[size=24][size=32]سيرة نبي الله يوسف عليه السلام  93[/size][/size]
[size=24][size=32]

[/size][/size]

سيرة نبي الله يوسف عليه السلام  42




مقدّمة: سورة يوسف هي أوّل سورة حُملت من مكّة إلى المدينة (قاله الزّركشي في البرهان وكذا ابن كثير في أسد الغابة عن ابن اسحاق) ,قدم بها أبو مالك رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ العَجْلَانِ (*) بعد أن بايع النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم العقبة.
(*ويكنّى أيضا أبو رفاعة وهو نقيبٌ, عقبيٌ بدريٌ، شهد العقبة الأولى والثانية، وكان نقيب بني زريق,قتل يوم أحد شهيدًا).


ومن أراد أن يقف على أخبار نبيّ الله يوسف عليه السّلام فليقرأ هذه السورة ولينيخ المطايا عند آياتها وعجائبها, ويتدبّر كلام أهل العلم متأمّلا ما خطّوه من الحكم والعبر التي فتح الله عز وجل عليهم بها, يحفظها ويفهمها ويُمعن النّظر فيها, ففي ذلك الخير الكثير لكلّ مسلم عامّة ولطالب العلم خاصّة . فمن اكتفى بكلام الله عز وجل وصحيح خبر رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمه وتدّبره يستغني عن كلّ شيء سواه من الإسرائيليات وكلام أهل الكتاب وغيرهم, ورحم الله شُريْح القاضي إذ قال: "...فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر".


قال عز وجل في مطلع سورة يوسف: "ألر* تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "
يخبر الله جلّ وعز عن كتابه العزيز أنّه بيّن بيانا تامّا, جليُّ الألفاظ والمعاني, يُفصح عن المُبهم ويفسّره ويضرب الأمثال لتعيَها أّذنٌ واعية. وهو في جلالته وعزّه وبيانه كاف عن سواه من الكتب, وعن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : " كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ "(البخاري وغيره)
قال ابن السّعدي رحمه الله: "واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب، ثم ذكر هذه القصة وبسطها، وذكر ما جرى فيها، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة، فمن أراد أن يكملها أو يحسنها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل وأغلبها كذب، فهو مستدرك على الله، ومكمل لشيء يزعم أنه ناقص، وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا، فإن تضاعيف هذه السورة قد ملئت في كثير من التفاسير، من الأكاذيب والأمور الشنيعة المناقضة لما قصه الله تعالى بشيء كثير."


وأنزله الله تعالى باللسان العربي الذي هو أشرف الألسنة وأفصحها ليعقل آياته أولو الألباب, فكلّما ازداد القارئ علماً وفهما في كتاب الله عز وجل زاده الله إيمانا ورفعة. فهو كتاب عربيّ ليس كسابقه من الكتب السّالفة إذ لم يسبقه كتاب بلغة العرب فيما نعلم. "فأنزل سبحانه وتعالى أشرف الكتب بأشرف لسان, على أشرف الرسل, بسفارة أشرف الملائكة, في أشرف البقاع, وابتدئ إنزاله في أشرف الشهور ]ونزل كاملا إلى السّماء الدّنيا في أشرف ليلة[, فكمل من جلّ الوجوه" (ابن كثير بتصرّف من غير المعكوفتين)


قال جلّ وعز: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ"
قصّ: أي أخبر وأورد, وأصلها: قصّ الأثر أي تتبّعَ مواقع الأقدام ليَعْرِفَ منتهى سير صاحبها.
ولا يُسمى المَقصوصُ قصصاً إلاّ إذا كان فيه تتبّع أحداث الخبر على علم من النّقلِ. وهذا القصص أوحاه الله عز وجل لنبيّه صلى الله عليه وسلّم قرآنا يُتلى إلى يوم القيامة, منّة وفضلا منه عزّ وجل ليهدي به العباد إلى السّعادة الأبديّة والفوز العظيم في الدّارين وهذا نظيرُ قوله عز وجل: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ."
"والغفلة : انتفاء العلم لعدم توَجّه الذهن إلى المعلوم,ونكتة جعله من الغافلين دون أن يوصف وحده بالغفلة للإشارة إلى تفضيله بالقرآن على كل من لم ينتفع بالقرآن فدخل في هذا الفضل أصحابه والمسلمون على تفاوت مراتبهم في العلم" (التحرير والتنوير).


وأمّا القاصُّ فهو الملك جلّ وعلا, يقُصّ أحسنَ القصص المتناهية في الحُسن بما تضمّنته من كمال الكلام والنّظم والبيان, وإعجاز أسلوبه وما تضمّنته من العبر والحكم, وجاء عن سعد بن أبي وقّاص أنه قال:" أنزل القرآن على رسول الله ، فتلا عليهم زمانا ، فقالوا : يا رسول الله لو قصصت علينا ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { الر تلك آيات الكتاب المبين } إلى قوله : { نحن نقص عليك أحسن القصص }" (صحّحهُ الألباني).
ثمّ قصّ الله عز وجلّ خبر نبيّه يوسف وأبيه عليهما السّلام وإخوته, قال عزّ وجل: "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ"
وهذه رؤيا رآها يوسف عليه السّلام في منامه وأخبرها أباه يعقوب عليه السّلام لما علم أنّ للرؤيا تعبيرا, وقد ثبت عندنا عن أبي رُزيْن العقيلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وهي على رِجْلِ طائرٍ ما لم يُحدّث بها ، فإذا حدّث بها وقعت " وأحسبه قال : " لا تحدث إلا حبيبا أو لبيبا" رواه التّرمذي, وفي رواية أبي داود ، قال : " الرؤيا على رجل طائر ما لم تُعْبَر ، فإذا عُبِرَت وقعت " . وأحسبه قال : " ولا تقصها إلا على وادٍّ أو ذي رأي "
كأن الرّؤيا معلّقة بالطير السريع طيرانه لا تستقر قرارا كالشيء المعلق على رِجْلِ طائر لا يستقر تأويلها حتى تعبر, قال النووي : يشبه أنه يراد به أنه إذا أخبر بها من لا يحبه ربما حمله البغض والحسد على تفسيرها بمكروه فيقع على تلك الصفة ، فإن الرؤيا على رجل طائر ومعناه : أنها إذا كانت تحتمل وجهين ، ففسرت بأحدهما.
قال الشيخ الألباني في الصّحيحة: "الحديث صريح بأن الرؤيا تقع على مثل ما تعبر ، و لذلك أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن لا نقصها إلا على ناصح أو عالم ، لأن المفروض فيهما أن يختارا أحسن المعاني في تأويلها فتقع على وفق ذلك ، لكن مما لا ريب فيه أنذلك مقيد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا و لو على وجه ، و ليس خطأ محضا و إلا فلا تأثير له حينئذ و الله أعلم."(انتهى).
و قد أشار إلى هذا المعنى الإمام البخاري في " كتاب التعبير" من صحيحه فقال : " باب من لم يرَ الرؤيا لأوّلِ عابرٍ إذا لم يصب". وكان أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلمّ يقصّون رؤياهم على حبيبهم وقرّة أعينهم عليه الصلاة والسّلام فيَعْبُرُها لهم.
وفرّق في الإخبار عمّا رأى بين الكواكب والشّمس والقمر لاختلافها عن الكواكب الأخرى لمن يراها. وكانت هذه الرّؤيا إحسانا وفضلا من الله عزّ وجل على نبيّه لينبّهه بعلوّ شأنه في الدّنيا والآخرة وأنّه سوف يصير به الحال إلى أن يخضع له أبويه وإخوته جميعا ويسجدوا له إكراما وتشريفا, وذلك ممّا يحصل له من اجتباء الله عز وجل له واصطفائه ونبوّته.
فعبّر يعقوب عليه السّلام الرّؤيا لابنه البارّ يوسف عليه السلام وقدّم بين ذلك ألاّ يُخبر بها أخوته صيانة له ولهم من أن ينزغ الشّيطان بينهم ويشعل نيران الغيرة والحسد, قال عز وجل : "قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"
هكذا عبّر يعقوب عليه السّلام الرّؤيا, أي: بأنّ الله عزّ وجل سوف يجتبيك ويتمّ نعمته عليك وعلى آل يعقوب بالعلم والعمل والرّفعة المنزلة الشّريفة كما سبق منه عز وجلّ أن تفضّل بهذه الآلاء على أبويك إسحاق والخليل إبراهيم عليهما السّلام, وهذا والله لهو الفضل المبين, نسأل الله من فضله وعطاءه.
ووجّه يعقوب عليه السّلام نصيحة الأب لابنه الحبيب أن يُخفي هذه الرّؤيا عن إخوته لما عَلِمَهُ من الحسد الذي ينزغ الشّيطان به بين إخوته, فيعمدوا إلى مُدبّر فيحتالوا له الحيل ويبغوا له الغوائل ف-"الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ", فأمره بالبُعد عن الأسباب التي تجعل الشيطان يوقع بين الإخوة خاصّة والنّاس عامّة.
ثمّ ذيّل الآية بقوله : "إنّ ربّك عليم حكيم" وهكذا هو دأب الصالحين في تعليم أبناءهم أسماء الله عز وجل وصفاته, ليحفظوها ويحْيوْا بها, فإن يعقوب عليه السّلام كانت حياته كلّها لله عز وجل يعلّمه اللهُ تعالى من الكتاب والحكمة ثمّ يُعلّمها النّاسَ وأبناءَه ليرثوا العلم من بعده ويحملوه إلى من بعدهم, قال عز وجل: "أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" وقولهم: "إلهك" أي: الله عز وجل الذي علّمتنا أسماءه وصفاته فأحببناه وعبدناه معك في حياتك ولم نشرك به طرفة عين, هو الله جل وعزّ الذي كنت تتوكّل عليه على جميع أحوالك وتدعوه رغبا ورهبا وفي كلِّ حياتك وترجوه, فنحن لن نعدل عن عبادته من بعدك أبدا, فلتقرّ عينُك.
قال اللهُ جلّ وعز: "لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ" وهذه الآية فيها من التّشويق للقارئ والسّامع أن يتأهّب فيُرعي قلبهُ لما سيأتي من أحداث هذه القصّة البالغة في الحسن غايته, فإنّ فيها العِبر والمواعظ الجسيمة لكلّ مُستخبرٍ عن قصّة نبيّه يوسف وإخوته, فإنّ فيها الخبر الذي يستحقّ أن يَسأل عنه كل ساعٍ لمعالي المطالب.
قال اللهُ جلّ وعز: "إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ "
ابتدأ جل وعز في ذكر اجتماع إخوة يوسف على تدبير أمرٍ يكونُ فيه إبعادُ يوسف عليه السلام عن وجه أبيه يعقوب وذلك لِما تراكم في قلوبهم من الحسد والغيرة من يوسف عليه السلام وأخيه لاختصاصهم بحبّ يعقوب لهم دون سائر أبنائه مع إقرارهم أنّه نالوا حبّ الوالد لهم بقولهم "أحبُّ" لكنّهم جازفوا في تغليط أبيهم في ميل قلبه بالمحبّة ليوسف وأخيه مع أنّه –بزعمهم- ليس هناك دواعي لذلك التّفضيل والاختصاص, بل نحن-بزعمهم- أولى بهذا الحبّ منهم لكوننا عصبة ملتأمة, رجاءُ الانتفاع فينا أقربُ منهما ولا نرى أيُ موجب لاختصاصهم بالحبّ دوننا. ولم يعلموا أنّ يعقوب عليه السلام كانت عندهُ موجبات أهل التّقوى والعُبودية لحبّ ابنيه أشدّ من اولائك, وسيُظهر الله عز وجل ذلك لهم بعد أن يقضي أمراً كان مفعولا, عندها يعلمُ إخوة يوسف أنّ هذا التّفضيل في المحبّة من قبل أبيهم كان لأسباب تتعلق بحبّ الله عز وجل ليوسف عليه السّلام واجتبائه واصطفائه بالرّسالة والشرف وعلوّ المنزلة في الدنيا والآخرة دون كثير من النّاس, الذين قال فيهم عز وجل: "قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى".
" اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ" أي: غيّبوهُ عن أبيكم بأن تقتلوهُ أو تُلقوه في أرض سحيقة بعيدة حتى تستفردوا أنتم بقلب أبيكم فيُقبل عليكم بالمحبّة والشفقة بعد أن كان مشغولا بحبّ غيركم. ثمّ سَلّوْا أنفسهم بعزم التّوبة بعد أن يقترفوا الذنب ليهونَ عليهم اقترافهُ.
ولا شكّ أن هذا ,رحمك الله, من تسويل الشّيطان لابن آدم حين تراودهُ نفسه باقتراف الذنوب والمعاصي, فيُزيّنُ له العملَ السيّء وينصب أمام عينيه المخرج من سخط الله عز وجل بالتّوبة بعد فعل الذنب فكأنه يَمكرُ السّيئة ويحتال لها ويمنّي نفسه الأماني ويُعطيها المُسكّنات, فيظنّ المسكين أنّ الأمر يكون بهذه السّهولة ولا يدري أنّ للذنبِ آثارٌ وعقوبات أشد من قرضٍ بالمقاريض وضرب بالسّيوف, نسأل اللهَ السّلام والعافية.
فائدة: قوله تعالى: "قوماً صالحين" يومئُ إلى أنّهم عزموا التّوبة قبل الفعل ثمّ منّوْا أنفسهم بأن صلاح الحال سوف يكون صفة من مقوّماتهم وسجيّة لهم لا ينفكون عنها أبدا.
فصرف الله عز وجل الإخوة عن التّدبير لقتل وليّه يوسف فأجمعوا على أمر آخر يحصل به المقصود وهو إبعاده عن أبيه قال الله عز وجل:"قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ" فأشار إليهم أحدهم أنّ القتل أعظم إثما وجرما, ولكن إن كنتم فِعلاً قد عزمتم على تغييب يوسف عن أبيه فأنا أرشدكم إلى سبيل أقوم من قتله, فأشار إليهم أن ألقوه في قعر الجُبّ وظلمته, والجُب هي البئر التي لم تُطوَ (وقيل: وكانت ممّا وُجد لا ممّا حفرهُ النّاس, وقال الفرّاء أنّ وسطها واسع), فتجيء السّيّارة فتتناوله ويذهبوا به بعيداً عن أبيه وبذلك يحصل المطلوب من غير اقتراف الذنب العظيم.
قال أهل العلم: وهذا أحسنهم وأمثلهم رأياً وأقربهم إلى التّقوى إذ اقتصد في الانتقام واكتفى بما يحصلُ به القصد والغرض دون إفراط وإسراف في الإثم. فانظر رحمك الله إلى إنصاف أهل العلم في هذه القضيّة إذ لم يُفوّتوا تبيين أفضلية رأي هذا الأخ على رأي خلاّنه فأبرزوه من بين رُكام المؤامرة والكيد بنبيّ الله يوسف عليه السّلام, وإن كانوا مجتمعين بأجمعهم على إبعاد يوسف عليه السّلام عن أبيه بغير حق إلاّ أن تخفيف الضّرر محمود بلا نزاع.
قال الله تعالى: "قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ" ظاهر هذه الآيات أنّ يعقوب عليه السّلام كان يحبس يوسف عليه السّلام من الخروج مع إخوته إلى البرّ لخوفه عليه من أن يمسّه سوء من إخوته أو غيرهم, وأنّه لا يأمنُ عليه إخوته في حفظه ومداومة حراسته. فقدّموا دعاوى يُريدون بها كسر هذا المانع والإرباع على أبيهم في تسليمهم يوسف عليه السلام, فادّعوا قائلين لأبيهم إنّه ليس هناك موجبٌ أن تخاف على يوسف ونحن إخوته نبذل له النّصح ببذل الإخلاص له بالمحبّة والشفقة والحفظ, فأرسله بصحبتنا في الغدِ يروّح عن نفسه, يرتع ويلعب وهو في ذات الآن يكون تحت أنظارنا ورعايتنا فلا يغيب عنّا طرفة عين. وإنّما أرادوا بكلّ هذه الدّعاوى, التي تلبس قناع المحبّة والشّفقة, تليين قلب الوالد وتنشيط الدّوافع في نفسه ليُرسل يوسف عليه السّلام معهم وإزالة الخوف عنه منهم.

يتبع...




[size=13][size=24]قال محدث الشيعة نعمة الله الجزائري عليه من الله ما يستحق: إنا لا نجتمع معهم على إله ولا على نبي ولا على إمام , وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد نبيه وخليفته من بعده أبو بكر, ونحن لا نقول: بهذا الرب ولا بذلك النبي, بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا .نظر: ا[/size][/size]


[size=13][size=24]لأنوار النعمانية ج:2 ص:278
[/size]
[size=32]فهل انت مسلم يا شيعي؟؟؟[/size]
[/size]

[size=32]
فاعتبرا يا امة لا اله الا الله[/size]