بسم الله الرحمن الرحيم

هل يثبت لله تعالى صفة التردد ؟
ما معنى كلمة (وما ترددت في شيء أنا فاعله) في الحديث القدسي وهل يتردد ربنا سبحانه وتعالى ؟ وكيف نرد على من ينفى صحة أن الله سبحانه وتعالى يتردد؟
الحمد لله
روى البخاري (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ).
فالتردد الوارد في الحديث هو التردد في قبض نفس المؤمن ، رحمةً وشفقةً عليه ، ومحبةً له ؛ لأنه يكره الموت ، وربه سبحانه يكره مساءته .
وليس هذا كتردد المخلوق الناشئ عن الشك في القدرة ، أو في المصلحة .
ولهذا يجب أن يقيد وصف الله بالتردد بقولنا : التردد في قبض نفس المؤمن ، فهذا هو الوارد في النص ، ولا يوصف الله تعالى بالتردد المطلق الذي يشمل أنواعا من العجز والنقص التي لا يجوز نسبتها إلى الله تعالى .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ورد في حديث: (من عادى لي ولياً) في نهاية الحديث يقول الله عز وجل: (وما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن) فهل في هذا إثبات صفة التردد لله عز وجل؟ أو كيف التوفيق في هذا الأمر؟
فأجاب : " إثبات التردد لله عز وجل على وجه الإطلاق لا يجوز؛ لأن الله تعالى ذكر التردد في هذه المسألة: ( ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن )، وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة ، ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء ، بل هو من أجل الرحمة بهذا العبد المؤمن ، ولهذا قال في نفس الحديث: ( يكره الموت وأكره إساءته، ولا بد منه )، وهذا لا يعني أن الله عز وجل موصوف بالتردد في قدرته أو في علمه، بخلاف الآدمي فهو إذا أراد أن يفعل الشيء يتردد؛ إما لشكه في نتائجه ومصلحته، وإما لشكه في قدرته عليه؛ أي: هل يقدر أو لا يقدر، أما الرب عز وجل فلا " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (59/12).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن معنى تردد الله في هذا الحديث؟
فأجاب : " هذا حديث شريف ، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة ، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء ، وقد ردَّ هذا الكلام طائفة ، وقالوا : إنَّ الله لا يوصف بالتردد ، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور ، والله أعلم بالعواقب ، وربما قال بعضهم : إنَّ الله يعامل معاملة المتردد .
والتحقيق : أنَّ كلام رسوله حق ، وليس أحد أعلم بالله من رسوله ، ولا أنصح للأمة منه ، ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه ، فإذا كان كذلك ؛ كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس وأجهلهم وأسوئهم أدباً ، بل يجب تأديبه وتعزيره ، ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة ، ولكن المتردد منا ، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه لا يعلم عاقبة الأمور ؛ لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنْزلة ما يوصف به الواحد منا ؛ فإن الله ليس كمثله شيء ؛ لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، ثم هذا باطل ؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب ، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد ، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة ، ويكرهه لما فيه من المفسدة ، لا لجهل منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه ؛ كما قيل :
الشَّيْبُ كُرْهٌ وكُرْهٌ أَنْ أفَارِقَهُ فاعْجَبْ لِشَيْءٍ عَلى البغضاءِ محبوبُ
وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه ، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب ، وفي الصحيح : ( حفت النار بالشهوات ، وحفت الجنة بالمكاره ) ، وقال تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) الآية.
ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث ؛ فإنه قال : ( لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) ؛ فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحق محباً له ، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها ، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها ، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق ، فأحبه الحق ...
والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه ، .....والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت ، فكل ما قضى به ؛ فهو يريده ، ولا بد منه ؛ فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه ، وهو مع ذلك كارهٌ لمساءة عبده ، وهي المساءة التي تحصل له بالموت ، فصار الموت مراداً للحق من وجه ، مكروهاً له من وجه ، وهذا حقيقة التردد ، وهو أن يكون الشيء الواحد مراداً من وجه مكروهاً من وجه، وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين ، كما ترجح إرادة الموت ، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده ، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/129) باختصار .
والله أعلم .

الإسلام سؤال وجواب

معنى تردد الله - سبحانه وتعالى - في قبض نفس المؤمن

أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله -تعالى- قال: مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويدَه التي يَبطِش بها، ورِجْله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مَساءته)).

وقد سئل شيخ الإسلام - رحمه الله - كما في "مجموع الفتاوى" (9/366) عن معنى تردُّد الله، فقال - رحمه الله -:
"إن طائفة ردَّت هذا الكلام، وقالوا: إن الله لا يوصف بالتردُّد، وإنما يتردَّد مَن لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب.

والتحقيق:
أن كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - حق، وليس أحدٌ أعلمَ بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة منه، ولا أفصح ولا أحسن بيانًا منه، فإذا كان كذلك كان المُتَحذلِق والمُنكِر عليه مِن أضلِّ الناس وأجهلهم وأسوئهم أدبًا، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يصان كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الظنون الباطلة، والاعتقادات الفاسدة، ولكن المتردِّد منا - وإن كان تردُّده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور - لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا؛ فإن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ثم هذا باطل، فإن الواحد منا يتردَّد لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعل من المصالح والمفاسد، فيريد الفِعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب؛ كقوله -تعالى-: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]، ومن هذا الباب يظهر معنى التردُّد المذكور في هذا الحديث، فإنه قال: ((لا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه))، فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوبًا للحق، مُحبًّا له، يتقرَّب إليه أولاً بالفرائض، وهو يحبُّها، ثم اجتهدَ في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق، فأحبَّه الحق لفعل محبوبه من الجانبين، بقصد اتفاق الإرادة، بحيث يحب ما يحبه محبوبه، ويكره ما يكرهه محبوبه، والرب يكره أن يسوءَ عبدَه ومحبوبه، فلَزِم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه، والله - سبحانه وتعالى - قد قضى بالموت، فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كارهٌ لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مرادًا للحق من وجه، مكروهًا له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء الواحد مرادًا من وجه، مكروهًا من وجه، وإن كان لا بدَّ من ترجح أحدِ الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته، كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته".
ثم قال: (والمقصود هنا: التنبيه على أنَّ الشيء المعين يكون محبوباً من وجه مكروهاً من وجه، وأن هذا حقيقة التردد، وكما أنَّ هذا في الأفعال؛ فهو في الأشخاص، والله أعلم) (4) .
وقال الشيخ ابن عثيمين: (إثبات التردد لله عزَّ وجلَّ على وجه الإطلاق لا يجوز، لأن الله تعالى ذكر التردد في هذه المسألة: ((ما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن))، وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة، ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء، بل هو من أجل رحمة هذا العبد المؤمن، ولهذا قال في نفس الحديث: ((يكره الموت، وأكره إساءته، ولابد له منه)). وهذا لا يعني أنَّ الله عزَّ وجلَّ موصوف بالتردد في قدرته أو في علمه، بخلاف الآدمي فهو إذا أراد أن يفعل الشيء يتردد، إما لشكه في نتائجه ومصلحته، وإما لشكه في قدرته عليه: هل يقدر أو لا يقدر. أما الرب عزَّ وجلَّ فلا) (5) .

لا يتمنَّى الإنسان الموت أو يدعو به:
فلا يتمنَّى الإنسان الموت، ولا يدعو به، فإن ذلك منهيٌّ عنه، وعمر المؤمن لا يزيده إلا خيرًا، إن كان محسنًا ازداد من الخير، وإن كان مسيئًا، فإنه يقلع عن الذنب ويتوب منه.

أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يتمنَّى أحدُكم الموت، إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا، وإما مسيئًا فلعله أن يَستَعتِب))، وفي لفظ مسلم: ((لا يتمنَّى أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عملُه، وإنه لا يزيد المؤمنَ عُمُرُه إلا خيرًا))، ومعنى: "يَستَعتِب"؛ أي: يسترضي الله بالإقلاع والاستغفار؛ (فتح الباري)، وقيل: "يَستَعتِب"؛ أي: يرجع عن موجب العتب عليه؛ أي: يرجع عن الإساءة.

وأخرج الإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا عم، لا تتمنَّ الموت؛ فإنك إن كنت محسنًا تزدادُ إحسانًا إلى إحسانك خيرٌ لك، وإن كنت مسيئًا فإن تؤخر فتَستَعتِب من إساءتك خير لك، فلا تتمنَّ الموت))، وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لن يُدخِل أحدًا عملُه الجنَّة))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((لا، ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني الله بفضل ورحمة، فسدِّدوا وقاربوا، ولا يتمنَّينَّ أحدكم الموت، إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا، وإما مسيئًا فلعله أن يَستَعتِب)).

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في "الفتح" (10/136) في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا، وإما مسيئًا فلعله أن يَستَعتِب))، فيه إشارة إلى أن المعنى في النهي عن تمنِّي الموت والدعاء به، هو انقطاع العمل بالموت، فإن الحياة يتسبَّب منها العمل، والعمل يحصل زيادة الثواب، ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد فهو أفضل الأعمال.

منقول موقع الألوكة يتصرف

__________________
اكثروا قراءة الاخلاص وسبحان الله عدد ما خلق سبحان الله ملء ما خلق سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء سبحان الله عدد ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه،سبحان الله عدد كل شيء سبحان الله ملء كل شيء الحمد لله مثل ذلك وسبحان الله وبحمده عددخلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته واكثروا الصلاة على النبي