلام بطبيعته وأن المرأة تميل إلي الثرثرة والكلام في موضوعات متعددة دون توقف. ويتفق معه س.ف الذي يرى أن هناك عوامل مرتبطة بطبيعة الزوج، فقد يكون بطبيعته قليل الكلام أو واقع بيولوجي يجعل الرجال كائنات صامته بالفطرة، وتختلف الزوجات عن الأزواج في الرؤية حيث وتؤكد م.م أن سبب الصمت هو أنانيه الزوج فهو لا يلتفت إلا لرغباته أو ربما نجد الصمت من نظرته الدنيوية إلي المرأة والزوجة.

وترجع ع.س واقع الصمت بين الأزواج إلى عمليه الاختيار منذ البداية لزوجته كانت بلا توافق بينهم من الناحية العاطفية أو الثقافية أو بسبب السن واختلافات العادات وأسلوب الحياة. في حين أن آخرين أجمعوا على أن الصمت بسلوكيات بعض الزوجات تجاه أزواجهن تجعله يصل إلى حد النفور وعدم الرغبة في النظر إليها أو الإنصات إليها وليس الكلام معها، وعدم ثقة زوجها فيها بقدرتها على كتم أسراره، وقد يكون مر بتجربة معها سابقة، كما أن خوفه من فتح مواضيع معها لتجنبها وعدم خلق مشاكل فيكون صمت اضطراري. 

وأكد الكثير على أن المشاكل الاقتصادية ودورها في صمت الأزواج، فبعض الأزواج أعمالهم قاسية ضانية يعودون وهو بحاجه إلى الهدوء والراحة أكثر من حاجتهم إلى الكلام وأيضا الحالة الاقتصادية التي تجعل الكثيرين يلهثون من أجل تلبية احتياجات الأسرة التي من شأنها أن ترهق الأعصاب فيترجم هذا في صورة صمت تصل إلى حد الوجوم.

الحوار عصب الحياة الزوجية:
ويشير الدكتور أحمد محمد عبد الله مدرس مساعد الطب النفسي بجامعة الزقازيق أن الصمت يدل على غياب الإدراك بأن الحوار هو عصب الحياة الزوجية وأنه الجسر الذي تنتقل عبره المغازلات والمعاتبات والاستشارات والملاحظات. ويرى الدكتور أحمد أن هناك ظنا من أن الحوار يحمل معنى الضعف بالافتقار إلى رأي الآخر، أو أن البوح بمكنون النفس لا ينبغي أن يكون للزوجات، وبعض الأزواج لا يرى في زوجته الكفاءة التي تؤهلها للمشاركة في حوار معه حول شئونهما، وشئون البيت، والشئون العامة. 

 


ويضيف دكتور أحمد أن أحد الطرفين أو كلاهما يخشى من تكرار محاولة فشلت للحوار من قبل فتخاف الزوجة أن تطلب من الزوج، أو تتحرج، إذ ربما يصدها أو يهمل طلبها، أو يستخف به كما فعل في مرة سابقة. وقد ييأس الزوج من زوجة لا تُصغي، ولا تجيد إلا الثرثرة أو لا تفهم وتتفاعل مع ما يطرحه، أو يحكيه الخوف من رد الفعل، أو اليأس من تغيير طباع الطرف الآخر يجعل إيثار السلامة بالصمت هو الحل، وهنا يكون عدم الحوار اختيارًا واعيًا لم تدفع إليه ظروف خفية، أو تمنعه المشاغل، ولم ينتج عن إهمال أو تناسٍ. والمبادرة هنا لابد أن تأتي من الطرف الذي سبق وأغلق باب الحوار بصدٍ أو إعراضٍ أو عدم تجاوب.

ويشير إلى أن التحاور والتشاور يعني طرفين أحدهما يستمع، والآخر يتحدث ثم العكس، ولا يعني أن أحدهما يرسل طوال الوقت أو يُتوقع منه ذلك، والآخر يستقبل طوال الوقت، أو يُنتظر منه ذلك، وتكرار المبادرات بفتح الحوار، ومحاولة تغيير المواقف السلبية مسألة صعبة، لكن نتائجها أفضل من ترك الأمر، والاستسلام للقطيعة والصمت. 

البحث عن العاطفة:
ويفسر الطبيب النفسي دكتور فكري عبد العزيز فيقول إن صمت الزوج في بيته سلوك طبيعي فهو يعود للبيت بعد قضاء فتره طويلة في الخارج استهلك خلالها طاقته في حين أن الزوجة تنتظر عودته لكي تتحدث إليه دون أن تتيح له فرصة للراحة ويضيف أن صمت الأزواج نوع من الزهد فيه فعلي الزوجة ألا تشعر زوجها أنه في حالة استجواب وأن تختار الوقت المناسب.

وتحدد د‏.‏ زينب أبو العلا أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان أسباب الصمت المطبق بين الزوجين ـ وتقول‏:‏ تبحث المرأة دائما عن وسيلة لاستجلاب عطف زوجها حتى يستمع إليها بأذن مفتوحة واهتمام نابع من القلب لكي تفرغ أمامه الشحنة المخزونة‏، وعندما تتزوج المرأة تتصور أن الرجل يعاملها بنفس المنطلق الذي كان يتعامل معها به في أثناء الخطبة وكثيرا ما تحاول المرأة لفت انتباه الزوج وتترجم ذلك في عدة صور مختلفة مثل إصابتها بحالة من الإعياء المفاجئ أو إصابتها بنزلة برد وفي بعض الأحيان تكون استجابة الزوج جافة أو لا مبالية الأمر الذي ينعكس على الزوجة بالإحباط والكبت وأحيانا يلجأ الزوج لنفس الأسلوب فيدعي أيضا إصابته بأي نوع من الأمراض لجذب انتباه الزوجة واستدرار عطفها‏.‏

علاج الصمت:
أما عن علاج تلك الظاهرة أو محاولة الحد منها فهناك عدة وصايا للزوجية قدمها الدكتور عادل صادق، فمنها: أن يكون الزوج محور حياة الزوجة، وأن تدور حياتها من حوله وهذا يجعل مساحة الحوار تزداد بينكما. كما أن لغة الحوار هامة جدا، وأن أي حوار داخل نطاق الحب والزواج لابد أن يكون ودودًا ويعكس روحًا طيبة سمحة سهلة حتى في أشد الأوقات عصبية وثورة وغضبًا، لا بد أن يمر بينكما هواء طيب وتحوم حولكما الأرواح الطيبة كما أمر اللّه، فالزواج مودة ورحمة.

ومن وسائل العلاج إظهار الإعجاب، فقد تحظي بإعجاب كل الناس وقد يُظهر كل إنسان إعجابه ولكن إذا افتقدت إعجاب رفيق حياتك فإنك ستفقد إعجابك بنفسك، ولابد من ترجمة الإعجاب إلي كلمات رقيقة. كمان أن المرح والكلمة الطيبة هام جدا بحيث يشملني السرور لأني معك فأشعر بالانشراح والتفاؤل والحماس والانطلاق, والأهم أن يسعد كلاهما بجانب الآخر.

أما الوصية الخامسة فتختص بالحياة الاقتصادية، أي أنه لابد من فصل الحياة الاقتصادية عن المشاعر والأحاسيس بين الزوجين, ولا يتخلل معني الصفقة الحياة الزوجية, أو بمعنى آخر ألا يكون كل شيء في العلاقة الزوجية يصبح مدفوع الثمن والأجر.

كما يشير الدكتور عادل إلى أن من وسائل العلاج أن تكون هناك مسافة بين الزوجين، فالزواج أن تكونا معًا يدك في يدها ونفساكما ممتزجة طوال الوقت ولكن مع هذا يجب أن تظل هناك مسافة, وفائدة هذه المسافة هي الحنين الجارف المستمر والتوق المتجدد دائمًا.

ومن وسائل العلاج -حسب الدكتور عادل- الحذر من كلمة الطلاق، فالمرأة بالذات تردد هذه الكلمة كثيرًا وهي أسوأ كلمة، ولا تقل بشاعة عن كلمة الموت رغم أن الموت حق وأن الطلاق حلال إلا أننا نبغض هاتين الكلمتين والمعنى واحد: الانفصال موت، والموت انفصال. وقبل كل هذا وبعد لابد من تقوى الله تعالى، فإنها الحصن الحصين، وقد أمرنا بذلك الدين الحنيف فقال الرسول صلى اللّه عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرًا» وقد أوصى النساء أيضًا حيث قال: «حسن تبعُّل المرأة لزوجها يعادل الجهاد في سبيل اللّه».

آخر الكلام؛
وأخيرا‏..‏ ينبغي علينا أن نعرف أن الزواج ارتباط يدوم مدى الحياة‏ ويزدهر مع الأيام عندما يصبح الزوجان أفضل شريكين وصديقين‏.‏ ويجب أن نتذكر دائماً أن اللوم عدو السعادة الزوجية إذ يرغم الطرف الآخر على أخذ موقف الدفاع وعدم الإصغاء‏.‏ وكلنا نسعد إذا ما سمعنا إطراء أو كلمة تقدير، أو تعبير حبّ، وكلنا يحتاج ذلك، فعلينا دوماً ألاّ نؤجّل أفراحنا، وأن نكون في جرأة الحبّ، وأن نواجه آباءنا وأمهاتنا وأزواجنا وأبناءنا وأحبابنا بفيض من الودّ، وأن نقولها صريحة واضحة: نحن نحبكم، فلن نحصد من الصمت سوى الندم