إن العلاقة الزوجية تبدأ بنية حسنة وأحلام كبيرة، فكلا الزوجين يحلم بتكوين أسرة سعيدة فيها أطفال يحققون شعور الأمومة والأبوة لدى الزوجين، وكل منهما يرى في العلاقة الجديدة حياة مستقلة مليئة بالسعادة وتحقيق الأماني، لكن عواصف المشاكل وعدم التفاهم والوضوح بينهما تقصف بأحلامهما، وعدم فهم كل طرف الاختلافات النفسية والجسدية للطرف الآخر يتسبب في مشاكل كثيرة، دون أن ينتبه الزوجان أن هناك شيئا ينخر في علاقتهما وسيهدم تلك العلاقة ويفصم الترابط الزوجي، ويحدث ذلك خطوة خطوة، حتى يقع الطلاق وتنتهي حياة الأسرة السعيدة بتعاسة وفشل، وأي طلاق يقع بين الزوجين يكون له مقدمات للانفصال، وهي أنواع:

أولا: الانفصال العاطفي:
هذا الانفصال منتشر بشكل كبير، حيث تبدأ المشاعر تخف وتقل بين الزوجين، ومؤشراتها انعدام الكثير من التصرفات والسلوكيات التي تعبر عن الحب، مثل كلمات الحب، إبداء الإعجاب، تقديم الهدايا، بعث الرسائل العاطفية، الخروج معا إلى الأماكن العامة كالمطاعم، المكالمات العاطفية، شدة الاهتمام، الانفرادية.

ويستمر الانفصال العاطفي بين الزوجين رغم أنهما يعيشان معا، لكن عاطفيا فكلاهما قد طلق الآخر، ولا تواصل بينهما، ويبدأ كل واحد منهما تجاهل الآخر، خاصة الزوج، فلا يبادر ولا يبادل زوجته شيئا، لكنه يلبي احتياجات المنزل والأطفال، ويخرج معها للتسوق والتبضع، ويجلس معها لساعات لكن دون أن ينطق بكلمة تخصه أو تخص مشاعره، إنما حديثه ينصب على أمور العامة، خاصة المتعلقة بشؤون الأبناء والأهل، علما أنه كان يمطرها بكلمات الحب أيام الخطوبة، لكن بعد الزواج توقف كل ذلك لأنه وصل إلى مرحلة التشبع، ولا يعود إلا إذا شعر بالجوع العاطفي، عكس الزوجة التي هي مشبعة بالعاطفة طوال الوقت، ولا تمانع من تلقي المزيد، وهذا الخلل وعدم التوازن بينهما يسبب لعلاقتهما الزوجية إشكالية كبيرة، وللأسف هذه النقطة يجهلها الأزواج، خاصة الجدد منهم، فيؤدي إلى ضعف العلاقة، فعدم الوعي والاستيعاب وفهم قيمة المشاعر بين الزوجين كرجل وامرأة وطريقة عطائهما فيه وأخذهما منه يختلف كثيرا.

ثانيا: الانفصال الوجداني:
وهو شعور الزوج الداخلي بالرفض لزوجته، وعدم الرغبة في مجالستها، والشعور بالضيق من صحبتها، هو يقوم بواجباته نحوها من الخروج معها لأداء المهام الأسرية والزيارات، لكن لا يقبل صحبتها داخليا، ينفر منها، يعيش حالة هروب دائم منها، تصبح الدقائق في مجالستها ثقيلة مقيتة، المحادثة معها تسبب له القلق والألم، تتحول العلاقة بينهما إلى علاقة حاجات فقط.


ثالثا: الانفصال اللفظي:

في هذه المرحلة تتوقف الكلمات الهادئة والحوار الهادئ، وتبدأ الأصوات تعلو، تصبح حادة وعصبية، تنتهي لغة الحوار والتفاهم، وتضعف طاقة تحمل الطرف الآخر، يصبح الزوج صامتا في أغلب الأوقات، وهي تصبح مستاءة وحزينة، ويقتصر الكلام بينهما على ذكر الاحتياجات الضرورية للبيت والأبناء، حتى التعبير السلبي يتوقف، فلا هي تشتكي ولا هو يعبر عن سخطه وملله وغضبه.


رابعا: الانفصال الجسدي:
في هذه المرحلة يبدأ الزوج بالتراجع عن التواصل الجسدي، حيث ينام بعيدا عنها على طرف السرير وهي على الطرف الآخر وقد أعطى كل منهما ظهره للآخر، أو ربما ينتقل إلى النوم في غرفة الأطفال أو الصالة، في السابق ورغم كل السلبيات وانعدام التواصل العاطفي واللفظي كان يشاركها السرير أو الغرفة على الأقل، أما في هذه المرحلة فهو يرفض حتى وجودها في نفس المكان، وتمر فترة طويلة جدا لا يكون بينهما تلامس جسدي ولا حتى لمسات خفيفة كتلامس الأيادي، يتحاشى التصادم بها بكل الوسائل، تصبح العلاقة الحميمية بينهما نادرة كتأدية واجب، فلم يعد الحب عاملا في رغبة التلامس، وتبدأ الزوجة تتودد وتبادر بالاقتراب والزوج يتمنع ويبرر بأشياء عديدة مثل الصداع وعدم الرغبة والتعب وغيرها، والحقيقة أنه وصل إلى المرحلة التي ينفر منها ومن ملامستها.

خامسا: الانفصال المادي:
في هذه المرحلة ينفصل الزوجين ماديا، فلا يصرف الزوج على خصوصيات زوجته خاصة لو كانت عاملة، فيتوقف عن إعطائها ماديا حتى لا تعتقد في تصرفه التودد والتقرب، ويحاول أيضا التقصير في واجباته المادية نحو البيت والأبناء، فلا يعود بينهما ميزانية أو مشاريع أو أمور مادية مشتركة.

سادسا: الانفصال الأسري:
في هذه المرحلة تنقل المشكلة من الزوجين إلى بقية أفراد الأسرة من الأبناء والخدم، حيث يبدأ الجميع يلاحظ بأن هناك مشكلة في المنزل بين الزوجين، وتبدأ التساؤلات عن سبب النفور بينهما، ويدخل الصغار في مرحلة الشعور بعدم الأمان والخوف من المجهول، والخوف أن يتعرض البيت للهدم، أو أن يغادر أحد الأبوين تاركا إياهم مع طرف واحد، وهذا الشعور يسبب أزمة نفسية حادة للأطفال، فيحدث لديهم صراع داخلي، يعيشون مشاعر الرعب من زعزعة الأمان والفراق.

سابعا: الانفصال العائلي:
عندما تخرج المشاكل الزوجية من غرفة النوم وتصل إلى كافة أرجاء البيت فلا عجب أن تخرج إلى خارج البيت وتصل الأهل والأقارب، وهنا تبدأ أسرة كل طرف من الزوجين بالوقوف مع ابنهم أو ابنتهم، وحشد الضغينة والكراهية والحقد ضد بعضهما، والعمل على بيان خطأ الطرف الآخر وتبرئة ساحة ابنهم أو ابنتهم، فتتفاقم المشكلة وتكبر، وتتسبب في قلة التواصل بينهم، حتى تنقطع العلاقة بين العائلتين، فلا مودة ولا زيارات ولا اتصالات، إنما انفصال تام.

ثامنا: الانفصال القانوني (الطلاق):
عندما تنقطع كل وسائل التواصل بين الزوجين من عاطفة ووجدان وتلامس وأيضا تنقطع العلاقات الأسرية بينهما، فلا يبقى شيء يربطهما، وهنا تبدأ مرحلة الانفصال التام، فيلجأ الزوجان للمحاكم والقضاء، وتبدأ رحلة الشقاء النفسي والجسدي والروحي، حيث أنهما في مرحلة احتضار علاقة قال فيها الله تعالى:" وجعلنا بينكم مودة ورحمة"، وهما يسعيان لوأد تلك المشاعر والعشرة الزوجية، والتي مهما حملت من مآسي، فهي ولا بد أنها تحتوي على الكثير من المشاعر الطيبة واللحظات الحميمة والأحاسيس المرهفة والمواقف السعيدة.