مسألة: هل هناك بدعة حسنة, وبدعة سيئة؟
انقسم الناس في هذه المسألة لفريقين:.
الفريق الأول قالوا: الْبِدْعَةُ بِدْعَتَانِ: بِدْعَةٌ مَحْمُودَةٌ، وَبِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ، فَمَا وَافَقَ السُّنَّةَ فَهُوَ مَحْمُودٌ، وَمَا خَالَفَ السُّنَّةَ فَهُوَ مَذْمُومٌ. وهذا منقول عن الشافعي . ويرى جماعة من أهل العلم منهم الإمام عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء وابن الجوزي وأبو شامة المقدسي والنووي والعيني وابن الأثير والقرافي والحافظ ابن حجر والسيوطي وغيرهم, أن البدعة تطلق على كل محدثة لم توجد في كتاب الله سبحانه وتعالى ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - سواء أكانت في العبادات أم العادات وسواء أكانت محمودة أو مذمومة, ويرى هؤلاء العلماء أن البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة فإن وافقت السنة فهي حسنة محمودة وإن خالفت السنة فهي سيئة مذمومة, وبناء على هذا الأساس قالوا إن البدعة تنقسم إلى الأقسام الخمسة فهي إما أن تكون واجبة أو مندوبة أو مباحة أو مكروهة أو محرمة.
وجاء في لسان العرب. قال ابْنُ الأَثير: البِدْعةُ بدْعتان: بدعةُ هُدى، وبدْعة ضَلَالٍ، فَمَا كَانَ فِي خِلَافِ مَا أَمر اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ فِي حَيِزّ الذّمِّ والإِنكار، وَمَا كَانَ وَاقِعًا تَحْتَ عُموم مَا ندَب اللهُ إِليه وحَضّ عَلَيْهِ أَو رسولُه فَهُوَ فِي حيِّز الْمَدْحِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثال مَوْجُودٌ كنَوْع مِنَ الجُود وَالسَّخَاءِ وفِعْل الْمَعْرُوفِ فَهُوَ مِنَ الأَفعال الْمَحْمُودَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ ذَلِكَ فِي خِلَافِ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ لأَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ جَعَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ثَوَابًا فَقَالَ:
مَن سَنَّ سُنّة حسَنة كَانَ لَهُ أَجرُها وأَجرُ مَن عَمِلَ بِهَا، وَقَالَ فِي ضِدِّهِ: (مَن سَنَّ سُنّة سَيئة كَانَ عَلَيْهِ وِزْرها ووِزْر مَن عَمِلَ بِهَا)، وَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي خِلَافِ مَا أَمر اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، قَالَ: وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ قَوْلُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ( نعمتِ البِدْعةُ هَذِهِ )، لَمَّا كَانَتْ مِنْ أَفعال الْخَيْرِ وَدَاخِلَةً فِي حَيِّزِ الْمَدْحِ سَمّاها بِدْعَةً ومدَحَها لأَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، لم يَسُنَّها لَهُمْ، وإِنما صلَّاها لَيالِيَ ثُمَّ تَرَكَهَا وَلَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا وَلَا جَمَعَ النَّاسَ لَهَا وَلَا كَانَتْ فِي زَمَنِ أَبي بَكْرٍ وإِنما عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، جَمَعَ الناسَ عَلَيْهَا وندَبهم إِليها فَبِهَذَا سَمَّاهَا بِدْعَةً، وَهِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ سنَّة لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلفاء الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي, وَقَوْلُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعَلَى هَذَا التأْويل يُحمل الْحَدِيثُ الآخَر:
(كلُّ مُحْدَثةٍ بِدْعَةٌ)، إِنما يُرِيدُ مَا خالَف أُصولَ الشَّرِيعَةِ وَلَمْ يُوَافِقِ السُّنَّةَ، وأَكثر مَا يُسْتَعْمَلُ المُبْتَدِعُ عُرْفاً فِي الذمِّ.
فتكون على ذلك الْبِدْعَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ فِي الشَّرْعِ لِلْحَادِثِ الْمَذْمُومِ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا قُيِّدَتْ الْبِدْعَةُ بِالْمُسْتَحَبَّةِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ، وَيَكُونُ مَجَازًا شَرْعِيًّا حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً.
واستدل أصحاب هذا الرأي إلى ما قاله عمر- رضي الله عنه -. (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: «إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ» ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: «نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ»
وهذا مما جعل هذا الفريق يقول بأنه توجد بدعة حسنة وبدعة سيئة, وجعلوا كل عمل جديد يدخل في الأحكام الخمسة كام مر معنا.

وهناك فريق – الثاني - لم يرتض بأن يكون هناك شيء اسمه بدعة حسنة في الشرع, وعلى هذا الإمام مالك والبيهقي والطرطوشي وشيخ الإسلام ابن تيمية والزركشي وابن رجب والشُّمَنِي الحنفي وغيرهم، واختاره جماعة من العلماء المعاصرين.
ويجيبون على حديث عمر, بأنه سماها - رضي الله عنه- نعمة البدعة, ولم يسمها سنة حسنة كما سماها - النبي صلى الله عليه وسلم - أنه" من باب الرد والتنزل في الحجة على من قال: إنها بدعة، فالإلزام بأنه رضي الله عنه يقصد أنها بدعة حسنة، أو أن البدع منها ما هو حسن من حيث المبدأ؛ إنما هو تحكُّم وافتراء على عمر، وافتراء على الدين.
واستدلوا بالأحاديث التي تذم البدعة مثل: ما جاء في صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ»
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: [ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ]
وقالوا كذلك أن هذا يفتح لنا بابا لأهل الأهواء والبدع بأن يستخدموا هذا اللفظ في غير محله, وكأنه من باب سد الذرائع.

والجمع بين أقول أهل العلم كالآتي:
1. الظاهر في الخلاف بين السلف أنه خلاف لفظي لا يترتب عليه فساد في الحكم, فالذين قالوا لا توجد بدعة حسنة وإنما كلها سيئة قالوا ذلك ويقصدون فيه الشرع لأن الحديث في الأساس عن البدعة شرعا, والذين قالوا توجد بدعة حسنة ليس على الإطلاق بل بشروط, وهذه الشروط متفق عليها عند الطرفين ولكنها عند الفريق الأول تدخل في الأحكام الخمسة اما الفريق الثاني فهي بمثابة وسائل أو من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كتدوين السنة هي بدعة بمعناها اللغوي أي جديدة عند الفريق الأول وهي واجبة عندهم ولكن الفريق الأخر هي واجبة ولا يعتبرونها تدخل في البدعة الحسنة لأن كل بدعة عندهم ضلالة والله أعلم.
2. أكثر ما في تسمية عمر تلك بدعة، مع حسنها، وهذه تسمية لُغوية، لا تسمية شرعية. وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية: فما لم يدل عليه دليل شرعي.
3. أننا أمرنا أن نتبع الخلفاء الراشدين كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم, وعمر رضي الله عنه ثاني الخلفاء, فلا تكون هذه بدعة على الاطلاق ويحق لعمر وللخلفاء بنص النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحق لغيرهم, كمثل عثمان رضي الله عنه في شروعه وابتدائه الأذان الثاني فلا يستدل مبتدع لشرع أمور جديدة, فلنقف عند ما وقفوا عنده, ولا يعني هذا عدم الاجتهاد ولكن الاجتهاد له ضوابط وشروط ومن هم اهل له من العلماء والفقهاء وولي الأمر الشرعي, والأصل أن يكون لمصلحة راجحة, ومبني على أصل من أصول الشرع كما في مكبرات الصوت اليوم من يجرأ أن يقول أنها بدعة, والمصلحة في ذلك بينة, وهي على الأصل مبنية.
4. أن النبي صلى الله عليه وسلم في بادئ الأمر صلاها جماعة مع المسلمين, وبعد ذلك امتنع خشية الفرضية , وبعد ذلك لما انقطع الوحي جمع عمر- رضي الله عنه - عليها المسلمين, وقال: نعمة البدعة هي؛ لأنه لم يفعلها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم – سواه, فهو المبتدئ بها. والله أعلم
5. قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : (وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) فلا يوجد في الشرع بدعةً حسنة, وإنما يوجد سنة حسنة, وإذا أطلقت بدعة حسنة تكون بالمعني اللغوي – أي لم يفعلها أحد من قبل -, وإذا أطلقت سنة حسنة تكون نفسها ولكنها المعني الشرعي, ولا تصح إلا بشروط كما سيأتي - إن شاء الله - لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) , فهنا يقصد المعنى الشرعي, وتفهم السنة الحسنة من السنة السيئة من البدعة من خلال فهمنا لكل حديث, وإدراكنا لسبب ورود الحديث وإيراده ؛ وفهم اللغة ومراد سيدنا عمر من قوله؛ فإذا أطلقت بدعة حسنة على رأي بعض أهل العلم فهذا يراد به إرادة سيدنا عمر- رضي الله عنه - لكلمة نعمة البدعة هي, بمعناها اللغوي, وفي هذا الحديث يراد بالسنة الحسنة المعنى الشرعي, وهي: المبادرة والابتداء بفعل الشيء, وعلى هذا يجوز اطلاق بدعة حسنة في موقف يوافق موقف عمر, بأن يكون له أصلا في دين الله, ويكون هذا الاطلاق بمعناه اللغوي لا الشرعي, ( وتكون هناك قرينة لحملها على المعنى اللغوي) .
والصفوة من ذلك: كما أسلفنا هي من باب اللغة وَإِنْ سَمَّاهُ بِدْعَةً، فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ فِي اللُّغَةِ، إذْ كُلُّ أَمْرٍ فُعِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ مُتَقَدِّمٍ يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ بِدْعَةً، وَلَيْسَ مِمَّا تُسَمِّيهِ الشَّرِيعَةُ بِدْعَةً، وَيُنْهَى عَنْهُ، فَلَا يَدْخُلُ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ «إنَّ أَصْدَقَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»
ويترتب على هذا الاختلاف, الاختلاف في تعريف البدعة شرعا, فالذين لا يقرون بأنه يوجد بدعة حسنة يجعلها مقابل السنة, والذين يقولون بأنه يوجد بدعة حسنة جعلها عامة تشمل كل ما حدث بعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كان محموداً أو مذموماً كم سيأتي معنا في تعريف البدعة شرعاً.... إن كتب لنا النشر.