البيت السعيد، الذي هو أمل الناس جميعا، لا يقوم أبدا إلا على مبدأ الاحترام بين أفراده، وإلا انفصلت مكوناته، وضاعت آثاره.

ومبدأ احترام الزوجة الذي أقصده له عدة معان تطبيقية هامة:

فهو يعني احترام الذات الإنسانية بالأصالة، فلا تُؤذى، ولا تُمتهن، ولا تُقبح، ولا تحتقر، فالمرأة محترمة بخلق الله لها، وبتقديره لقيمتها وأثرها، فمن أهمل ذلك فقد تعدى وظلم.

ويعني احترام الإيمان الذي تؤمن به الزوجة، فإن للمؤمن على المؤمن حقوقا معروفة، وحق الزوجة المؤمنة يزيد بقربها وميثاقها، فإن كانت صالحة تقية فاحترامها مضاعف، وتقديرها متزايد، وإن كانت غافلة، فدعوتها لازمة وتذكيرها واجب، وتعليمها حق.

وهو يعني احترام حقوقها، التي شرعها الله لها، والاستمساك بها، حتى تبلغها كاملة غير منقوصة، فما شرع الله حقها ليهمل ولا ليغفل عنه، بل ليقام ويطبق.

ويعني أداء أمانتها، وتحقيق ذمتها المالية، واستئذانها فيما يخصها، واحترام خصوصيتها.

كما يعني احترام رغباتها، وتقدير اختياراتها، فيما يخص نفسها، وسلوكها، مادامت رغبات مشروعة وتقديرات مطلوبة، تسير بها نحو ارضائه سبحانه.

وهو أيضا يعني احترام حقها في اختياراتها لما يخص أولادها الصغار، وخصوصياتهم، وعدم إهمال رأيها فهي الأدرى بهم والأعلم بخصوصياتهم في الأعم الأغلب فلا ينبغي أن يستأثر الأب بذلك.

وكذلك يعني احترام قيمتها في بيتها، واختياراتها فيه، فهي مداره ومحوره، وهي مصباحه وآلته، وهو مملكتها الصغرى.

وهو يعني احترام نفسيتها، ومشاعرها، ومزاجها العام، والحرص على إسعادها، وارضائها.


الآثار الإيجابية
هذه المعاني من الاحترام للزوجة لها آثارها الإيجابية العميمة:

فهي تغرس احترام الأبناء لأمهم، فالأم التي يسخر منها زوجها أو يحقرها أمام أبنائها تكون عادة معرضة لمثل هذا الفعل من أبنائها الصغار، ويستمر هذا عندهم حتى ما يكبروا.

وهي تبث قيمة احترام المرأة كمبدأ محترم في نفوس الأبناء، فيخرج الأبناء كأفراد يعرفون قيمة المرأة ويحترمونها، ويقدرونها قدرها في حياتهم الحالية وحياتهم المستقبلية.

وهي تعلي من قيمة توجيهات الأم لأبنائها، وتساعدها على ضبط سلوكهم وتقويم انحرافاتهم.

ووقتما يفتقد البيت وجود الأب، تعمل الأم كموجه ومرب ومعلم، فيكون الاحترام دافعا قويا لإنجاحها في دورها.

كما أن احترام الزوجة يقوم سلوك الزوج ذاته، ويربي في داخله المكارم، ويسمه بالخلق الراقي الحضاري.

بل إن احترام الزوجة يكرمها أمام الناس، وأمام أسرتها، ويقوي شخصيتها، ويكسبها الثقة في نفسها، والقدرة على التصرف في المواقف الصعبة، والثبات عند لحظات الألم.

ويكسو البيت بأخلاق الإسلام، التي هي أخلاقه صلى الله عليه وسلم، التي هي قمة الرقي والسمو والحضارية، إذ كان ينتقي لزوجته الكلام كما ينتقى أطايب التمر، ويشاور نساءه في الأمور المهمة، كما شاور أم سلمة رضي الله عنها يوم الحديبية، ويبقى وفيا لها أعمق وفاء، كما وفاؤه لخديجة رضي الله عنها.. وهكذا.

ضياع الاحترام وآثاره المدمرة
أما إذا ضاع احترام الزوجة، فلا تسل عن تراجعات الأسرة، ولا عن معوقات التربية بكل معانيها:

فعندها يصير البيت مرتع استهتار، ويحتوي الزوجة شعور الألم والحسرة، ويلفها الندم عن خطوة زواجها وتركها بيت أبيها، ويجترئ الأبناء على أمهم، ولا يقيمون لكلامها وزنا، ويأمنون العقوبة منها على أية أخطاء، وقد يجترئون في فعل المعاصي أمامها وبعلمها.

إضافة إلى شؤم إضاعة حقوقها، والتفريط في أمانة الحفاظ عليها، وإيلامها نفسيا وقلبيا، واهتزاز ثقتها في نفسها، وضعف أثرها التربوي من شتى الجهات.