بسم الله الرحمن الرحيم

و صلَّ الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد[size=48].[/size]



[size=48](( ثلاث وصايا نبوية عظيمة [/size][size=48]))[/size]
أما بعد:



لقد جمع الله ـ جلَّ وعلا ـ لنبيِّنا صلَّ الله عليه وسلم بديعَ الكلِم، وجوامع الوصايا، وأكمل القول وأتمَّه وأحسنَه، ومن كان ذا صلةٍ وثيقةٍ بالسُّنة وهديِ خير العباد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فاز في دنياه وأخراه[size=32].[/size]



[size=32]وهذه وقفةٌ مع وصيَّةٍ وجيزةٍ وموعظةٍ بليغةٍ مأثورةٍ عن[/size][size=32] نبيِّنا الكريم ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ جمعت الخير كلَّه ووفَّته؛ ففي[/size][size=32] «مسند الإمام أحمد[/size][size=32]»[/size][size=32]، و[/size][size=32]«سنن ابن ماجه[/size][size=32]» وغيرهما من حديث أبي أيُّوب الأنصاري رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى[/size][size=32] النَّبيِّ صلَّ الله عليه وسلم فَقَالَ[/size][size=32]: عِظْنِي وَأَوْجِزْ، وفي[/size][size=32] رواية عَلِّمْنِي وَأَوْجِزْ، فَقَالَ ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ:«إِذَا قُمْتَ[/size][size=32] فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ[/size][size=32] مِنْهُ غَدًا، وَأَجْمِعِ اليَأسَ مِمَّا فِي يَدَيِ النَّاسِ[/size][size=32]»(1) وهو حديثٌ[/size][size=32] حسنٌ بما له من شواهد؛ وقد جمع هذا الحديث العظيم ثلاثة وصايا عظيمةً جمعت الخير[/size][size=32] كلَّه، مَن فهمها وعملَ بها حازَ الخير كلَّه في دنياه وأخراه[/size][size=32].[/size]



[size=32]الوصيَّة الأولى[/size][size=32]: وصيَّةٌ[/size][size=32] بالصَّلاة والعناية بها وحسن أدائها[/size][size=32].[/size]




[size=32]والوصيَّة الثَّانية[/size][size=32]: وصيَّةٌ[/size][size=32] بحفظ اللِّسان وصيانته[/size][size=32].[/size]




[size=32]والوصيَّة الثَّالثة[/size][size=32]: دعوةٌ إلى القناعة وتعلُّق القلب بالله[/size][size=32] وحده[/size][size=32].[/size]



[size=32]في الوصيَّة[/size][size=32] الأولى[/size][size=32]: دعا نبيُّنا ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ من قام في صلاته ـ أي شرع[/size][size=32] فيها ـ أن يصلِّي صلاةَ مودِّعٍ، ومن المعلوم لدى الجميع أنَّ المودِّع يستَقصي في[/size][size=32] الأقوال والأفعال ما لا يستَقصي غيرُه، وهذا معروفٌ في أسفار النَّاس وتنقُّلاتهم؛[/size][size=32] فمن ينتقل من بلدٍ على أمل العودة له ليس شأنه كشأن من ينتقل منه على أمل عدم لعودة[/size][size=32] إليه، فالمودِّع يستقصي ما لا يستقصي غيره، فإذا صلَّى العبد صلاته مستحضرًا أنَّها[/size][size=32] صلاته الأخيرة، وأنَّه لن يصلِّيَ غيرها جَدَّ واجتهد فيها، وأحسنَ في أدائها،[/size][size=32] وأتقنَ ركوعَها وسجودَها وواجباتِها ومستحبَّاتِها[/size][size=32].[/size]



[size=32]ولهذا ينبغي على عبد الله المؤمن أن يستَحضر هذه[/size][size=32] الوصيَّة في كلِّ صلاةٍ يصلِّيها؛ يصلِّي صلاته صلاةَ مودِّع، يستَشعر من خلال ذلك[/size][size=32] أنَّها الصَّلاة الأخيرة، وأنَّه لن يصلِّيَ بعدها، فإذا استشعر ذلك دعاه هذا[/size][size=32] الاستشعار إلى حسن الأداء، وتمام الإتقان[/size][size=32].[/size]



[size=32]ومن أحسنَ في صلاته ساقته إلى كلِّ خيرٍ وفضيلة، ونهته[/size][size=32] عن كلِّ شرٍّ ورذيلةٍ، وعُمِر قلبُه بالإيمان، وذاق بذلك طعمَ الإيمان وحلاوته،[/size][size=32] وكانت صلاتُه قرَّةَ عينٍ له، وراحةً وأُنسًا وسعادةً[/size][size=32].[/size]



[size=32]والوصيَّة الثَّانية: وصيَّةٌ بحفظ اللِّسان، وأنَّ[/size][size=32] اللِّسانَ أخطر ما يكونُ على الإنسان، وأنَّ الكلمةَ إذا لم تخرُج فإنَّ صاحبَها[/size][size=32] يملكها، أمَّا إذا خرجَت من لسانه ملكَتْه وتحمَّل تَبِعاتِها، ولهذا قال ـ عليه[/size][size=32] الصَّلاة والسَّلام ـ:«لَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا»؛ أي جاهِد[/size][size=32] نفسَك على منع لسانك من كلِّ كلمةٍ تخشى أن تعتذر منها، وكلِّ كلمةٍ تتطلَّب منك[/size][size=32] اعتذرًا؛ فإنَّك ما لم تتكلَّم بها فإنَّك تملكها، وأمَّا إذا تكلَّمتَ بها[/size][size=32] ملكَتكَ[/size][size=32].[/size]



[size=32]وفي وصيَّة النَّبيِّ ـ[/size][size=32] عليه الصَّلاة والسَّلام ـ لمعاذٍ رضي الله عنه قَالَ[/size][size=32]:«أَلَا[/size][size=32] أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى، يَا نَبِيَّ الله! فَأَخَذَ[/size][size=32] بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله! وَإِنَّا[/size][size=32] لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ[/size][size=32]! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ـ أَوْ عَلَى[/size][size=32] مَنَاخِرِهِمْ ـ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ[/size][size=32]»(2).[/size]



[size=32]فاللِّسان له خطورةٌ بالغةٌ، وقد جاء في حديثٍ ثابتٍ عن[/size][size=32] رسول الله صلَّ لله عليه وسلم[/size][size=32] :«إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ،[/size][size=32] فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللهَ[/size][size=32] فِينَا، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ؛ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وإِنِ[/size][size=32] اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا[/size][size=32]»(3).[/size]



[size=32]وقول نبيِّنا ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ في هذه[/size][size=32] الوصيَّة الجامعة[/size][size=32]:«لَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ[/size][size=32] غَدًا» فيه دعوةٌ إلى محاسبة النَّفس فيما يقوله الإنسانُ، بأن يتأمَّل فيه؛ فإن[/size][size=32] وجده خيرًا تكلَّم به، وإن وجده شرًّا امتنَع من قوله، وإن كانَ الَّذي سيقوله[/size][size=32] مشتَبهٌ عليه لا يدري أشرٌّ هو أم خيرٌ؛ يكفُّ عنه اتِّقاءً للشُّبهات، حتَّى[/size][size=32] يستبينَ له أمرُه، ولهذا قال ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ[/size][size=32] بِالله واليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ[/size][size=32]»(4) [/size][size=32]، وكثيرٌ[/size][size=32] منَ النَّاس يورِّطون أنفسَهم ورطاتٍ عظيمةً بكلمةٍ يقولونها بألسنَتهم لا يُلقُون[/size][size=32] لها بالًا، ثمَّ يترتَّب عليها من التَّبِعات في الدُّنيا والآخرة ما لا يحمَدون[/size][size=32] عاقبتَه، والعاقل منَ النَّاس من يزِن كلامَه، ويصونُ حديثَه، ولا يتكلَّم إلَّا[/size][size=32] كما قال نبيُّنا ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ بكلامٍ لا يحتاج معه إلى[/size][size=32] اعتذارٍ[/size][size=32].[/size]



[size=32]وقوله[/size][size=32]: «بكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا[/size][size=32]» يحتَمل: أي عندما تقِف بين[/size][size=32] يدَي الله، أو تعتذر منه غدًا: أي من النَّاس حينما يطالبونك بتَبِعات كلامك[/size][size=32] وأقوالك[/size][size=32].[/size]




[size=32]وعلى[/size][size=32] المعنى الأوَّل؛[/size][size=32] فله تعلُّقٌ عظيمٌ بالصَّلاة، إذ بأيِّ عذرٍ يلقى المضيِّعُ[/size][size=32] للصَّلاة ربَّه غدًا، وهي أوَّل ما سيُسأل عنه[/size][size=32].[/size]




[size=32]والوصيَّة الثَّالثة؛[/size][size=32] فيها دعوةٌ[/size][size=32] إلى القناعة، وتعليق القلب بالله وحده، واليأس تمامًا ممَّا في أيدي النَّاس،[/size][size=32] قال[/size][size=32]:«وَأَجْمِعِ اليَأسَ مِمَّا فِي يَدَيِ النَّاس[/size][size=32]»[/size][size=32]؛ أي[/size][size=32] أجمِع قلبَك، واعزِم وصمِّم في فؤادك على اليأس من كلِّ شيءٍ في يد النَّاس؛ فلا[/size][size=32] تَرْجُه من جهتهم، وليكن رجاؤُك كلُّه بالله وحده ـ جلَّ وعلا ـ، وكما أنَّك بلسان[/size][size=32] مقالك لا تسأل إلَّا الله، ولا تطلب إلَّا من الله؛ فعليك كذلك بلسانِ حالك أن لا[/size][size=32] ترجو إلَّا الله، وأن تيأس من كلِّ أحدٍ إلَّا من الله، فتقطع الرَّجاءَ من كلِّ[/size][size=32] النَّاس، ويكون رجاؤك بالله وحدَه، والصَّلاة صلةٌ بينك وبين ربِّك؛ ففيها أكبرُ[/size][size=32] عونٍ لك على تحقيق هذا المطلب[/size][size=32].[/size]



[size=32]ومَن[/size][size=32] كان يائسًا ممَّا في أيدي النَّاس عاش حياتَه مهيبًا عزيزًا، ومَن كان قلبه[/size][size=32] معلَّقًا بما في أيدي النَّاس عاش حياته مهينًا ذليلًا، ومَن كان قلبه معلَّقًا[/size][size=32] بالله لا يرجو إلَّا الله، ولا يطلب حاجته إلَّا من الله، ولا يتوكَّل إلَّا على[/size][size=32] الله كفاه اللهُ عز وجل في دنياه وأخراه، والله جلَّ وعلا يقولا[/size][size=32] (الَيْسَ[/size][size=32] اللَّهُ بِكَافٍ[/size][size=32] عَبْدَهُ[/size][size=32])[سورة الزمر : 36[/size][size=32]][/size][size=32]،[/size]
[size=32]ويقول ـ جلَّ وعلا ـ[/size][size=32](وَمَنْ يَتَوَكَّلْ[/size][size=32] عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[/size][size=32])[سورة الطلاق : 3]، والتَّوفيق بيد الله وحده[/size][size=32] لا شريك له[/size][size=32].[/size]



[size=32]--------------[/size]



(1) رواه أحمد (23498)، وابن ماجه (4171)، انظر: «الصَّحيحة» (401).



(2) رواه أحمد (22016)، والترمذي (2616)، وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (5136).



(3) رواه أحمد (11908)، والترمذي (2407) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، وحسَّنه الألباني في «صحيح الجامع» (351).



(4) رواه البخاري (6018)، ومسلم (47) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
منقول.
*****************