السلام عليكم ورحمة الله
أتم الله نعمته على شيخي العلامة الحسين أيت سعيد حفظه الله بإتمام تحقيقه لكتاب الموافقات في أصول الشريعة، وقد عكف على النظر فيه ما ينيف على عشرين سنة، تتبع خلالها عُتُق نسخه التي بلغت إحدى عشرة نسخة، منها نسختان مقابلتان على نسخة تلميذ المؤلف: يحيى بن عاصم الغرناطي، فجاء تحقيقا كاشفا عن كثيييييير من الأخطاء في المطبوع من الكتاب، بما في ذلك تحقيق الشيخ مشهور حفظه الله، كما أتم السقط الكثير في نسخة الشيخ دراز رحمه الله، فأغنى ذلك عن كثير من تعاليقه التي كان يرتام منها توجيه النص، لأن النص في النسخ العتيقة مستقيم بنفسه.
هذا، والكتاب قيد الطبع، وقد استأذنت شيخي في ملخص من دراسته للكتاب، لتعريف المتهممين به، فاستجاب حفظه الله، وخط هذا الملخص، وذا نصه:


اخترت لك من عيون التراث:كتاب
"الموافقات للشاطبي"
محققا على إحدى عشرة نسخة خطية،
منها: نسختان قوبلتا على نسخة تلميذ المؤلف: يحيى بن عاصم.




ملخص مختزل جدا من الدراسة عن الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي البحث
حمداً لمن أخبتت النفوسُ الطيِّعة إلى طاعته، وانقادت السجايا النقيّةُ إلى ابتغاء مرضاته، وتنزهت الألباب الملقَّـحة في محاسن أسمائه وصفاته، ورياضِ جميل صنعته، وارتاضت الأفئدة الحيّة في محاريب عبوديّته، وصمَد له الصامدون في كنف قيوميّته وديموميّته، ونحا الناحون وزَر رحمته وحمايته، وهرَع المظلومون إلى سطوته وعزته، وسابَق المعترُّون إلى غناه وكفايته.
سبحانه من إله يعبَد، وخالق يحمَد، ورب يمجَّد، وعزيز يستنجَد، ورحيم يسترفد، عُبِد بحق في الأرض والسماوات، واستـُغيث به في الخلوات والفلوات، واستـُعين به في المضرات والمسرات، من عصاه فبعلمه، ومن أطاعه فبفضله، خلـَق الخلائقَ فأتقن فيهم صنعته، وأبرز فيهم مُنّته وقدرته، فكلُّ ذرة تدل على أنه الله الذي لا رب سواه، ولا إله غيره، فتبارك اللهُ أحسن الخالقين، الذي أحسن كل شيء، وبدأ خلق الإنسان من طين.
وصلاةً وسلاما تامّيْن كاملين، على سيدنا، ونبينا محمد، r الذي تغلغل محتِدُه في مضرَ انتساباً، وفي كنانة َعِرْقاً وامتداداً، وفي هاشمٍ صَليبة وانتخاباً، وفي عبد المطلب ولادة ًوطباعاً.
صلى الله تعالى عليه وسلم من نبي ضمَّ إلى شرف الأنساب كرَمَ الآداب، وإلى نفاسة الأعراق شمائلَ الأخلاق.
وعلى آله، وأزواجه، وأصحابه نجوم الهدى، وأئمة الاهتداء، ومصابيح الدجَى، وأعلام الاقتداء، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمابعد: فإن كتاب الموافقات للشاطبي منذ أن طبع إلى الآن- مع أهميته وقيمته العلمية، وعدم النظير له في بابه - لم يخل من تحريف، وتصحيف، ولم يسلم من سقط، وتغيير، وتبديل، وتقديم، وتأخير، وكل ذلك يخل بجماله، ورشاقة عبارته، وعمق مغزاه، و يفسد معناه، و يجعله منبهماً مستغلقاً، غير منسجم البدايات مع النهايات.
ذلك أنه لمّا طبع أول مرة، طبع على نسخة خطية سقيمة عليلة، ومردُّ ذلك أنّ من قاموا بطبعه أول وهلة في الديار التو نسية الشقيقة، عثروا على نسخة تعِسة، مليئة بالتحريف والتبديل والسقط والتعليل، وهذا ليس بمستغرب، وإنما المستغرب حقا، أن الكتاب قد طُبع إلى الآن طبعات ليست واحدة منها في المستوى اللائق بمكانته، ولا في مضمار استجلاء حقائقه، وقد اهتـبل المحققون بما دونه قيمةً، وبُذلت في تحقيقه أموال سخية، وأنفاس زكية، وعيون ساهرة، ولذالك أسباب سنذكر جملة منها عند الكلام على طبعاته، وما عراها من نقص، وما أصابها من سقم؛ ليعتبر القارئ، ويستحثّ ركابه في انتخاب الأجود الأفعم، والعتيق الأكرم، فالكتب أنساب، فما كان منها نسبه عريقا، كان أفيد وأتم، وما كان تليداً كان أوفر وأتم.
واللهَ تعالى أسال أن يتم علينا نعمه، وأن يسبغ علينا رداء عافيته، إنه مجيب الدعوات، كاشف الكربات، قيوم الأرض والسماوات، ولاحول ولاقوة إلابه.








الفصل الأول: بواعث البحث ودوافعه:
إذا أراد الله أمرا هيّأ له أسبابه؛ فقد كنت أطالع مباحث هذا الكتاب كثيراً، وأنا طالب بالجامعة الإسلامية، ومن شدة إعجابي بقوة عبارة الشاطبي، وترصيف أبحاثه، وتسلسلها، ووضوح حجته، أني منذ ذلك أرقم الأحاديث التي أمرّ بها خلال القراءة ترقيماً متسلسلا؛ رجاءَ أن أخرِّجها، وأقف عليها في مظانها، وهذا كان في بداية القرن الهجري الحالي.
ولم أتمكن من تحقيق هذه البغية آنذاك، ودار الزمان دورته، فأُسندت لي مادة المقاصد لأدرّسها، فعزمتُ على أن يكون المقرر في هذه المادة، الموافقات للشاطبي، ورغبت عن المذكِّرات التي جرى العرف بها عند عامة المدرسين؛ و كانت خطةُ التدريسعلى النحو الآتي:
1- كنا نأخذ مقدار مائة صفحة ونيف تقريباً كل سنة، فندير أبحاثنا عليها.
2- نوزع هذا المقدار على عشرين حصة، كل حصة تستغرق ساعتين.
3- نهيئ كل درس قبل إلقائه على الطلبة، وذلك بإمعان النظر في كلام المؤلف، وضبطه، والرجوع لمظان المباحث التي يذكرها، سواء نص عليها أو لم ينص، وبذلك ضبطنا كل مشكل، وحددنا ما يحتاج لتفسير، وتبينّا درجة الأحاديث التي يذكرها المؤلف، بعزوها لمصادرها المشهورة، وربطنا بينها ومحل الشاهد الذي يريده المؤلف من سياقها، ثم نرجع لكل ما يمكن أن يثير أي سؤال لبحثه والإجابة عنه.
وهذا جعلني أقرأ الدرس مرات، وأتأمل في لواحقه وسوابقه، وأرتب مقاصده ومراميه، حتى يسهل فهمُه على الطلبة، ثم عند الإلقاء، نسترسل في تقرير مباحثه، وتقريبها للأفهام، وكان ذلك يأخذ مني وقتا غير قصير لسنوات عديدة، وفي كل ذلك كنا نقيد الأوابد، ونصطاد الشوارد، التي زبرنا بعضها في دراستنا وتحقيقنا لهذا الكتاب.
وبذلك السنن، وصلنا إلى وضع علامة الاستفهام حول كل عبارة فيها انبهام، أو انغلاق، أوعدم انسجام، أو إشكال، أو تحريف أوتصحيف، ولما جمعنا النسخ الخطية الكافية لتصحيح النص وتقويمه؛ تبين لنا أن أكثر ما علـَّمنا عليه بعلامة الا ستفهام، إما فيه تحريف، أو تصحيف، أو سقط كلي أو جزئي، أو تقديم، أو تأخير، مما هو موجود بكثرة في النسخة المطبوعة المتداولة.
















الفصل الثاني: معالم ترجمة الإمام الشاطبي، وفيها لمعات.
اللمعة الأولى: قيمة التراجم والسير
اللمعة الثانية: مسرد مصنفات الترجمة.
اللمعة الثالثة: سيرة المترجَم.
اللمعة الرابعة: مصنفاته
الإضاءة الأولى: قيمتها العلمية
الإضاءة الثانية: إحصاؤها.
اللمعة الخامسة: مكانة الموافقات بين مؤلفات الشاطبي.
أ-شهادات العلماء الأقدمين
ب- شهادات العلماءالمعاصرين.
اللمعة السادسة: خدمة الموافقات، والتآليف حولها.
الباسقة الأولى: الكثرة المؤذنة بالمكانة.
الباسقة الثانية: الدراسات القديمة على الموافقات.
الباسقة الثالثة: الدراسات المعاصرة.
اللمعة السابعة: الغرض من تأليف الموافقات.
اللمعة الثامنة: المنهج المسلوك فيها.
-أولا: فذلكة الانسجام بين الكليات والجزءيات
أ ـ معالم المنهج الخارجي.
ب ـ معالم المنهج الداخلي.
ج- تجديدات الشاطبي وتحريراته.
-اللمعة التاسعة: نقد الموافقات، والاستدراك عليها.
الفصل الثالث: مقاصد تحقيق النصوص ومنهجه.
-الركيزة الأولى: الغرض من التحقيق، ووسائله
الغرض من تحقيق أي نص، إزالة ما يعتريه من تصحيف، أوتحريف، أوسقط، وشرح ما يعسر فهمه، أو يشكل، والتنبيه على ما فيه من أخطاء علمية صدرت من مؤلفه، أو ممن تحمله عنه، حتى لا تعتقد آراء صحيحة.
وكل ذلك بمقدار ما يخدم النص دون زيادة أو نقصان، وهذه الأغراض يحققها المحقِّق بأمور:
أولها: الرجوع – فيما يتعلق بضبط النص- إلى النسخ الخطية العتيقة، مرتبةً حسب تواريخها.
وليس كل مخطوط مطلوبَ الإحياء، كما أنه ليس كل مخطوط مطلوب الإماتة، والعبرةُ بالمضمون وبمن تعاوروا ذلك المضمون.
هذا وقد أصبح عندنا في زماننا مرض مزمن ملصَق بتراثنا، مرضُ الإكثار، والحشر، والتقميش، حتى ظن بعض الناس أن كل ما يرتبط بالموضوع من قريب أو بعيد، يعلَّق به عليه، فأصبحت بذلك الهوامش الفارغة من الفائدة – غالبا - طاغية على نص الكتاب الذي هو الأصل، وطامسةً لحقائقه، وجانية على مضامينه، وصادّة للقارئ عن فهمه؛ مع أن العكس هو الصحيح، وهو أن يكون نص الكتاب الأصلي بارزاً، ومضمونه لائحاً، وموضوعُه لافتاً للأنظار، وهوامشه قاصرة على علاجه بمقدار.
ومن هذا الإكثار بلا فائدة، تخريجُ أحاديث كتب أصول الفقه في هوامشها، بعرض جميع مخارجها، والاستفاضة في كل ما قيل فيها تصحيحا وتضعيفا، وما قيل في رواتها تعديلا وتجريحا، وكأن ميدان أصول الفقه، ميدانٌ لتحقيق القول في الأحاديث النبوية قبولا ورداً، فمثلُ هذا الصنيع، موضوع في غير محله - إن كان في حد ذاته صحيحا - وتاجٌ على غير الرأس الذي أُعدّ له؛ لأن هذه الكثرة، لا يحتاج إليها الأصولي، ولا يكترث بها، ولا يستفيد منها، فهو يكفيه أن يتبين صحة ذلك الدليل من عدمه، وأن يشار لبعض مصادره المشهورة التي يرجع إليها فيه عند الحاجة؛ ليبني على دلالته ما يريد من الاستدلال، والاستنباط، فهو أحوج إلى تحرير الإشكالات الموجودة في القواعد الأصولية، منه إلى الإكثار من تخريج النصوص النبوية.
فإذا كان من العبث اختصارُ الكلام على الأحاديث النبوية في الكتب الخاصة بها، فمن العبث أيضا إطالة الكلام عليها في الكتب غير المتخصصة فيها؛ فالاختصارُ لا يشبع نهم المحدث؛ إذ لابد له من الوقوف على الحديث بكل ألفاظه، ومخارجه المختلفة، ورواته المتباينين؛ ليتبين مواقع العلة منه ملموسة محسوسة، والإطالةُ لا تنفع الأصولي؛ لأن همه ينصب على الاستدلال، لا على التحقق من الدليل، فتلك وظيفة غيره.
والغرضُ من هذا، إعلام الناشئة أنه ليس كل ما يعرف ويرتبط بالموضوع، يهمَّش به عليه، بل لابد من النظر في القدر الكافي الذي لا يصدّ عن الأصل، ولا يحجب حقيقته.
الركيزة الثانية: طبعات الكتاب: قديمها وحديثها .
طُبع كتاب الموافقات للشاطبي عدة طبعات، وشيء منها لم يسلم من الخطل والخلل، ويتفاوت ذلك من نسخة إلى أخرى، وها هي طبعات الكتاب مرتبة حسب أزمنتها.
أولاها: بتونس في مطبعة الدولة التونسية، وفُرغ من طبعها يوم الاثنين، اثنين وعشرين من المحرم، عام اثنين وثلاثمائة وألف من الهجرة (1302هـ) (1884م) وهي أول طبعة لها على الإطلاق، وطُبعت على نسخة خطية رديئة؛ فاستمر ذلك في الطبعات اللاحقة وهي بين يدي بكاملها.
وثانيتها: بمصر، في المطبعة السلفية، وقد بُدئ في طباعة هذه الطبعة عامَ واحدٍ وأربعين وثلاثمائة وألف (1341هـ) ( 1922م).
وثالثتها: في مصر أيضا، في المطبعة التجارية، بتحقيق العلامة، الشيخ الجليل، عبد الله دراز، شيخ علماء معهد دمياط الديني.
والرابعة: بمصر أيضاً، بمطبعة المدني، ونشر مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده، بتحقيق الشيخ محي الدين عبد الحميد.
والخامسة: في دار ابن عفان، سنة (1417هـ) (1997م) بتحقيق الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان.
الركيزة الثالثة: تقويم هذه الطبعات.
الطبعة الأولى التونسية، المطبوعة سنة (1302)، قد بقيت على حالها من التصحيف والتحريف، رغم ما كُـتب في آخر ورقة منها من أن جماعة من علماء الزيتونة صححوها، وأقاموا أوَدها، وليس الأمر كذلك، وسترى بأم عينيك في النماذج التي ستراها مع نماذج المخطوطات أنها لم تحقق، وأن ما في آخرها من التنصيص على ذلك إنما هو ادعاء لا غير.
الطبعة الثانية: مطبوعة في مصر، وهذه الطبعة، قد قام بالتعليق على نصفها الأول: المغفور له الشيخ محمد الخضر حسين، وقام بالتعليق على نصفها الثاني، المرحوم الشيخ محمد حسنين مخلوف، العدوي، ورغم جهودهما، فالكتاب بقي أغلبه على ما عليه من تحريف وتصحيف، وسقط.
الطبعة الثالثة للكتاب؛ طبعت بمصر، وصدرت بتعليقات العلامة الشيخ عبد الله دراز - رحمه الله - وتناول الكتاب كله، وكان تناوله أوسع مادة، وأغزر فائدة، وهو خير من يمثل المتعمقين في الكتاب، والعالمين بمشاكله الجزئية التفصيلية، وأولُ من قرأه قراءة تدبر، وتأمل، وتفهم، واجتهد اجتهادا جادّا في إصلاح الأخطاء، وتقويم العبارات، واستدراك الصواب في جوانب، وأفلح في جوانب من ذلك، وأخطأ في جوانب عديدة.
قلت: وسترى في تعليقنا على تعاليقه، مالم يوفق فيه إلى الجادة، ومالم يفهمه فهماً سليما؛ للتحريف الواقع فيه، فتتبعْ ذلك فإنه مفيد، وهو إقليد هذه الطبعة، وجوهرها، وبطبعتنا هذه، يصل الكتاب إلى ذروة تحقيقه، كما تمنى هؤلاء الجلّة جميعا، وبها تزول جميع مشاكله.
الطبعةُ الرابعة: طبعة المدني - ونشر مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده – هي بتحقيق العلامة اللغوي، النحوي، الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد، صاحب التعاليق المشهورة على كتب النحو، وقد بدأ عمله في الكتاب بالتذكيـر في مقدمته بالطبعاتِ السابقة: التونسية والمصرية، ثم قال: "ولم تخل طبعة من هذه الطبعات، من تحريف، وتصحيف، وسقط، رغم ما بُذل في كل واحدة منها من الجهد، ورغم جلالة شأن القائمين عليها، وها أنا أقدّم هذه الطبعة الرابعة لمن يعنيهم أن يقرؤوا هذا الكتاب، ويفيدوا منه، بعد أن بذلتُ الوسع في مراجعة أصوله، وتحقيقها، والله - سبحانه - المسؤولُ أن ينفع به، وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه" اهـ ( ).
والمفهومُ من هذا الكلام، أنه صحح الأخطاء الواقعة في الطبعات السابقة، ورجع إلى أصول الكتاب، وحققه على تلك الأصول، كما توحي به كلمة: "في تحقيقه" الواردة قبلُ في كلامه، ولا تدهش إذا قلت لك - والقولُ مسؤولية وأمانة -: إني تصفحت هذه الطبعة ورقة ورقة، بأجزائها الأربعة، فلم أجد فيها أي أثر لمعنى التحقيق المذكور، ولا لمغزاه بتاتا، ولا للتعاليق المفيدة التي فيها نوع من الاجتهاد، وبذلِ الوسع فالجزء الأول منه برمّته، فيه تعاليق شحيحة، في الصفحات - 3- 4- 33- 36- 38-41 - 43- 44- 46-48- 133-.
وله في الجزء الثاني بكامله وطوله، تعليقان فقط: أحدهما في -ص- 18- والثاني في -ص-31-.
ثم في الجزء الثالث: علـّق على الصفحات - 28- 66- 69-77-80-97- 110-111-117- 134- 146- 196-261- 262- 265- 286- 288- فهذا سبعة عشر تعليقا، وهو لم يَحُم أبدا حول مواقع الإشكال.
ثم في الجزء الرابع: علـَّق على الصفحات - 17- 18- 35-47-48-57- 84- 86-87- 88-91- 93- 100- 105- 108- 109-111-112- 113- 116- 119-121- 123- 125- 130-131- 133- 135- 138- 139- 143-161- 163-167-170- 172- 173- 174-175- 178- 196- 198- 199- 200-201- 215- 216-217-.
وهي ثمانية وأربعون تعليقا من تعاليقه.
ويظهر من هذا الإحصاء، أن أكثر الأجزاء حظوة، وأسعدَها بتعاليقه، الجزءُ الرابع، ثم الثالث، ثم الأول، ومع ذلك، فأكثرُها يتعلق بشرح الألفاظ اللغوية ولا يمسّ إشكالات الكتاب الحقيقية، وبعضُها تصحيحٌ لبعض التحريفات الواقعة في النص نقلا ًعن غيره، أو تخميناً منه، وهي في عمومها بلا جدوى.
هذه هي المراحلُ التي مرت منها الطبعات الأربع السابقة لهذا الكتاب العديم النظير، وكلُّها سقيمة مع تفاوت في ذلك، وكلّـُها قد اطـّلع عليها، واهتبل بها، وعلق عليه.
الطبعة الخامسة: طبعت في دار ابن عفان (1417هـ) (1997م) بتحقيق الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان، فكانت هذه الطبعة أمثلَ من جميع الطبعات السابقة عليها، وخالية من أخطاء عديدة توجد في تلك الطبعات؛ بسبب اعتماده على نسختين خطيتين نفيستين:
إحداهما: النسخة التونسية، والنسخة الثانية: النسخة المغربية التي يشير إليها بحرف "ط" وهي مقابلة، ومصححة على أصول، وهي أنفس من التونسية؛ فقد سلمت من السقط الذي اعترى التونسية في أماكن عديدة
الركيزة الرابعة: المؤاخذات على طبعة دار ابن عفان
هذه الطبعة، بقي فيها أخطاءٌ كثيرة، وتصحيفات، وتحريفات، وسقط، فهي وإن لم تكن في ذلك كالطبعات السابقة ، إلا أنها أبقت الكتابَ دون أن يصل إلى كماله المنشود: من إخلائه من كل ما يعكر عليه، ذلك أن النسختين المذكورتين اللتين اعتمدهما المحقق، غيرُ كافيتين في بلوغ ذلك؛ لأن هناك نسخاً أخرى أدق، وأصح، وأقوم، وأتم منهما، وفيها زيادات لا توجد فيهما، وبعضُها صُحِّح على نسخة أو على نُسخ صُححت على نسخة تلميذ المؤلف، يحيى ابن عاصم.
وأما الأخطاء المنهجية التي وقع فيها المحقق، فمتعددة، منها: إطالته في تخريج الأحاديث
ومنها: أنه لم يهتم كثيرا بالتعليق على المواضع المشكلة في الكتاب، إلا لماماً بما لا يشفي.
ومعلومٌ أن الأماكن المحتاجة للتعليق - لإزالة عجمتها، وغموضها - كثيرة، وتتطلب الرجوع لكتب الأصول، و القواعد، والنوازل التي ينقل منها المؤلف.
وجهوده في هذا الجانب ضئيلة.
ومنها: ضبط نص الكتاب، الذي لم يوفَّق فيه لا من ناحية إثبات ما في النسختين الخطيتين اللتين اعتمدهما، ولا من ناحية فهم مضمون الكتاب في كثير من المواضع.
وقد أدى به هذا إلى أنه أحيانا يضع في الهامش ما هو صواب مما ينبغي وضعُه في صلب الكتاب، ويضع في صلب الكتاب، ما ينبغي وضعه في الهامش، وقد يكون ماوضع في صلب الكتاب خطأ محضا من أخطاء النساخ التي لا ينبغي إثباتها إطلاقا؛ لأن الله تعالى لم يتعبدنا بأخطاء النسّاخ أن نثبتها على أنها من اختلاف النسَخ، وأن نملأ بها الهوامش؛ للاستدلال بها على أننا قرأنا المخطوط قراءة دقيقة، فالهوامشُ إنما وضعت لتكميل فائدة صلب الكتاب إذا كان فيه نقص، أو احتمال، أو غموض؛ ولذا لا يثبت المحققون فيها إلا ما يمكن أن يكون معناه صوابا ولو على وجه مرجوح، وأما ما هو خطأ محض: مما لا يقبله لا سياق الكلام ولا دلالته، ولا مرادُ مؤلفه به، فلا ينبغي إثقالها به ولو كان في نسخة المؤلف؛ لأنه عبء عليها، وتشويه لوظيفتها.
ومنها أن المطبوعات التي اعتمدها أيضا – لا قيمة لها في ميدان التحقيق، وإنما تصلح للاستئناس لا غير، وبرهان ذلك أنها مليئة بالتحريف، والتصحيف، فكيف تعتمد في التحقيق؟ ولما اعتمدها وقع في مزالق.
وهذه نماذج من أخطائه التي وقع فيها لا على سبيل الحصر وإنما للتذكير، وسنجعلها في الدعامات الآتية:
الدعامة الأولى: نماذج من الأخطاء في المقابلة بين النسختين المعتمدتين
الدعامةالثانية:نماذج من الأوهام في الحكم على الأحاديث النبوية
الدعامة الثالثة: نماذج من الأخطاء في عزو الألفاظ لغير مصادرها، أو لغير راويها
الدعامة الرابعة: نماذج من الأخطاء في ضبط ألفاظ الأحاديث، أوتفسيرها بما ليس بمراد
الدعامة الخامسة: نماذج من الأخطاء مماوضع في الهوامش، وحقه صلب الكتاب
الدعامة السادسة: نماذج مما لم يفهم المحقق معناه، وتركه على حاله من اللَّبس.
وإليك البيان، بالجزء، والصفحة، والسطر.
الدعامة الأولى: نماذج من الأخطاء في المقابلة بين النسختين المعتمدتين
الجزء الأول:
ـ ص ـ 3/س - 8/ "مدار الأسواء".
في نسخة ط، التي اعتمدها: "مدار الاستواء " ولم يشر إليه لا من قريب و لا من بعيد، وكذا في ع، وف، وم، وب، وهو أدق في المعنى.
ـ س 10/ "ولا زلنا نسبح".
علق عليه في الهامش بقوله: "في الأصل: "ما زلنا".
وهذا الذي في الأصل الذي اعتمده، هو الموجود في ط، وفي سبع نسخ أخرى، وهو أدق، والمفروض أن ما اتفقت عليه النسختان المعتمدتان عنده، هو الذي ينبغي أن يثبته في صلب الكتاب، لا في هامشه.
ـ س ـ 12/ "ونظن أنا نمشي على الصراط المستقيم".
في ط، "ونظن أنا نمشي [سواء] على الصراط المستقيم". فالزيادة بين المعكوفين، أغفلها ولم يشر إليها لا من قريب ولا من بعيد، مع وجودها في نسخة معتمدة عنده، وهي أيضا موجودة في غير ط، من النسخ العتيقة.
ـ ص ـ 4 /س ـ1/ "في عين الأقدار".
في ط، "الإقدار" بكسر الهمزة، وكتب عليها: "صح" ـ يعني بكسر الهمزة، وكذا ضبطت أيضا في ف، ون، وب.
ـ س ـ 5/ "من دونه حَيْلا".
في ط: "حيلة " بكسر الحاء، وهو يدل على أن ما في الأصل الذي اعتمده، بكسر الحاء، لا بفتحه الذي ضبطه به، وكونه جمعاً أولى من الإفراد.
ـ س ـ 5/ "ولم نهتد بأنفسنا سبلا".
في الأصل الذي اعتمده، وط، "سبيلا " وكذا في باقي النسخ، والواجب أن يثبت ما فيهما، لا أن يثبت ما في نسخة دراز، وإذا اختاره فعليه أن يعلل اختياره.
ـ س ـ 5/ "بأن جعل العذر مقبولا".
في الأصل الذي اعتمده: "بأن جعل إلى العذر قبولا ".
ـ س ـ 6/ "قبل بعث الرسالات مأمولا".
في ط، "بث الرسالات".
ـ ص ـ 5/س ـ 2/ "أرسله إلينا شاهدا".
في الأصل الذي اعتمده: "أرسله الله إلينا " وكذا في مجموعة من النسخ الخطية.
- ص - 6/س ـ 7 / "الحاكمين بها حفية".
الذي في الأصل الذي اعتمده: " بالحاكمين".
ـ س ـ 10/ "مطيعا وعصيا".
في الأصل الذي اعتمده: "وعاصيا".
وهذه نماذج تدلك على ما وراءها، و ما بقي عليك بتفاصيله التامة في الدراسة.  
الفصل الرابع: منهجنا في تحقيق الموافقات.
الدعامة الأولى: خصوصيات المنهج
1- خرجنا الأحاديث والآثار التي استشهد بها المؤلف للقضايا التي تناولها، وسلكنا في ذلك مسلكا وسطا، لا هو بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل.
2- بذلنا جهداً مضنياً في مقابلة الكتاب بأصوله المخطوطة على كثرتها، وإيضاحه ، وضبط متنه، وشكله، والرجوع لأصوله في كل ما يعنّ مرات ومرات، وهذا كان غايتَـنا في هذا العمل؛ توخياً لتيسيره على الطلبة ليقبلوا عليه دراسة، وتدريساً، وأخذاً، ورداً، وإزالة ً لما علق بالأذهان، وراج بين الطلبة: مِن أن الكتاب صعبُ المراقي، دقيق المدارك، فأردنا أن نبرهن للقراء أن ذلك ليس بالقدْر الذي يوصف لهم، ووصل إلى حد التحذير من الدنوّ منه.
3- اعتمدنا على نسخ خطية عديدة، أزال الاضطراب الكثير الحاصل في ثنايا الكتاب بسبب سقوط كلمة، أو كلمات، أو جمل، أو أسطر، أو أوراق، تجعل الكلام مختلاًّ غير منسجم وغير مفهوم، وهذه فائدة تعدد النسخ، وهي وحدها مما تنعقد عليها الخناصر؛ فكل ما لم يكن مفهوما في هذا الكتاب سابقاً - ويحتاج إلى تقدير، وتخمين قد يكون صوابا وقد يكون خطئا - قد زال الآن – والحمد لله – بفضل الله تعالى، ثم بفضل هذه النسخ العديدة اللائي تجاوزن العشر.
4- ضبطُ الكلمات والجمل المشكلة في الكتاب، وتفقيرُه، ممايسَّر قراءتـَه، وأوضَح مبانيه بشكل أجلى من قبل.
الدعامة الثانية: وصف النسخ المخطوطة، المعتمدة في التحقيق.
يسر الله عز وجل بمنه وفضله – والشكر له أولا وآخراً - عدداً من النسخ الخطية التي لم يسبق أن حُقق عليها هذا الكتاب، ولا قوبل بها، وأنا أعترف أنني عند النظر في نصوص الكتاب في بداية شوطي معه، لم يكن يخطر ببالي أن أظفر بهذا الكم الهائل من النسخ الخطية، وكان ذلك بفضل الله تعالى، ثم بفضل الإخوة الذين كانت لهم اليد الطولي في تصويرها من أماكنها، ومنها أماكن غير معروفة، وأماكن خاصة.
وأستطيع أن أجزم بأن جميع الإشكالات الواردة في الكتاب: من سقط، وتحريف، وتصحيف، ونقص، وضبط، قد استُدرك، وصُوِّب بفضل هذه النسخ المتعددة.
هذا، وعددُ النسخ التي قوبل عليها الكتاب، إحدى عشرة نسخة خطية، ووصفها كالآتي :
النسخة الأولى: نسخة خطية، عدد أوراقها، - 222- أي -444- صفحة، وهي التي نرمز إليها بحرف (ع) وهي نسخة تامة، ودقيقة جداً، ومقابلة على أصول صحيحة، قرئت وصححت على نسخة تلميذ المؤلف أبي يحيى بن عاصم. وهذه النسخة، قد انفردت بزيادات لا توجد في غيرها من النسخ الخطية، ولا المطبوعة.
ومن نفاستها: أنه يوجد فيها مقدارُ صفحتين كاملتين ساقطتين من جميع النسخ الخطية، والمطبعية، وهذا يزيد من قيمتها.
وفي آخرها على الجانب، كتب: "بلغت المقابلة بالأصل المنسوخ عن يحيى بن عاصم. وكان قد قرأه على المؤلف.
النسخة الثانية: النسخة التي نرمز إليها بحرف (ز)، وهي تامة، ودقيقة، ومقابلة على أصول صحيحة، وخطها مغربي جميل، ونصفُها الأول بخط دقيق في غاية الروعة، دقةً، وتصحيحا، ومقابلة، وهذه النسخة، هي التي اعتمدها الشيخ مشهور بن حسن، نسخة ثانية في تحقيقه، ويرمز إليها بحرف (ط).
النسخة الثالثة: نسخة تامة وهي التي نرمز إليها بحرف (ف)، وخطها مغربي جميل، أصيل، قوبلت على أصول عتيقة صحيحة، والذي قابلها وكتبها، عالم متمكن من الأصول ومن النحو العربي، ولذلك شكَلها كلها بالحركات، كما يشكل القرآن الكريم.

النسخة الرابعة: نسخة تامة أيضا، وهي التي نرمز إليها بحرف (ت)، وفي ورقتها الأولى، ترجمة المؤلف، وتقع في جزئين: يتكون الأول منهما من -143- ورقة، والثاني، من -174- ورقة، وهي نسخة مصححة ومقابلة على أصول، وهذه النسخة، هي التي اعتمدها الشيخ مشهور في تحقيقه، ويسميها: "الأصل".
النسخة الخامسة: النسخة التي نرمز إليها بحرف (ب)، وتتكون من جزئين، وخطها مغربي حسن؛ وكتبت عناوينها بخط غليظ واضح، وبهوامشها تعليقات، وتلخيصات لمضامين الكتاب.
النسخة السادسة: النسخة التي نرمز إليها بحرف (ح)، وهي نسخة تامة، وبخط مغربي جميل، وعلى هوامشها تعليقات مختصرة عن مضامين المباحث، والفصول.
النسخة السابعة: النسخة التي نرمز إليها بحرف (خ) وهي نسخة تامة بخط مغربي طريف، كُتب فيها رؤوس المسائل والعناوين بخط بارز، غايةٍ في الروعة والجمال، وعلى هوامشها تصحيحُ الكلمات التي يقع الخطأ في كتابتها، أو لم تكتب في متن الكتاب سهواً، ويكتب عليها كلمة "صح".
النسخة الثامنة: النسخة التي نرمز إليها بحرف (م)، وخطها مغربي، جميل جدّاً، يغري بالقراءة، ومقابلة على أصول، وصححت على يد عالم بهذا الفن، ويدل على ذلك، الكلمات التي يخرجها إلى الهامش، ويكتب فوقها: "صح" .
النسخة التاسعة: ونرمز لها بحرف (ن) وهي بخط مغربي مليح، وفي هوامشها تعليقات وتصحيحات تدل على أنها قوبلت على أصول.
النسخة العاشرة: وهي ناقصة، ونرمز إليها بحرف (ق)، وعدد أوراقها، (150) وهي تعادل تقريبا ثلاثمائة صفحة، وخطها أندلسي، وتاريخُ الانتهاء من نسخها، اليوم الأول من ذي الحجة، سنة (816هـ) وهي من أقدم النسخ، كتبت بعد موت المؤلف بست وعشرين سنة، ويوجد منها السفر الثاني فقط، ويبتدئ من قول الشاطبي: "القسم الثاني من الكتاب، فيما يرجع إلى مقاصد المكلف في التكليف، وفيه مسائل، ولو كانت كاملة، لكانت أقدم النسخ على الإطلاق التي لا مثيل لها في الدنيا، ومع ذلك، فما بقي منها، له قيمته الغالية في تحقيق الكتاب، وهي نسخة دقيقة، مثلُها مثل النسخة الأولى، صححتا معا على نسخة تلميذ المؤلف؛ ولا تختلفان إلا نادرا، وفي آخر ورقة منها: تم كتاب الموافقات، والحمد لله تعالى، عشية يوم الخميس، أول يوم من شهر ذي حجة، عامستة عشر وثمانمائة. وعلى يسار هذه الورقة في الحاشية، كتب: "بلغت المقابلة بالأصل المنسوخ، وكان بخط سيدي أبي يحيى بن عاصم، وكان قد قرأه على المؤلف ..."
النسخة الحادية عشرة: وهي أيضا نسخة ناقصة، يوجد منها السفر الثاني، وتبدأ من المسألة الحادية عشرة: عند قول المؤلف: "الحيل في الدين بالمعنى المذكور، غير مشروعة" إلى نهاية الكتاب، ونرمز إليها بحرف (ك). هذا باختصار شديد، وصف تلك النسخ، ومن أراد مزيد الكلام عليها فليرجع لهذه الدراسة بعد طبعها.