إن الحمد للـہ نحمده ونستعينـہ ونستغفره، ونعوذ باللـہ من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، من يهده اللـہ فلا مضل لـہ، ومن يضلل فلا هادي لـہ والحمد للـہ الذي أخرجنا

بالإسلام من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفۃ والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى

جنات القربات ، والحمد للـہ الذي أنزل على عبده الڪتاب ولم يجعل لـہ عوجا ، وشرع

الإسلام وجعل لـہ منهجاً ، وأعز أرڪانـہ على من غالبـہ ، فجعلـہ أمناً لمن تمسڪ بـہ ،

وسلماً لمن دخلـہ ، وبرهاناً لمن تڪلم بـہ ، وشاهداً لمن خاصم عنـہ ، ونوراً لمن استضاء

بـہ ، وفهماً لمن عقل ، ولباً لمن تدبر ، وآيةً لمن توسم ، وتبصرةً لمن عزم ، وعبرۃ لمن

اتعظ ، ونجاۃ لمن صدق ، وثقۃ لمن توڪل ، وراحۃ لمن فوض ، وجنۃ لمن صبر ،وأشهد

أن لا إلـہ إلا اللـہ، وحده لا شريڪ لـہ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولـہ، أرسلـہ بدين

الهدى ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فأنار بـہ سبل الخير، ودروب الرشاد، فأمات

الڪفر والضلالات، ومحا الزيغ والهوى، وأحيا السنن، وأمات البدع، عليـہ الصلاۃ والسلام،

وعلى آلـہ وصحابتـہ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.
فتاوى في الحج I_bab5d694513



السُّؤال:

شخص رزقـہ اللـہ مالًا، أراد أن يحجَّ بـہ؛ لڪنَّـہ لا يڪفيـہ لنفقۃ الحجِّ وڪلفتـہ، فهمَّ ليقترض

من غيره فحصل عنده تردُّد. فهل يجوز أن يقترض ما يتمِّم بـہ نفقۃ الحجِّ، وهو لا يعلم هل يقدر

على الوفاء وتسديد الدَّين أم لا يقدر؟

الجواب:

الاستطاعۃ شرطُ وجوبٍ في الحجِّ، لا شرطٌ في صحَّتـہ لقولـہ تعالى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ

الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾[آل عمران:97]، وما ڪان شرطًا للوجوب لا يلزم المڪلَّفَ

تحصيلُـہ لڪونـہ من خطاب الوضع، والوجوبُ منتفٍ عند عدمـہ، إذ «ما لا يتم الوجوب إلَّا بـہ

فليس بواجب»، ومن جهۃ أخرى فإنَّ المتقرَّر في القواعد العامَّۃ أنَّ «ڪلَّ عبادةٍ اعتبر فيها

المال، فإنَّ المعتبرَ ملكُـہ لا القدرۃ على ملكِـہ»، وإذا ڪان الحجُّ في حقِّ غير المستطيع

ليس واجبًا فإنَّ الشَّارع لا يُلزِمُهُ بالاستدانۃ لـہ، وقد ورد من حديث ابن أبي أوفى رضي

اللـہ عنـہ أنَّـہ لما سُئل عن رجل يستقرض ويحجّ؟ قال: «يسترزق اللـہ، ولا يستقرض،

قال: وڪنَّا نقول: لا يستقرض إلَّا أن يڪون لـہ وفاء»(أخرجـہ البيهقي (8737)، وابن أبي

شيبۃ في «المصنَّف» (15014)، وصحَّحـہ الألباني في «السِّلسلۃ الضَّعيفۃ» (13/1/329)).

وعليـہ؛ فإنْ ڪان المڪلَّفُ غيرَ واثق من قدرتـہ على الوفاء بما استقرضـہ من الدَّين فلا يجوز

لـہ أن يتڪلَّف أمرًا يسَّره اللـہ رأفةً بالنَّاس ولم يوجبْـہ، ولم يترتَّب عليـہ إثمٌ إن مات ولم يحجَّ

وهو غير ملوم بخلاف ما إذا ڪانت ذمَّتُهُ مشغولةً بالدَّين الَّذي اقترضـہ واخترمـہ الموت فيبقى

مطالبًا بـہ؛ لأنَّـہ حقّ العبيد، ولا يخفى أنَّ حقَّ اللـہ تعالى مبنيٌّ على المسامحۃ والمساهلۃ،

وحقُّ العبد مبنيٌّ على المشاحَّۃ والمضايقۃ؛ لأنَّـہ يَنْتَفِعُ بِحصولـہ، ويَتَضَرَّرُ بِفواتـہ دون البَارِي

تعالى فلا يَتَضَرَّرُ بفوات حقوقـہ ولا يَنْتَفِعُ بِحصولها، غَير أنَّـہ إن استقرضَ وَحَجَّ ـ وهو على هذه

الحال ـ فحجُّـہ صحيح وتبرأ ذمَّتـہ منـہ، وتبقى مشغولةً بقضاء دَيْنـہ.

أمَّا إذا ڪان قادرًا على الوفاء بـہ ـ في الحال ـ فيلزمُـہ الحجُّ مع توثيق القرض برهن أو ڪفيل،

أو وصيَّۃ بتسديد المبلغ المقترَضِ في حالۃ ما إذا حصل لـہ مڪروه يمنعـہ من الوفاء بـہ.






السُّؤال:

تقوم بعض المؤسَّسات الإعلاميۃ بإجراء مسابقات موسميَّۃ يحصل فيها الفائز على نفقۃ

ڪاملۃ لحجٍّ أو عمرۃ، فما حڪم المشارڪۃ فيها مع العلم أنَّ الأسئلۃ المطروحۃ قد تڪون

متعلِّقۃ بالأفلام أو الألعاب الرِّياضيۃ أو الموسيقى ونحوها؟

وما حڪم حجِّ أو اعتمار الفائز في تلڪ المسابقات بمثل هذه الجائزۃ؟

وهل ينطبق الحڪم على جميع المسابقات الَّتي تڪون في أنواع العلوم: ڪالعلوم الشَّرعيۃ

والعلوم الڪونيَّۃ ونحو ذلڪ؟ نريد تفصيلا جزاڪم اللـہ خيرًا.

الجواب:

ينبغي التَّفريق بين المسابقات الدِّينيۃ ذات الجوائز الماليۃ من ولاۃ الأمور أو جمعيات خيريَّۃ أو

من المحسنين وبين المسابقات الَّتي تنشرها المؤسَّسات الإعلاميۃ، فإنَّ الصُّورۃ الأولى

للمسابقات منتظمۃ وَفق مقصود الشَّارع من إعداد العدَّۃ الإيمانيۃ: من حفظ القرآن والسُّنَّۃ

وتحصيل المسائل العلميَّۃ الشَّرعيۃ، وهي ملحقۃ بالمسابقات الَّتي حدَّدَها النَّبيُّ صلى اللـہ

عليـہ وسلم بقولـہ: «لاَ سَبَقَ إلَّا في خُفٍّ أوْ حَافِرٍ أوْ نَصْلٍ»(أخرجـہ أبو داود (2574)،من حديث

أبي هريرۃ رضي اللـہ عنـہ، والحديث حسَّنـہ الألباني في «الإرواء» (1506).)

أي رڪوب الخيل والإبل والرِّمايۃ وڪلُّ ما فيـہ من إعداد للعدَّۃ الماديَّۃ من وسائل الجهاد في

سبيل اللـہ في تقويۃ شوڪۃ المسلمين فيصح السَّبَقُ في هذه المسابقات، إذ ڪلا العُدَّتين

من مطالب الشَّرع ومقاصده؛ لأنَّها وسائلُ لغايۃ شرعيَّۃ، و«الوسائل لها حڪم المقاصد».

لذلڪ فالجوائز المباحۃ الممنوحۃ من المتبرِّعين لمصلحۃ الفائزين تحقيقًا لهذا المبتغى يجوز

الانتفاع بها مطلقًا سواء في حجٍّ أو عمرۃ أو غيرهما من غير حَرَجٍ.

أمَّا المسابقات الَّتي تنشرها المؤسَّسات الإعلاميۃ: من جرائد وصحف ومجلَّات ونحوها، فلا

تجوز المشارڪۃ فيها؛ لأنَّها تتضمَّن المقامرۃ والميسر، إذ المشارڪ يدفع مالًا ولو زهيدًا

لشراء الوسيلۃ الإعلاميۃ، في حين أنَّ المؤسَّسۃ الإعلاميَّۃ تحصل بترويج المسابقات على

زيادۃ ڪسبٍ، وفضلِ دخلٍ متولّدٍ عنها.

ومن جهۃ أخرى لا يتحقَّق بها مقصود الشَّارع، بل بالعڪس تضادُّه، حيث تتمخَّض من خلال

جريان المسابقات آثار الخلاعۃ والعري والتبرُّج،ومظاهرُ الفتنۃ بترويج الأفلام، ونشر المعازف

والموسيقى وغيرها من الأخلاق المنافيۃ لديننا الحنيف، وإن وجد السَّليم منها فمغمور في

وسطٍ فاسدٍ، وڪأنَّ إرادةً مفروضۃ تعمل بواسطۃ هذه الوسيلۃ الإعلاميۃ لتحطيم القيم

الإسلاميَّۃ، واستبدالها بدناءۃ قيم الحضارۃ الغربيۃ لفصل الدِّين عن حياۃ المجتمع تحت تأثير

العلمانيۃ الَّتي يشهدها العالم الإسلامي اليوم، وبغفلۃ المغرورين من بني جلدتنا.

هذا، ولمَّا ڪانت الوسائل لها حڪم المقاصد فإنَّ الجوائز المعطاۃ بهذه الڪيفيۃ لا يجوز

الانتفاع بها للجهتين السَّابقتين، فمن حصل على الجوائز بعد العلم بالتَّحريم فالواجب أن

يتصدَّق بها أو ينفق ثمنها في وجوه البرِّ، ذلڪ لأنَّ من شرط التَّوبۃ التَّخلُّصَ من المال الحرام،

غيرَ أنَّ من حَجَّ بِهذا المال فإنَّ حَجَّهُ صحيحٌ على أرجح قَوْلَي العلماء، وتسقط بـہ الفريضةُ،

ولا تشغل بـہ ذِمَّتُـہ، وهو آثمٌ بفعل الحرام، لانفڪاڪ جهۃ الأمر عن جهۃ النَّهي، ولا أجرَ

لـہ على حجِّـہ لقولـہ تعالى:﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾[البقرۃ:197]، ولقولـہ صلى اللـہ

عليـہ وسلم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّـبًا»(أخرجـہ مسلم (2346) من حديث أبي هريرۃ

رضي اللـہ عنـہ.)

أمَّا قبل العلم بتحريمها فلا يلحقـہ إثم لڪونـہ معذورًا بالجهل مصداقًا لقولـہ تعالى:

﴿فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الله﴾[البقرۃ:275].




السُّؤال:

لا يخفى على فضيلتڪم أنَّ الدَّولۃ عندنا ـ في الجزائر ـ تمنح جوازات سفر خاصَّۃ بالحجِّ

بالمجَّان، وأڪثرها يحصل عليـہ المسجِّلون في بلديَّاتهم وفق عمليۃ القرعۃ،ڪما تمنح عددًا

من هذه الجوازات إلى أشخاص أو جهات إداريۃ معيَّنۃ من إطارات وموظِّفي الدَّولۃ بالمجَّان أيضًا،

فيحصل بعض الأفراد على عددٍ منها بحڪم القرابۃ أو الصَّداقۃ فيقومون ببيعها إلى من يريد الحجَّ.

فهل يجوز بيع هذه الجوازات بحجَّۃ أنَّـہ صارت ملكًا لصاحبها؟ وهل يجوز شراؤها لمن لم يتيسَّر

لـہ الحصول عليها من الطُّرق المعلومۃ؟

وإذا جاز شراؤها فهل هو في الحجِّ الواجب فقط أم يشمل حجَّ التَّطوُّع أيضًا؟ أفتونا مأجورين.

الجواب:

فإنَّـہ ممَّا ينبغي أن يُعلم أنَّ جواز السَّفر الأصلي المستجمع للبيانات الشَّخصيَّۃ للفرد لا يصلح ـ

أصلًا ـ أن يڪون محلًّا للتَّعامل فيـہ بالتَّنازل والإبراء أو الهبۃ أو البيع والشِّراء ونحو ذلڪ ممَّا

يدخلـہ التَّراضي بين الطَّرفين من قسم: «حق العبد»، وعلَّۃ المنع انتظامـہ ضمن معيار

المصلحۃ العامَّۃ المتعلّقۃ بنظام المجتمع، وهو ما اصطلح عليـہ في الشَّريعۃ بـ: «حقِّ اللـہ» أو

«حقِّ الشَّرع»، وأضيف الحق للـہ تعالى لعظم خطره وشمول نفعـہ، لذلڪ لا يجوز فيـہ العفو

أو الإبراء منـہ أو الصُّلح عليـہ أو الاتِّفاق على ما يخالفـہ، وبعبارۃ مقتضبۃ: أنَّـہ لا يقبل التَّراضي.

ونظيره في الاصطلاح السَّائد: النِّظام العام، حيث لا يستطيع شخص ـ مثلا ـ أن يتنازل عن

اسمـہ ولقبـہ العائلي لغيره، أو يعدل فيـہ بحسبـہ، إذ قواعد الأهليۃ من حقِّ اللـہ تعالى،

وتندرج ضمن النِّظام العام، فلا يستطيع شخص أن يتنازل عن أهليَّتـہ أو يزيد فيها أو ينقص منها

باتِّفاق خاص، مهما ڪانت صورۃ الاتِّفاق، وڪذلڪ لا يجوز النُّزول عن البنوَّۃ أو الصُّلح على

النَّسب، وعليـہ يبطل ڪلُّ تصرُّف يقع مخالفًا لحقِّ اللـہ تعالى، وڪلّ ڪسب على عمل غير

مشروع يحرم ويأثم صاحبـہ ويستحقُّ العقاب.

أمَّا الجواز المخصَّص للحجِّ الخالي من البيانات الشَّخصيۃ فلا يصلح فيـہ ـ أيضا ـ التَّعامل المالي

بالبيع والشِّراء دون الهبۃ والتَّنازل باعتبار أنَّ الجواز الخاص بالحجِّ لا يمثِّل في ذاتـہ قيمۃ ماليَّۃ

متقومۃ شرعًا، أي أنَّ الشَّرع لم يقرَّ بماليَّتـہ حتَّى يُملَّڪ ويصبح محلاًّ للڪسب بالبيع والشِّراء،

ذلڪ لأنَّ جواز السَّفر وسيلةٌ إداريةٌ لا تخرج طبيعتُـہ عن النِّظام العامِّ حيث تتصرَّف فيـہ الدَّولۃ

إداريًّا على وفق المصلحۃ العامَّۃ، ولا يصير ـ بحال ـ ملكًا لحائزه، إذ لا قيمۃ لأوراقـہ بدون الجهۃ

الحڪوميَّۃ المستوجبۃ للإجراءات البيانيَّۃ والإداريَّۃ لتحصيل التَّرخيص بالحجِّ بالختم والإمضاء من

الدَّوائر التَّابعۃ لها.

ومن جهۃ أخرى فإنَّ الغرض الَّذي خصّص من أجلـہ الجواز إنَّما هو الاستعانۃ بـہ ڪوسيلۃ لأداء

مناسڪ الحجِّ القائمۃ على عهدۃ الجهۃ المانحۃ للجواز، فالتَّعامل المالي ببيع الجواز وشرائـہ

يتنافى مع طبيعۃ المسلڪ الإداري المنظِّم لهذه العبادۃ، وعليـہ فإذا انتفت الملڪيَّۃ الفرديَّۃ

للجواز لڪونـہ معدودًا من النِّظام العام، وتعارض التَّعاقد المالي مع الغرض الذي خُصِّصَ من

أجلـہ الجوازُ فلا يختلف الحڪم عن سابقـہ بوقوع التَّعامل بـہ باطلًا لمخالفتـہ لحقِّ اللـہ تعالى

والتَّعدِّي على المنفعۃ العامَّۃ والمصلحۃ الشَّرعيۃ الَّتي خصّص من أجلها الجواز، وَ«مَنْ عَمِلَ

عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(سبق تخريجـہ).

هذا، وإذا تقرَّر الحڪم بالمنع في الأصل فلا يمنع من الخروج عنـہ استثناءً لمن تعيَّنت عليـہ

حجَّۃ الإسلام، وتعذَّر عليـہ الحجُّ إلَّا بهذا السَّبيل فإنَّـہ يحلُّ لمعطي المال لأداء واجب الحجِّ

في حقِّـہ عند تحقُّق شرطـہ ما لا يحلّ للآخذ، إذ الفعل الواحد يجوز أن يڪون مأمورًا بـہ من

وجـہ، منهيًّا عنه من وجـہ آخر؛ لأنَّ الفعل قد تجتمع فيـہ مصلحۃ ومفسدۃ من جهات مختلفۃ.

وتبرير الاستثناء من الأصل السَّابق يڪمن في أنَّ العبادۃ حقٌّ خالص للـہ تعالى لقولـہ صلى

اللـہ عليـہ وسلم: «حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» ( أخرجـہ البخاري

(9638)، من حديث معاذ بن جبل رضي اللـہ عنـہ.)

والمعلوم أنَّ ڪلَّ حقٍّ يقابلـہ واجب، وترڪ عبادۃ الحجِّ لمن وجب عليـہ تضييع لحقِّ اللـہ

تعالى، وترڪ المأمور بـہ أعظم ذنبًا من إتيان المنهيِّ عنـہ، فمفسدۃ بذل المال لأجل تحصيل

الجواز مغمورۃ في مصلحۃ العبادۃ العليا وهي مقدَّمۃ عليها ڪما تقرَّر في علم المقاصد، ولأنَّ

«جنس فعل المأمور أعظم من جنس ترڪ المنهي عنـہ»، ولأنّه إذا جاز ـ في حقوق العباد ـ

دفعُ مالٍ لإحقاقِ حقٍّ أو إبطالِ باطلٍ أي جازَ للمعطي دون الآخذ، فڪذلڪ في حقِّ اللـہ في

العبادۃ، فظهر جليًّا أنَّ من تعلَّق الوجوب في ذمَّتـہ يجوز لـہ الانتفاع بجواز السَّفر مع بذل

العوض المالي عليـہ دون غيره.




السُّؤال:

ما حڪم رمي الجمرات في أيام التَّشريق قبل الزَّوال استنادًا إلى أنّـہ لم يثبت دليلٌ منَ

الڪتاب أو السُّنَّۃ أو الإجماع أو القياس في النَّهي عنِ الرَّمي قبل الزَّوال، واستنادًا إلى ما نُقل

عن بعض الصَّحابۃ والتَّابعين ڪابن عبَّاس وطاوس في جواز الرَّمي قبل الزَّوال؟ أفتونا مأجورين.

الجواب:

السُّنَّۃ الثَّابتۃ أنَّ رميَ الجمار في غير يومِ الأضحى إنَّما يڪون بعد الزَّوال وبـہ قال الجمهور؛

ذلڪ لأنَّ النَّبيَّ صلى اللـہ عليـہ وسلم حجَّ في السَّنۃ العاشرۃ، وألزم من معـہ بمتابعۃ هديـہ

والأخذ عنـہ مناسڪهم، ولم يَرْمِ الجمرات الثَّلاث في أيَّام التَّشريق إلَّا بعد زوال الشَّمس، فقد

أخرج مسلم من حديث جابر ابن عبد اللـہ رضي اللـہ عنهما قال: «رَمَى رَسُولُ اللّهِصلى اللـہ

عليـہ وسلم الجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ» أخرجـہ مسلم (3141).

وحڪم أفعالـہ صلى اللـہ عليـہ وسلم في الحجِّ الوجوب لتبعيَّۃ فعلـہ ـ من حيث البيان ـ

لمجمل قولـہ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»(أخرجـہ مسلم (3137) من حديث جابر بن عبد اللـہ

رضي اللـہ عنهما.)،

فإنَّ النَّصَّ التَّشريعي يأخذ حڪم النَّصِّ المبيّن؛ لأنَّ البيان لا يتعدَّى رتبۃ المبيِّن فهو

ڪالتَّفسير مع المفسِّر، ويؤيِّده ما أخرجـہ البخاري من حديث ابن عمر رضي اللـہ عنهما أنَّه

سُئِلَ عن الجمار متَى تُرمى؟ فقال: «كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا»أخرجـہ البخاري

(1659)، وروى مالڪ في «الموطَّأ» عنـہ رضي اللـہ عنهما أنَّـہ ڪان يقول: «لاَ تُرْمَى الجِمَارُ

فِي الأَيَّامِ الثَّلاَثَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ»( أخرجـہ مالڪ في «الموطإ» (918)، والأثر صحَّحـہ

زڪريا بن غلام قادر الباڪستاني في «ما صحَّ من آثار الصَّحابۃ في الفقـہ» (2/836)).

هذا، وقد خالف في المسألۃ عطاء وطاوس فقالَا بجواز الرَّمي قبل الزَّوال مطلقًا، ورخَّص أبو

حنيفۃ في الرَّمي يوم النَّفر قبل الزَّوال، وخالفـہ صاحباه: أبو يوسف ومحمَّد بن الحسن، وذهب

عڪرمۃ وإسحاق وأحمد في روايۃ مثل مذهب أبي حنيفۃ، ووجـہ تقرير جواز الرَّمي قبل الزَّوال

أيَّام التَّشريق مطلقًا يظهر في استنادهم إلى المعقول من جهۃ أنَّ قبل الزَّوال وقت الرَّمي يوم

النَّحر فڪذا في اليوم الثَّاني والثَّالث؛ لأنَّ الڪلَّ أيَّام النَّحر.

أمَّا وجـہ روايۃ أبي حنيفۃ في جواز الرَّمي يوم النَّفر قبل الزَّوال فبما رُوي عن ابن عبَّاس رضي

اللـہ عنهما أنَّـہ قال: «إذَا انْتَفَخَ النَّهارُ من يومِ النَّفْرِ الآخِرِ، فقد حَلَّ الرَّمْيُ والصَّدَرُ» أخرجـہ

البيهقي في «السُّنن الڪبرى» (9785)، وأيَّد ذلڪ بدليل المعقول من أنَّ للحاجِّ أن ينفر قبل

الرَّمي ويترڪـہ رأسًا، فإذا جاز لـہ ترڪ الرَّمي أصْلًا؛ فلأن يجوز لـہ الرَّمي قبل الزَّوال أولى

«بدائع الصَّنائع» للڪاساني (2/324).

والأصحُّ ما ذهب إليـہ الجمهور، وأمَّا احتجاج الحنفيۃ بما رواه البيهقيُّ عن ابن عبَّاس رضي اللـہ

عنهما فلا يَقْوَى على النُّهوض، قال الزَّيلعي: «رواه البيهقي عنـہ: «إذا انتفخ النَّهار من يوم

النفر فقد حلَّ الرَّمي والصَّدر»، انتهى، في مسند طلحۃ بن عمرو، وضعَّفـہ البيهقيّ» «نصب

الرَّايۃ» للزَّيلعي (3/85) ، وفساد اعتبار دليل المعقول ظاهرٌ، إذْ أنَّ النَّبيَّ صلى اللـہ عليـہ

وسلم ڪان يترقَّب الزَّوال ولم ينقل عنـہ أنَّـہ رمى قبلـہ أو أوَّل النَّهار مع أنَّـہ أيسر لـہ ولأمَّتـہ،

ڪما لم ينقل عنـہ أنَّـہ رخَّص لأحد في وقتـہ ڪما رخَّص للضَّعَفَۃ في رمي جمرۃ العقبۃ، فدلَّ

ذلڪ أنَّ وقت ما بعد الزَّوال جزء من الواجب يلتزم بـہ المڪلَّف حتمًا في وقتـہ المعيَّن شرعًا

وهو المعروف عند الأصوليِّين بالواجب المؤقَّت، قال ابن الهمام: «ولا شكَّ أنَّ المعتمد في

تعيين الوقت للرَّمي في الأوَّل من أوَّل النَّهار وفيما بعده من بعد الزَّوال ليس إلَّا فعلـہ ڪذلڪ،

مع أنَّـہ غير معقول، ولا يدخل وقتـہ قبل الوقت الَّذي فعلـہ فيـہ صلى اللـہ عليـہ وسلم،

ڪما لا يفعل في غير ذلڪ المڪان الَّذي رمى فيـہ عليـہ الصَّلاۃ والسَّلام، وإنَّما رمى عليـہ

الصَّلاۃ والسَّلام في الرَّابع بعد الزَّوال فلا يرمي قبلـہ» «مرقاۃ المفاتيح» للقاري (5/513).

هذا وإذا تقرَّر رجحان مذهب الجمهور، فإنَّ من رمى الجمرات في أيَّام التَّشريق قبل الزَّوال فقد

رمى في غير وقتـہ المحدَّد لـہ شرعًا، وما ڪان ڪذلڪ فهو مردود بقولـہ صلى اللـہ عليـہ

وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أخرجـہ مسلم (4493) من حديث عائشۃ

رضي اللـہ عنها.

، ولذلڪ وجب أن يعيد رمي الجمرات بعد الزَّوال ولو من اللَّيل على أرجح القولين، وهو مذهب

أبي حنيفۃ ومالڪ والشَّافعي، فإن تعذَّر عليـہ فلـہ أن يرمي في اليوم الَّذي يليـہ، على أنَّـہ

يبدأ برمي اليوم السَّابق المتخلّف فيهالجمرات الثَّلاث ڪلّها، ثمَّ يبدأ من الأوَّل عن يومـہ

الحالي، أمَّا إن فاتـہ وقت الرَّمي بغروب ثالث أيَّام التَّشريق: وهو اليوم الثَّالث عشر من ذي

الحجَّۃ رابع أيَّام النَّحر فإنَّ الرَّمي قبل الزَّوال معدود في حڪم ترڪ واجب الرَّمي، ويلزم من

ترڪ واجبًا من واجبات الحجِّ فديۃ شاۃ يذبحها في مكَّۃ يوزِّعها على الفقراء ولا يأخذ منها

شيئًا؛ لأنَّها بمنزلۃ الڪفَّارۃ، وبذلڪ يتمُّ حجُّـہ صحيحًا إن شاء اللـہ تعالى.