أصحاب الأخدود.. الثبات على التوحيد ..؟؟ 2996264010









يتجدد اللقاء بكم في «قصص وردت في القرآن»، ونستعرض بعضاً منها لنتعلم دروساً وعبراً تكون لنا عوناً على الهداية والرشاد، وسنتناول اليوم حادثة أصحاب الأخدود التي ذكرها الله تعالى في سورة البروج، وفصلتها السنة النبوية، وبينت مجمل جوانبها.
يقول الله تعالى:
«وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ».



ملك جبار :



بدأت قصة أصحاب الأخدود بقصة أخرى كانت الدافع والسبب الرئيس لحفر الأخدود، وإلقاء الناس فيه، حيث كان مَلِكُ تلك البلاد جباراً متكبراً، وفوق ذلك كله ادعى الألوهية، ودعا الناس إلى عبادته من دون الله، وكان له ساحر طاعن في السن، يستعين به في أمور الدولة، ويتكهن له عما سيحدث من الوقائع والأحداث..
ولما أحس الساحر بعدم قدرته على إكمال العمل مع الملك، طلب منه أن ينتخب له غلاما نبيها، يعلمه أسرار النجوم، ومهارات السحر، ليكون خليفة له عند ذاك الملك الذي أبدى موافقته لاستقطاب الراغبين «في هذا الشرف وهذه الوظيفة المرموقة»، وأخذوا يختبرون الغلمان المتقدمين ليعرفوا مدى نجابتهم وسعة فهمهم، ووقع الاختيار على غلام أرسل إلى الساحر ليتعلم منه فنون السحر.



راهب صالح :



وأثناء التوجه إلى بيت الساحر البعيد، شاهد الغلام في طريق ذهابه وعودته راهباً يعيش منعزلاً عن الناس، فجلس معه مرة وأخذ يكلمه، وأعجب بكلامه وحكمته وصحة منهجه ومسلكه، فصار يجلس معه في كل مرة يتوجه فيها إلى الساحر الذي كان يعاقبه على تأخره في المجيء، دون أن يعلم أنه يقضي وقته بصحبة الراهب الصالح، ولكن لما كثر العقاب على التأخير، شكى الغلام ذلك الأمر للراهب، وقال له:
إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر، فكان يقضي وقته مع الراهب ويتعذر لأهله بذلك العذر.
وفي أحد الأيام، وأثناء توجهه إلى الساحر، اعترض طريق الناس حيوانٌ عظيم، فقال الغلام في نفسه، اليوم سأعرف أيهما أفضل، الساحر أم الراهب، ثم أخذ حجراً وقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، ثم رمى بذلك الحجر على الحيوان فقتله، فتعجب الناس مما فعل الغلام، وظنوا أن ذلك سحراً من التعليم الذي يتلقاه على يد الساحر.
وبعد مقتل الدابة مضى الناس في طريقهم، ومضى الغلام للراهب، وأخبره بما حدث. فقال له: يا بني، أنت اليوم أفضل مني، وإنك ستُبتلى، فإذا ابتُليت فلا تدلّ عليّ.



معجزة أخرى :



ثم منّ الله تعالى على الغلام بمعجزة أخرى، إذ وهبه القدرة على مداواة الأمراض المستعصية، فكان بتوفيق من الله يبرئ الأكمه والأبرص، ويعالج جميع الأمراض، وذات يوم سمع به أحد جلساء الملك، وكان قد فَقَدَ بصره، فجمع هدايا كثيرة وتوجه بها للغلام، وقال له: أعطيك جميع هذه الهدايا إن شفيتني، فأجاب الغلام:
أنا لا أشفي أحداً، فالله تعالى هو الذي يشفي، فإن آمنت بالله دعوته فشفاك، فآمن جليس الملك، فشفاه الله تعالى.
ذهب الجليس، وقعد بجوار الملك كما كل مرة قبل أن يفقد بصره، فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ فأجاب بثقة المؤمن:
ربي، ففرح بهذا الجواب، ظناً منه أن الرجل يقصده، لكنه سارع وبين له أنه يقصد الله رب العالمين، وليس «هو» الذي استخف بالناس، وادعى الألوهية.
بعد هذا الجواب الذي يليق بالإنسان المؤمن، غضب الملك وقال له: أوَلَكَ ربٌّ غيري..؟؟
فأجابه دون تردد:
ربّي وربُّك الله، فثار الملك، وأمر بتعذيبه، ولم يزل يُعذَّب حتى أخبرهم بأمر الغلام، وما كان من أمره، وطلب منه أن يؤمن ليردَّ الله عليه بصره.



حوار الملك والغلام :



أمر الملك بإحضار الغلام، ثم قال مخاطباً إياه: يا بني، لقد بلغت من السحر مبلغاً عظيماً، حتى أصبحت تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فرد عليه الغلام: إني لا أشفي أحداً، لأن الشافي هو الله، فغضب الملك وأمر بتعذيبه، فعذّبوه عذاباً شديداً ليخبرهم عمن علَّمه وأرشده إلى عبادة الله تعالى، فلم يزالوا به حتى شُقت عليه شدةُ العذاب، فأخبرهم عن الراهب، ودل على مكانه.
جاء الملك بالراهب، وطلب منه أن يكفرَ بالله تعالى، ويرجع إلى عبادته، فأبى ذلك، فجيء بمنشار، ووضع على مفرق رأسه، ثم نُشِر، فوقع نصفين، ثم أحضر جليس الملك الذي آمن، فرد الله إليه بصره، وقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فَفُعِلَ به كما فُعِلَ بالراهب، ثم جيء بالغلام، وقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فأمر الملك بأخذه إلى قمة جبل، وتخييره هناك، فإما أن يترك دينه أو أن يطرحوه من الأعلى.



قمة الجبل :



وبالفعل أخذ الجنود الغلام، وصعدوا به إلى قمة الجبل، فدعا ربه قائلاً: اللهم اكفنيهم بما شئت. فاهتزّ الجبل وسقط الجنود، ورجع الغلام يمشي إلى الملك الذي سأله: أين من كان معك..؟؟
أجاب:
كفانيهم الله تعالى، فأمر جنوده بحمله في سفينة، والذهاب به إلى عرض البحر، ثم تخييره هناك بالرجوع عن دينه أو إلقائه في الماء، ولما ذهبوا به، دعا الله قائلاً: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانقلبت بهم السفينة.
وغرق من كان عليها إلا «هو»، ثم رجع إلى الملك، فسأله باستغراب: أين من كان معك؟ فأجاب: كفانيهم الله، ثم تكلم بكلام غريب، إذ أخذ يدل الملك على الطريقة التي يمكن أن يقتله بها، فقال:
إنك لن تستطيع قتلي حتى تفعل ما آمرك به، فقال الملك: ما هو..؟؟
قال:
الطريقة التي تستطيع بها قتلي أن تجمع الناس في مكان واحد، وتصلبني على جذع، ثم تأخذ سهما من كنانتي، وتضعه في القوس، وتقول: «بسم الله ربّ الغلام»، ثم ترميني به، فإن فعلت ذلك قتلتني.



ظهور الحق :



استبشر الملك خيراً، لأنه عرف كيف يقتل الغلام، وينهي الدعوة لتوحيد الله تعالى، فأمر بجمع الناس، وصلب الفتى أمامهم، ثم أخذ سهما من كنانته، ووضعه في القوس فرماه، فلم يصبه، ثم أخذ آخر وقال: بسم الله ربّ الغلام، وأطلقه فأصابه وقتله، عندها عرف الناس صدق دين الغلام، وبطلان ألوهية الملك، وأخذوا يصرخون: آمنا بربّ الغلام، بينما هرع أصحاب الملك إليه قائلين:
أرأيت ما كنت تخشاه..!
لقد وقع، فقد آمن الناس.



استشهدوا حرقاً :



بعد تلك الحادثة أمر الملك بحفر شقّ في الأرض، وإشعال النار فيه، ثم أمر جنوده بتخيير الناس، إما الرجوع عن الإيمان، أو إلقاؤهم في النار، فأشعلوا ناراً عظيمة، وأخذ الملك يشرف بنفسه على إلقاء المؤمنين فيها، وكان الجنود يخيرون كل مؤمن بين القذف فيها، أو الرجوع عن الإيمان، ومن يرفض يُلقَ، حتى جاء دور امرأة ومعها رضيعها، فخافت أن ترمي به في النار، فألهم الله الصبي فنطق وهو في المهد، وقال لها يا أمّاه اصبري فإنك على الحق، فقذفت بنفسها في النار، فمات أصحاب الأخدود حرقاً، ليحفظوا دينهم ويأبوا الكفر والضلال.

استشهدوا حرقاً :


بعد تلك الحادثة أمر الملك بحفر شقّ في الأرض، وإشعال النار فيه، ثم أمر جنوده بتخيير الناس، إما الرجوع عن الإيمان، أو إلقاؤهم في النار، فأشعلوا ناراً عظيمة، وأخذ الملك يشرف بنفسه على إلقاء المؤمنين فيها، وكان الجنود يخيرون كل مؤمن بين القذف فيها، أو الرجوع عن الإيمان، ومن يرفض يُلقَ، حتى جاء دور امرأة ومعها رضيعها، فخافت أن ترمي به في النار، فألهم الله الصبي فنطق وهو في المهد، وقال لها يا أمّاه اصبري فإنك على الحق، فقذفت بنفسها في النار، فمات أصحاب الأخدود حرقاً، ليحفظوا دينهم ويأبوا الكفر والضلال.