((أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ))  Bsm-allah3

قال الله تعالى : * وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم
مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا
فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ * (سورة المائدة آية : 6) ..

سنقف اليوم عند قوله تعالى : (أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ) ...

في هذا التّعبير ما يسمّى عند أهل البلاغة ب (الكناية) وفيه كذلك

(الانتقال من الخطاب إلى الغيبة) ...

أوّلاً : (الكناية) :

فكلمة (غائط) هي كناية عمّا يخرج من الإنسان من النّجاسة ،

و(الغائط) في اللّغة يطلق على : المكان المنخفض ، وقد كانت

العرب إذا أراد أحدهم قضاء حاجته يبحث عن غائطٍ من الأرض

(أي مكان منخفض) يحجبه عن الأعين ويتوارى به عن الأنظار

ثمّ سُمّي الحَدث الخارج من الإنسان (غائطاً) توسُّعاً، وهو من

باب تسمية الشّيء باسم مكانه ...

فلم يقل الله عزّ وجلّ : إذا عملتم كذا وكذا .. بل اكتفى بذكر

العودة من ذلك المكان المنخفض كناية عمّا تمّ فيه! فقال

تعالى : * أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ * فكنّى بالمكان عن

الحدث الذي يكون فيه !! ..

وفي ذلك زيادة في أدب الخطاب ، وتعليم للنّاس أن يتأدّبوا

بآداب القرآن فلا ينطقوا بكلام مستهجن تمجُّه النّفس ويأباه

الطّبع السّليم .. ، لذلك قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم :

(مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ

وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ) رواه الترمذي وقال حديث

حسن صحيح ..

ثــانـيــاً : (الانتقال من الخطاب إلى الغيبة) :

من الخطاب في قوله:* وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ * إلى

الغيبة بقوله : * أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ * فلم يسند الفعل

إلى المخاطبين ولم يقل : (أو جئتم من الغائط) وإنّما انتقل إلى

الغيبة فقال : * أَوْ جَآءَ أَحَدٌ * ، فتأمّل هذا الأسلوب الرّفيع فإنّ

الإنسان إذا أراد قضاء حاجته التي لابدّ له منها يبحث عن مكان

بعيد ومنخفض يستره عن أعين النّاس ، وما دام قد سعى إلى

ستر نفسه وتوارى عن أنظار النّاس فإنّ الله عزّ وجلّ لمّا تكلّم

عنه سَتَرَه فقال : * أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم * فجاء بالنّكرة وأسند

المجيء إلى واحد مُبهَم من المخاطبين !! ..

وتأمّل لفظ (جاء) ولم يقل : (أو ذهب أحد منكم إلى الغائط) لأنّ

التّعبير بالمجيء من ذلك المكان أقوى في الدّلالة على الكناية

عمّا تمّ فيه !! ..

وفي الآية الكريمة تذكير للإنسان بشديد عجزه وضعفه وفقره

ليكفّ عن كِبره وترفُّعه وفخره وإعجابه بنفسه ....

والله أعلم ...

والحمد لله ربّ العالمين ...