المجلس التاسع
بَاب مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الْعُمُرِ
14 ربيع الأخر 1437 هـ

بَاب مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً شرح كتاب الرقاق من صحيح البخاري . 610?async&rand=0

بَاب مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الْعُمُرِ لِقَوْلِهِ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ) 37 فاطر. يَعْنِي الشَّيْبَ.




قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه


6056 حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً تَابَعَهُ أَبُو حَازِمٍ وَابْنُ عَجْلَانَ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ .
6057 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَطُولِ الْأَمَلِ قَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ وَأَبُو سَلَمَةَ .


6058 حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ حُبُّ الْمَالِ وَطُولُ الْعُمُرِ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ .


الشرح 


قَوْلُهُ بَابُ مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الْعُمُرِ لِقولِهِ - تَعَالَى - أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَسَقَطَ قَوْلُهُ " لِقولِهِ - تَعَالَى - " وَفِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ " يَعْنِي الشَّيْبَ " وَثَبَتَ قَوْلُهُ يَعْنِي الشَّيْبَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِيهِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّيْبُ لِأَنَّهُ يَأْتِي فِي سِنِّ الْكُهُولَةِ فَمَا بَعْدَهَا وَهُوَ عَلَامَةٌ لِمُفَارَقَةِ سِنِّ الصِّبَى الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ اللَّهْوِ وَقَالَ عَلِيٌّ : الْمُرَادُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْمُرَادِ بِالتَّعْمِيرِ فِي الْآيَةِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً نَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ مَسْرُوقٍ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ " بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً . وَالثَّانِي سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَلَا الْآيَةَ وَرُوَاتُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا ابْنَ خُثَيْمٍ فَهُوَ صَدُوقٌ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَالثَّالِثُ سَبْعُونَ سَنَةً أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَقَالَ نَزَلَتْ تَعْيِيرًا لِأَبْنَاءِ السَّبْعِينَ وَفِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ مَيْمُونٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ الرَّابِعُ سِتُّونَ وَتَمَسَّكَ قَائِلُهُ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَوَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ التَّصْرِيحُ بِالْمُرَادِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْمُسْتَخْرَجِ " مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ 
بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ الْعُمُرُ الَّذِي أَعْذَرَ اللَّهُ فِيهِ لِابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مِثْلَهُ الْخَامِسُ التَّرَدُّدُ بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَنْ عُمِّرَ سِتِّينَ أَوْ سَبْعِينَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الْعُمُرِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ غِفَارٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ " مَنْ بَلَغَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ " وَمُحَمَّدٌ الْغِفَارِيُّ هُوَ ابْنُ مَعْنٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ كَمَا اخْتُلِفَ عَلَى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ فِي لَفْظِهِ وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَيَدْخُلُهُ فِي هَذَا حَدِيثُ مُعْتَرَكِ الْمَنَايَا مَا بَيْنَ سِتِّينَ وَسَبْعِينَ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِبْرَاهِيمُ ضَعِيفٌ

قَوْلُهُ أَعْذَرَ اللَّهُالْإِعْذَارُ إِزَالَةُ الْعُذْرِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ اعْتِذَارٌ كَأَنْ يَقُولَ لَوْ مُدَّ لِي فِي الْأَجَلِ لَفَعَلْتُ مَا أُمِرْتُ بِهِ يُقَالُ أَعْذَرَ إِلَيْهِ إِذَا بَلَّغَهُ أَقْصَى الْغَايَةِ فِي الْعُذْرِ وَمَكَّنَهُ مِنْهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا بِالْعُمُرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ حِينَئِذٍ إِلَّا الِاسْتِغْفَارُ وَالطَّاعَةُ وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْآخِرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَنِسْبَةُ الْإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ مَجَازِيَّةٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتْرُكْ لِلْعَبْدِ سَبَبًا فِي الِاعْتِذَارِ يَتَمَسَّكُ بِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ إِلَّا بَعْدَ حُجَّةٍ

قَوْلُهُ أَخَّرَ أَجَلَهُ يَعْنِي أَطَالَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى عَبْدٍ أَحْيَاهُ حَتَّى يَبْلُغَ سِتِّينَ سَنَةً أَوْ سَبْعِينَ سَنَةً لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : إِنَّمَا كَانَتِ السِّتُّونَ حَدًّا لِهَذَا لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنَ الْمُعْتَرَكِ وَهِيَ سِنُّ الْإِنَابَةِ وَالْخُشُوعِ وَتَرَقُّبِ الْمَنِيَّةِ فَهَذَا إِعْذَارٌ بَعْدَ إِعْذَارٍ لُطْفًا مِنَ اللَّهِ بِعِبَادِهِ حَتَّى نَقَلَهُمْ مِنْ حَالَةِ الْجَهْلِ إِلَى حَالَةِ الْعِلْمِ ثُمَّ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يُعَاقِبْهُمْ إِلَّا بَعْدَ الْحُجَجِ الْوَاضِحَةِ وَإِنْ كَانُوا فُطِرُوا عَلَى حُبِّ الدُّنْيَا وَطُولِ الْأَمَلِ لَكِنَّهُمْ أُمِرُوا بِمُجَاهِدَةِ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ لِيَتَمَثَّلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الطَّاعَةِ وَيَنْزَجِرُوا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اسْتِكْمَالَ السِّتِّينَ مَظِنَّةٌ لِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ إِلَى أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ . قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْأَسْنَانُ أَرْبَعَةٌ سِنُّ الطُّفُولِيَّةِ ثُمَّ الشَّبَابِ ثُمَّ الْكُهُولَةِ ثُمَّ الشَّيْخُوخَةِ وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ وَغَالِبُ مَا يَكُونُ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ ضَعْفُ الْقُوَّةِ بِالنَّقْصِ وَالِانْحِطَاطِ فَيَنْبَغِي لَهُ الْإِقْبَالُ عَلَى الْآخِرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى مِنَ النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ وَقَدِ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مَنِ اسْتَكْمَلَ سِتِّينَ فَلَمْ يَحُجَّ مَعَ الْقُدْرَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقَصِّرًا وَيَأْثَمُ إِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ بِخِلَافِ مَا دُونَ ذَلِكَ . (أ.هــ) .

المصدر 



* شرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله *

لقوله تعالى: ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ) . الآية فيها توبيخ لأهل النار فتقام عليهم الحجة من وجهين ، الوجه الأول: كوني. والثاني: شرعي.أما الكوني: فإن الله أمدهم في العمر حتى بلغوا عمراً يتذكر فيه المتذكر ، أي لم يعاجلهم بالموت حتى يقولوا والله إننا لم نعطي فسحة نتذكر فيها بل أعطوا مهلة يتذكرون فيها ويشمل هذا طول العمر والحوادث التي تجد على الإنسان ، والمصائب فيتعظ بها لأن المصائب يجب أن تكون موعظة للقلوب يتعظ بها الناس لأن الله يقول: { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } فهذا أيضاً مما يعمر فيه الإنسان عمراً يتعظ فيه. أما الشرعي أو الحجة الشرعية فقال: ( وجاءكم النذير ) وهو الرسول والخطاب لكل أمة بحسبها فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم نذير لأمة محمد ، وغيره من الأمم نذيرهم رسولهم ، كل أمة خلا فيها نذير وقامت عليها الحجة فهم إذا وُبخوا هذا التوبيخ ، ازدادوا حسرة والعياذ بالله وقالوا: يا أسفاً ، ويا حسرتا ، كيف لم نتعظ ! جاءنا النذير وعُمرنا عمراً نتمكن فيه من الاتعاظ والموعظة.
أعذر الله إليه: أي أعطاه عمرا يكون فيه العذر ، أي عذر الله فأقام عليه الحجة فلم يعد له عذر عند الله عز وجل. (أ.هــ) .