مولدها ونشأتها
هيفاطمة بنت محمد بن عبدا لله بن هاشم - سيد المرسلين وخاتم النبيين سيد ولد آدم -عليه صلوات الله وسلامه وصغرى بناته وهي أيضا ابنة خديجة أول النساء إيمانابالإسلام وهي زوج علي بن أبي طالب،أول من أسلم من الصبيان فما سجد لصنم، وما انحنىلوثن وهو المجاهد مع النبي منذ صغره، وهو خليفة المسلمين الرابع، وهي أم الحسنين سيداشباب أهل الجنة .
ولقد شاء الله أن يقترن مولد فاطمة في يوم الجمعة الموافق للعشرين منجمادى الآخرة في السنة الخامسة قبل البعثة (1)بقليل بالحادث العظيم الذي ارتضت فيهقريش (محمدا) حكما لما اشتد الخلاف بينهم حول وضع الحجر الأسود بعد تجديد بناءالكعبة، وكيف استطاع عليه الصلاة والسلام برجاحة عقله أن يحل المشكلة وينقذ قريشمما كان يتهددها من حرب ودمار وإسالة دماء وعداوة بين الأهل والعشيرة.
حمل الأبالحاني ابنته المباركة يهدهدها ويلاطفها،وكانت فرحةخديجة كبيرة ببشاشته ، وهو يتلقى الأنثى الرابعة في أولاده، ولم يظهر عليه غضب ولاألم لأنه لم يرزق ذكرا وكانت فرحة خديجة اكبر حين وجدت ملامح ابنتها تشبه ملامحأبيها، وقد استبشر الرسول بمولدها فهي النسمة الطاهرة التي سيجعل الله نسله منها .(2)
وعن أمالمؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت : كانت فاطمة بنت رسول اللهصلى الله عليه وسلمأشبه الناس وجها برسول اللهصلى الله عليهوسلم . (3)
وعن عائشةأم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت :ما رأيت أحدا من خلق الله أشبه برسول اللهصلى الله عليهوسلممنفاطمة.(4)
وقد كان تسميتها فاطمة بإلهام من الله تعالىفقد روى الديلمي عن أبى هريرة رضي الله عنه عن علي أنه عليه السلام قال :"إنما سميتفاطمة؛ لأن الله فطمها وحجبها من النار ". والفطم هو القطع والمنع . (5)
ترعرعتفاطمة في بيت النبوة الرحيم، والتوجيه النبوي الرشيد، وبذلك نشأة على العفة وعزةالنفس وحسن الخلق ،متخذتا أباها رسول اللهصلى الله عليه وسلمالمثل الأعلى لها والقدوة الحسنة في جميع تصرفاتها. وما كادتالزهراء أن تبلغ الخامسة حتى بدأ التحول الكبير في حياة أبيها بنزول الوحي عليه،وقد تفتحت مداركها على أبيها ويعاني من صد قريش وتعنت سادتها، وشاهدت العديد منمكائد الكفار واعتدائهم على الرسول الكريم، وكان أقسى ما رأته فاطمة عندما ألقىسفيه مكة عقبة بن أبي معيط الأذى على رأس أبيها وهو ساجد يصلي في ساحة الكعبة ويبقىالرسولصلى الله عليهوسلمساجدا إلى أن تتقدمفاطمة وتلقي عنه القذر.(6)
وكان من أشد ما قاسته من آلام في بداية الدعوةذلك الحصار الشديد الذي حوصر فيه المسلمون مع بني هاشم في شعب أبى طالب ، وأقامواعلى ذلك ثلاثة سنوات ، فلم يكن المشركون يتركون طعاما يدخل مكة ولا بيعا إلاواشتروه ، حتى أصاب التعب بني هاشم واضطروا إلى أكل الأوراق والجلود ، وكان لا يصلإليهم شيئا إلا مستخفيا، ومن كان يريد أن يصل قريبا له من قريش كان يصله سرا.(7)
وقد أثر الحصار والجوع على صحة فاطمة فبقيتطوال حياتها تعاني من ضعف البنية، ولكنه زادها إيمانا ونضجا . وما كادت الزهراءالصغيرة تخرج من محنة الحصار حتى فوجئت بوفاة أمها خديجة - رضي الله عنها - فامتلأتنفسها حزنا وألما،ووجدت نفسها أمام مسؤوليات ضخمه نحو أبيها النبي الكريم، وهو يمربظروف قاسية خاصة بعد وفاة خديجة رضي الله عنها وعمه أبى طالب. فما كان منها إلا أن ضاعفت الجهد وتحملتالأحداث في صبر ، ووقفت إلى جانب أبيها لتقدم له العوض عن امها الغاليه واكرمالزوجات ولذلك كانت تكنى بأم أبيها.
ثم جاءتهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب بعد أن لم يبق له في مكة مكان وعلى أثرههاجر علي رضي الله عنه وكان قد تمهل ثلاثة أيام في مكة ريثما أدى عن النبي الودائعالتي كانت عنده للناس وبقيت فاطمة وأختها أم كلثوم حتى جاء رسول من أبيها e فصحبهماإلى يثرب،ولم تمر هجرتهما بسلام فما كادتا تودعان مكة حتىطاردهما اللئام من مشركي قريش ونخس أحد سفهاء مكة يدعى "الحويرث بن نقيذ" بعيرهمافرمى بهما إلى الأرض،وكانت فاطمة يومئذ ضعيفة نحيله الجسم، وتركهما يسيران بقية الطريق إلى أن وصلا إلى المدينة،وقد اشتد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم على من آذى ابنتيه،فأهدردمه. (8)
زواج السيدة فاطمة الزهراء وحياتها فيبيتها:
بعد أن تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم منالسيدة عائشة- رضي الله عنها- تقدم كبار الصحابة لخطبة الزهراء، بعد أن كانوا يحجمونعن ذلك سابقا لوجودها مع أبيها صلى الله عليه وسلم وخدمتها إياه. فقد تقدملخطبة الزهراء أبو بكر وعمر وعبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنهم- ولكن النبي e اعتذر في لطف ورفق،وتحدث الأنصار إلى علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - وشجعوه على التقدملخطبة فاطمة، واخذوا يذكرونه بمكانته في الإسلام وعند رسول الله eحتى تشجع وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم خاطبا، وعندما حضر مجلس النبي غلبهالحياء فلم يذكر حاجته،وأدرك رسول الله ما ينتاب علي من حرج فبادره بقوله :ما حاجة ابن أبي طالب ؟
أجاب علي :ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى اللهعليه وسلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مرحبا وأهلا ..(9)
وكانت هذه الكلمات بردا وسلاما على قلب علي فقدفهم منها، وكذلك فهم أصحابه أن رسول الله يرحب به زوجا لابنته . وكانت تلكمقدمة الخطبة،عرف علي t أن رسول الله يرحب به زوجا لأبنته فاطمة،فلما كان بعد أيامذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب فاطمةوكان مهرها رضي الله عنها درعاأهداها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى علي في غزوة بدر،(10)وقددعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وباركلهما في نسلهما ".(11)
لم تكنحياة فاطمة في بيت زوجها مترفة ولا ناعمة، بل كانت أقرب للخشونة والفقر، وقد كفاهازوجها الخدمة خارجا وسقاية الحاج وأسنده لأمة،وكان علي رضي الله عنه يساعدهافي شؤون المنزل. قال علي رضي الله عنه : لقد تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلدكبش ننام عليه بالليل ونجلس عليه بالنهار،ومالي ولها خادم غيرها ، ولما زوجها رسولالله بي بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف ورحائين وسقاء وجرتين،فجرت بالرحى حتى أثرت فييدها،واستقت بالقربة بنحرها ،وقمّت البيت حتى اغبرت ثيابها . (12) ولما علم علي – كرم الله وجهه - أنالنبي صلى الله عليه وسلم قد جاءه خدم قال لفاطمة :لو أتيت أباك فسألتيه خادما،فأتته فقال النبيما جاء بك يا بنيه؟ قالت :جئت لأسلم عليك،واستحيت أن تسأله ورجعت،فأتاها رسول الله من الغد فقال :ما كانت حاجتك ؟فسكتت فقال علي :والله يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيتصدري،وهذه فاطمة قد طحنت حتى مجلت يداها وقد أتى الله بسبي فأخدمنا.
فقالالرسول صلى الله عليه وسلم :"لا والله،لا أعطيكما وأدع أهل الصفةتتلوى بطونهم،لا أجد ما أنفق عليهم ولكن أبيع وأنفق عليهم بالثمنفرجعا إلىمنزلها،فأتاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخفف عنهماعناءهما وقال لهما برفق وحنان :ألا أخبركما بخير مما سألتماني ؟ قالا: بلى: فقال :"كلمات علمنيهن جبريل :تسبحان الله دبر كل صلاة عشرا،وتحمدانعشرا،وتكبرانعشرا،وإذا أويتماإلى فراشكما تسبحان ثلاثة وثلاثين،وتحمدان ثلاثة وثلاثين،وتكبرانأربعا وثلاثين " .(12)
وخيمتالسعادة على بيت فاطمة الزهراء عندما وضعت طفلها الأول في السنة الثالثة من الهجرةففرح به النبي فرحا كبيرا فتلا الآذان على مسمعه،ثم حنكه بنفسه وسماه الحسن،فصنع عقيقة في يومسابعه، وحلق شعره وتصدق بزنة شعره فضة . وكان الحسن أشبهخلق الله برسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه، وما أن بلغ الحسن من العمر عاماحتى ولد بعده الحسين في شهر شعبان سنة أربع من الهجرة، وتفتح قلبرسول الله e لسبطيه (الحسن والحسين)،فغمرهما بكل ما امتلأ به قلبه من حبوحنان وكان صلى الله عليه وسلم يقول:"اللهم أني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما "وتتابع الثمر المبارك فولدت الزهراء في العام الخامس للهجرة طفلة اسماها جدها صلىالله عليه وسلم (زينب ).وبعد عامين من مولد زينب وضعت طفلة أخرى اختار لها الرسولاسم (أم كلثوم ) . (13)
وبذلك آثرالله فاطمة بالنعمة الكبرى،فحصر في ولدها ذرية نبيه صلى الله عليه وسلم،وحفظ بها أفضل سلالات البشرية . وقد بلغمن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها- أنه لا يخرج من المدينة حتى يكونآخر عهده بها رؤية فاطمة، فإذا عاد من سفره بدأ بالمسجد فيصلي ركعتين،ثم يأتيفاطمة،ثم يأتي أزواجه، وقد قال عليه الصلاة والسلام :" إنمافاطمة بضعة فمن أغضبها فقد أغضبني"(14) . ولم يرضرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراها تلبس الحلي وأمرها ببيعها والتصدق بثمنها؛ وما ذلك إلا لأنها بضعة منه وأنه يريدها مثلا أعلى في الزهد والصبر والتقشف كما كانهو صلى الله عليه وسلم،ولتتبوأ بجدارة منزلة سيدة نساءالعالمين يوم القيامة.(15)
ولقد همعلي كرم الله وجهه بالزواج من بنت أبى جهل - لعنه الله،علىالسيدة فاطمة رضي الله عنها،وفي حسبانه أنه يجوز على بنات النبي صلى الله عليهوسلم ما يجوز على سائر النساء فيما أحله الشرع للمسلمين من تعددالزوجات،وعندمابلغ رسول الله ذلك خرج إلى المسجد مغضبا حتى بلغ المنبر فخطب الناس فقال:"إن بنيهشام بن مغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم،ثم لا آذن لهم،ثم لا آذن لهم،إلا أن يريد علي بن أبي طالب أنيطلق ابنتي وينكح ابنتهم، وإني لست أحرم حلالا،ولا أحل حراما،لكن والله لا تجتمع بنت رسول الله،وبنت عدوالله أبدا. فترك علي الخطبة. (16) وهذا دليل على حبه صلى الله عليه وسلم لبناتهفي بيئة وأدت بناتها .
وقد مرتالسيدة فاطمة رضي الله عنها بأحداث كثيرة ومتشابكة وقاسية وذلك منذ نعومة أظفارهاحيث شهدت وفاة أمها،ومن ثم أختها رقية، وتلتها في السنة الثامنة للهجرةأختها زينب،وفي السنة التاسعة أختها أم كلثوم . (17)
وفاةالرسول صلى الله عليه وسلم :
ولما حجرسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع،وأرسى قواعدالإسلام وأدى الأمانة ونصح الأمة وأكمل الله الدين. حان وقت الرحيل عن الدنيا الفانية، وأخذت طلائعالتوديع للحياة تظهر على ملامح الرسول صلى الله عليه وسلم وتتضح من خلال عباراتهوأفعاله .فقد اعتكففي رمضان في السنة العاشرة عشرين يوما،بينما كان لا يعتكف إلا عشرةأيام،وكان يدارسه جبريل عليه السلام مرتين وما قالهلمعاذ رضي الله عنه "يا معاذ انك عسى أن لاتلقاني بعد عامي هذا.(18)
وما قالهفي خطبة الوداع :" أيها الناس اسمعوا قولي،فإني لا أدريلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا . وشهادة الناس له انه بلغ وأدى ونصح ...".وكانبداية مرضه e بعد حجة الوداع في اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر سنة 11هجرية - وكان يومالاثنينوقد صلى المصطفى صلى الله عليه وسلم بالناس وهو مريضأحد عشر يوما وجميع أيام المرض كانت ثلاثة عشر يوما(9).
وما أنسمعت فاطمة بذلك حتى هرعت لتوها لتطمئن عليه، وهو عند أم المؤمنين عائشة رضي اللهعنها،فلما رآها هش للقائها وقال : "مرحبا بابنتي فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثمأسر إليها شيئا فبكت،ثم اسر لها شيئا فضحكت. قالت -عائشةقلت ما رأيت ضحكا اقرب من بكاء،قلت : أيشيء أسر إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت الزهراء رضي الله عنها :ما كنت لأفشي سره ! فلما قبضسألتها فقالت: قال :ان جبريل كان يأتيني كل عام فيعارضني بالقرآن مرة وأنه أتانيالعام فعارضني مرتين،ولا أظن إلا أجلي قد حضر،فاتقي واصبري،فانه نعم السلف أنا لك . قالتفبكيت بكائي الذي رأيت :فلما رأى جزعي سارني الثانية،فقال :" يا فاطمة،أما ترضينأن تكوني سيدة نساء أهل الجنة ؟وانك أول أهلي لحاقا بي؟ فضحكت .(20)
ورأتفاطمة رضي الله عنها ما برسول الله من الكرب الشديد الذي يتغشاه،فقالت : وأكرب أباه .فقال صلى الله عليه وسلم لها :ليس على أبيك كرب بعداليوم يا فاطمة.(21)
ولما حضرتالنبي الوفاة،بكت فاطمة حتى سمع النبي صوتها فقال صلى الله عليهوسلم "لا تبكي يا بنية،قولي إذا مت :انا لله وانا إليه راجعون،فان لكل إنسان بها من كل مصيبة معوضة "،قالتفاطمة : ومنك يا رسول الله ؟قال : ومني . (22)
ولما ماتالرسول صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة : يا أبتاه أجاب ربا،يا أبتاهفي جنة الفردوس مأواه،يا أبتاه إلى جبريل ننعاه .(23) فلما دفن الرسول صلى الله عليه وسلم قالت : ياأنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب ؟(24)، وبكتالزهراء أم أبيها،وبكى المسلمون جميعا نبيهم ورسولهم محمد صلى اللهعليه وسلم وذكروا قول الله تعالى :" إنك ميت وإنهم ميتون".
حادثة فدكوالإرث :
ولما كاناليوم الذي توفي فيه رسول صلى الله عليه وسلم بويع لأبي بكر رضي الله عنه في ذلكاليوم ،فلما كان من الغد جاءت فاطمة إلى أبي بكر رضي الله عنه ومعها علي كرم اللهوجهه،فقالت : ميراثي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي ،فقال :أمن الرثة أومنالعقد ؟قالت :فدك-قرية كان للنبي صلى الله عليه وسلم نصفهاوخيبر وصدقاته بالمدينة أرثها كما يرثك بناتك إذا مت.
فقال أبو بكر رضي الله عنه :أبوك والله خيرمني، وأنت والله خير من بناتي ،وقد قال رسول الله: لا نورث ،ما تركنا صدقة (يعنيهذه الأموال القائمة ) فيعلمن أن أباك أعطاكها،فو الله لئن قلت نعم لأقبلن قولك،قالت:قد أخبرتك ما عندي. وقال لفاطمة وعلي والعباس :أن رسول الله صلىالله عليه وسلم قال:"لا نورث ما تركناه صدقة "(25)
وفي روايةأخرى عن عروة ابن الزبير عن عائشة أن فاطمة أرسلت إلى أبى بكر تسأله ميراثها منالنبي صلى الله عليه وسلم فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم تطلب صدقةرسول الله التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر : أن رسول الله صلىالله عليه وسلم قال " لا نورث ما تركناه فهو صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا الماليعني مال اللهليس لهم أن يزيدوا على المأكل " وإني والله لا أغيرشيئا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلىالله عليه وسلم، ولست تاركا شيئا كان رسول الله يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى إنتركت شيئا من أمره أن أزيغ. فتشهد علي ثم قال : إنا عرفناك يا أبا بكر فقال: والذينفسي بيده لقرابة رسول صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي وأوسعمنه.(26) والحكمة من ذلك أن الله تعالى صان الأنبياء أنيورثوا دنيا؛ لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا دنيا وورثوهالورثتهم، ثم إن من ورثة النبي صلىالله عليه وسلم أزواجه، ومنهم عائشة بنت أبي بكروقد حرمت نصيبها بهذا الحديث النبوي،ولو جرى أبو بكر مع ميله الفطري لأحب أن ترثابنته.
وطابت نفس فاطمة رضي الله عنه بما كان من قضاءأبي بكر رضي الله عنه، وأن الأنبياء لا يورثون مالا وعاشت زاهدة راضية حتى وافاهاالأجل، فكانت أول اللاحقين بأبيها من أهل بيته كما بشرها بذلك، فطابت بالبشرى وعلمتأن الآخرة خير من الأولى وأبقى.
وفاة فاطمة رضي اللهعنها:
أوصت الزهراء رضي الله عنها علي بن أبي طالب بثلاث وصايا في حديث داربينهما قبل وفاتها. وقالتالزهراء يا ابن عم،انه قد نعيت إلي نفسي ، وإنني لا أرى حالي إلا لاحقةبأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي. فقال كرم الله وجهه : أوصيني بما أحببت يا بنترسول الله صلى الله عليه وسلم ،فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت . فقالت رضي الله عنها :يا ابن العم ما عهدتنيكاذبة ولا خائفة، ولا خالفتك منذ عاشرتني .
فقال رضي الله عنه : معاذ الله ! أنت أعلمبالله تعالى ، وأبر واتقى وأكرم وأشد خوفا من الله تعالى، وقد عز علي مفارقتك وفقدكإلا أنه أمر لابد منه، والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد أوصت الزهراء رضي الله عنها عليا كرم اللهوجهه بثلاث:
أولا:أنيتزوج بأمامة بنت العاص بن الربيع،وبنت أختها زينب رضي الله عنها .وفي اختيارها لأمامة رضي الله عنها قالت :أنهاتكون لولدي مثلي في حنوتي ورؤومتي. وأمامه هي التي روى أن النبي صلى الله عليه وسلمكان يحملها في الصلاة .
ثانيا :أن يتخذ لها نعشا وصفته له،وكانت التي أشارت عليها بهذا النعشأسماء بنت عميس رضي الله عنها، وذلك لشدة حياءها رضي الله عنها فقد استقبحت أن تحملعلى الآلة الخشبية ويطرح عيها الثوب فيصفها، ووصفه أن يأتى بسرير ثم بجرائد تشد علىقوائمه ، ثم يغطى بثوب .
ثالثا :أنتدفن ليلا بالبقيع .(27)
لم يطلمرض الزهراء رضي الله عنها الذي توفيت فيه ، ولم يطل مقامها في الدنيا كثيرا بعدوفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم،وقد اختلفت الروايات في تحديدتاريخ وفاتها،فقيل في الثالث من جمادى الآخرة سنة عشرة للهجرة وقيل توفيت لعشر بقين من جمادىالآخرة،أما الأرجح فإنها توفيت ليلة الثلاثاء يوم الاثنين منشهر رمضان سنة إحدى عشرة من الهجرة .(28)
وتوفيت وهي بنت تسع وعشرين سنة . وقيل كانت قبلوفاتها فرحة مسرورة لعلمها باللحاق بأبيها الذي بشرها أن تكون أول أهل بيته لحاقابه وقيل لبثت الزهراء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة اشهر وفي روايةأخرى ستة اشهر.(29) وقد نفذعلي كرم الله وجهه وصيتها،فحملها في نعش كما وصفته له ودفنتبالبقيع ليلا ، وهي أول من حملت في نعش وأول من لحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم منأهله. (30)
حملتفاطمة بين دموع العيون وأحزان القلوب،وصلى عليها علي كرم الله وجههونزل في قبرها،فضم ثرى الطيبة الطاهرة فاطمة الزهراء رضي الله عنهاكما ضم جثمان أبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم وأخواتها الثلاث :زينب، ورقيــة وأمكلثوم رضي الله عنهن .
الخاتمة :
قد جمعت في هذا البحث قبسات من سيرة سيدة نساءالعالمين على أمل أن يكون ذلك نبراسا يضيء القلوب ويمحو منها تشكيك المتشككين فيعظمة هذا البيت وهذه السيدة الطاهرة. فكل حياةسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء دروس وعبر وعظات،ففي صباها ناصرت الدعوة ودافعتعن أبيها وذلك درس للأولاد،وفي تزويجها وجهازها وصبرها على شظف العيش حل لكثير من المشكلات،وفي فضائلها وخصائصها ومزاياهاإصلاح لكثير من الأخلاقيات وفي اهتمام المصطفى بها وتنويهه بذكرها وتهذيبه لها درسللفتيات المسلمات،وفي عفتها وطهارتها مرآة لكل فتاة .
لقد ضربتلنا الزهراء نموذجا فريدا ومثلا أعلى في حياتها،فقد كانت مثال الزوجة الصالحةالصابرة وكانت مثلا في حسن علاقتها مع جارتها وقريباتها،وكانتقدوة في رسالة الأمومة حتى كان من ذريتها ما كان. فرحم الله الزهراء ريحانة سيد ولد آدم وزوجةسيد الفرسان ، وأم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأم زينب بطلة كربلاء.
ولتعلمأخي المسلم وأختي المسلمة ، أننا بشر نخطئ ونصيب فالتمس لنا العذر على زلاتنا ولا تدخر النصح لنافان ذلك أمانة،وأسأل الله أن يوفقني إلى سواء السبيل وآخر دعواي أنالحمد لله رب العالمين.
وصلي اللهم و بارك على رسول الله سيدنا محمد و آل بيته الطاهرين المهديين و على أصحابه الأخيار
والسلام