حكم الوقف على قوله: (أحرص الناس على حياة) والابتداء بـ ( ومن الذين أشركوا..)

من قوله تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ البقرة96
التوجيه النحوي:
توجيه الوقف يكون بالنظر إلى إعراب (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ..) والمشهور فيها قولان:
1. أن تكون الواو عاطفة
2. أَنَّ الواو مستأنفة.
مناقشة التوجيهات:
القول الأول: وهو قَوْلُ مقاتل150هـ، والْفَرَّاءِ 207هـ والطبري310هـ، والزجاج311هـ ، وابن الأنباري328هـ، والنحاس 338هـ والداني444هـ ، والواحدي468هـ والأشموني1100هـ ، وابن عثيمين1421هـ[1]
والجار «من الذين» متعلق بـ «أحرص» مقدرا ، أي وأحرص من الذين.
ومَعْطُوفَةٌ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَعْنَى، ويكون َالْمَعْنَى أَنَّ الْيَهُودَ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَأَحْرَصُ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا.كَقَوْلِكَ: هُوَ أَسْخَى النَّاسِ وَمِنْ حَاتِمٍ.
والتخصيص بعد العموم ، مبالغة في توبيخ اليهودِ لأن المشركين لا يؤمنون بعاقبة، واليهود معترفون بالجزاء والحساب، ولذلك كانوا أشد الناس حرصا على الدنيا، لأنهم علموا أنهم صائرون إلى النار إذا ماتوا[2]

القول الثاني: وهو قول أَبُو الْعَالِيَةِ 93 هـ وَالرَّبِيعُ 140 هـ ، ونافع169 هـ ، وجوزه البغوي 510 هـ، والزمخشري538هـ، وابن عطية 541 هـ، وأبو البقاء 616هـ ، والأشموني 1100 هـ والشوكاني1250هـ [3]
ويكون وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ خبراً مقدَّماً.، و «يَوَدُّ أحدُهم» صفةً لمبتدأ محذوفٍ تقديرُه: ومن الذين أَشْركوا قومٌ أو فريقٌ يَوَدُّ أحدُهم الدر المصون: 2/13
ويكون المعنى : وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أُنَاسٌ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ كَقَوْلِهِ: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [الصَّافَّاتِ: 164] ، وسُمُّوا مُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ. يَوَدُّ: يُرِيدُ وَيَتَمَنَّى، أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ، يَعْنِي: تَعْمِيرَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَهِي تَحِيَّةُ الْمَجُوسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، يَقُولُونَ: عِشْ أَلْفَ سَنَةٍ وَكُلُّ أَلْفٍ نَيْرُوزٌ ومهرجان[4]
وضعفه الواحدي 468هـ من جهتين:
إحداهما: أن المراد بالآية بيان حرص اليهود على الحياة، فلا يحسن قطع الكلام عند قوله: عَلَى حَيَاةٍ ثم الإخبار عن غيرهم بحب التعمير.
أنه لا يجوز حذف الموصول وترك صلته، واستقصاء هذا مذكور عند قوله: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ في سورة [النساء: 46] )) [5]،
وعقب الكرماني 505هـ بقوله : ومن جعله مستانفا، أي ومن الذين أشركوا من يود، أو قوم يود، ففي قوله بعد، لأنه لا يجوز حذف الموصول، وإقامة الصلة مقامه أصلاً، ولا يجوز حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، إذا كانت جملة، وإنما يجوز إذا كانت اسماً مثله. [6]
قال النحاس338هـ : يجوز في العربية مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ بمعنى من الذين أشركوا قوم يودّ أحدهم إلا أنّ المعنى في الآية لا يحتمل هذا [7].
وقال ابن عثيمين1421هـ: وهذا وإن كان محتملاً لفظاً، لكنه في المعنى بعيد جداً[8]
أقوال علماء الوقف:
اختلف علماء الوقف في حكم الوقف على ( على حياة) على أقوال:
الأول: لا وقف.
الثاني: تام .
الثالث: التفصيل بين الوقف وعدم الوقف.
مناقشة الأقوال :
الأول : لا وقف : باعتبار العطف
وهو قول أبو حاتم ، وابن الأنباري، والنحاس، والداني. ورجحه الأشموني[9]
الثاني: تام ، باعتبار أن الواو مستأنفة، على أن يكون (ومن الذين أشركوا) في موضع رفع خبرا مقدّما تقديره ومن الذين أشركوا قوم يودّ أحدهم لو يعمر ألف سنة.
أو لأن قوله: يودّ أحدهم عنده جملة في موضع الحال من قوله: ومن الذين أشركوا،
وهو قول نافع.
الثالث: التفصيل بين جواز الوقف وعدم الوقف، وهو قول السجاوندي ، والأشموني، والأنصاري. [10]
القول الراجح:
الراجح هو أن تكون الواو عاطفة على الناس، وعليه فلا وقف على حياة ، ويكون المعنى: أَنَّ الْيَهُودَ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَأَحْرَصُ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، لما يلي:
1. أن المراد بالآية بيان حرص اليهود على الحياة، فلا يحسن قطع الكلام عند قوله: عَلَى حَيَاةٍ ثم الإخبار عن غيرهم بحب التعمير[11]،
2. أنه لا يجوز حذف الموصول وترك صلته، واستقصاء هذا مذكور عند قوله: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ في سورة [النساء: 46] )) [12]،
3. أن العطف أَبْلَغَ فِي إِبْطَالِ دعوى اليهود وَفِي إِظْهَارِ كَذِبِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةُ لَنَا لَا لِغَيْرِنَا [13]
4. أنه قول عموم أهل اللغة والتفسير والوقف، قال النحاس: (( ...وهذا قول أهل التأويل ، وأهل القراءة ، واللغة إلا نافعا.[14]
5. قال الزجاج: 311هـ (وَمِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا) أي وَلَتَجِدَنَهُمْ أحْرَصَ من الذين أشركوا، وهذا نهاية في التمثيل.والذين أشركوا هم المجوس ومن لا يُؤمن بالبعث[15].
6. قال ابن الأنباري328هـ: أي ولتجدن اليهود أحرص الناس على حياة وأحرص من الذين أشركوا، يعني المجوس » [16]
7. قال الداني444هـ: وأحرص من الذين أشركوا، ثم استأنف الخبر عن جميعهم بقوله يود أحدهم[17]
8. قال فخر الدين الرازي 606هـ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْقِصَّةُ فِي شَأْنِ الْيَهُودِ خَاصَّةً فَالْأَلْيَقُ بِالظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: وَلَتَجِدَنَّ الْيَهُودَ أَحْرَصَ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي إِبْطَالِ دَعْوَاهُمْ وَفِي إِظْهَارِ كَذِبِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ. إِنَّ الدار الآخرة لنا لِغَيْرِنَا[18].
9. قال الأشموني1100هـ: والأكثر على أن الوقف على أشركوا وهم المجوس)) [19]
10. قال ابن عثيمين1421هـ:وهذا القول هو الصواب.. [20]
11. عموم المصاحف لم تشر بعلامة وقف على (حياة ) دليل على ترجيح وجه العطف.
[1] تفسير مقاتل بن سليمان: 125 ، معاني القرآن للفراء: 1/ 62 ، تفسير الطبري: 2 /370 ، معاني القرآن للزجاج: 1/ 103 ، إيضاح الوقف والابتداء: 525 ، إعراب القرآن للنحاس: 1/ 69، ، التَّفْسِيرُ البَسِيْط: 3 /167، ، المكتفى: 1/ 24، المنار بتخليص المرشد: 105، ، تفسير ابن عثيمين الفاتحة والبقرة : 1/309
[2] الوجيز للواحدي : 119
[3] معالم التنزيل: 1/ 144.، الكشاف :1/ 168 والمحرر الوجيز: 1/ 182، التبيان في إعراب القرآن : 1/96، المنار بتخليص المرشد: 105، فتح القدير : 125.
[4] معالم التنزيل: 1/ 144
[5] التَّفْسِيرُ البَسِيْط: 3 /167- 168
[6] غرائب التفسير:1/ 160
[7] إعراب القرآن للنحاس: 1/ 69
[8] تفسير ابن عثيمين الفاتحة والبقرة : 1/309
[9]إيضاح الوقف والابتداء: 525 ، و القطع والإتناف: 71 ، و المكتفى: 1/ 24، و المنار بتخليص المرشد: 105
[10] علل الوقوف : 218 و المنار بتخليص المرشد: 105
[11] التَّفْسِيرُ البَسِيْط: 3 /167- 168
[12] التَّفْسِيرُ البَسِيْط: 3 /167- 168
[13] معالم التنزيل: 1/ 144
[14] القطع والإتناف: 71
[15] معاني القرآن للزجاج : 1/ 178
[16]إيضاح الوقف والابتداء: 525
[17] المكتفى: 1/ 24
[18] اثر اختلاف الإعراب في تفسير القرآن: 53
[19] المنار بتخليص المرشد: 105
[20] تفسير ابن عثيمين الفاتحة والبقرة : 1/309
البحث من كتاب ( مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء لـ جمال القرش)