بسم الله الرحمن الرحيم
نظرات في
كتاب
نحو إعادة بناء علوم الأمة الاجتماعية والشرعية
د. منى أبو الفضل د. طه جابر العلواني

اطلعت على هذا الكتاب، وقرأت بصورة خاصة ما يتعلق منه بعلم أصول الفقه، وهو القسم الذي كتبه د. طه جابر العلواني، وقرأته، ورأيت فيه بعض الآراء، والادعاءات التي أورثت في قلبي استغرابا وتعجبا من جرأة الكاتب، مع أني لم أرَ فيما كتبه من الأدلة ما يسوِّغ له عظيم تلك الدعاوى الهائلة.
ويبدو أن الكاتب معجب جدا بما يقول ويقرر، إلى درجة أنه لم ينتظر القراء ليحكموا عليه، فقدم إليهم حكمه هو، مقررا ذلك، كما لو كان مخبرا بأمر ثابت في الواقع، لا يشك في ثبوته شاكٌّ! ولم يسق كلامه على سبيل الرجاء والأمل!! فقال في ص250:"إن هذا الكتاب قد نجح بفضل الله تعالى أن يقدم دليلا هادياً للباحثين في مختلف فروع المعرفة لكيفية تدبر القرآن المجيد، وطرق التدبر والتفكر فيه، ووسائل تثويره للاقتراب من مكنوناته، وهو قد أفلح في إشعار سائر أصحاب التخصصات بأن التدبر في القرآن المجيد والتفكر والتذكر والتعقل في آياته يمكن أن يعطي لتلك المعارف والتخصصات امتدادات لا حدود لها. والكتاب قد استوعب وتجاوز سائر المحاولات السابقة فيما عرف بتكشيف آيات القرآن، أو التفسير الموضوعي له أو ما إلى ذلك ليقدم القرآن المجيد مصدرا منشئا ومهيمنا على كل ما عداه، وكل ما يلزم الباحثين الآن تحويل هذا الدليل إلى خبرة وممارسة لهم ليعيدوا إلى معارفهم الاستقامة والفاعلية، ويربطوا بينها وبين القيم القرآنية العليا الحاكمة".انتهى.
إذن ها نحن نراه يعلن أن مسألة المنهجية التي تبحث عنها الأمة الإسلامية للوصول إلى نهضتها في العالم المعاصر، قد انتهت وتمَّ إنجازها على يديه هو و أ.د. منى أبو الفضل، التي يسميها "فيلسوفة" وبالغ في تعظيم ما قامت به، ويرفعها إلى أقصى المراتب أيضا، وقد تكون هي في نفس الأمر كذلك فعلا، أو أعلى، ولكني لم أرَ فيما قرأته من بحثها هذه المكانة، بارك الله فيها وفي عملها. وهو لشدة وثوقه واطمئنانه إلى ما أتى به، لا يدعو الباحثين في إعادة مراجعة ما كتبه، لعله نسي أمراً، أو ضل عن شيء أو في شيء، أو لعله نسي أو غفل! بل إنه يجزم بأن ما كتبه من فضل الله تعالى، وهذا يعني أن ما كان من فضل الله تعالى وتوفيقه يجب بالضرورة أن يكون صحيحا، وصوابا، وذلك الأمر يمنع إعادة النظر فيه ومحاكمته.
وهذه دعاوى لا أعتقد أن أصحاب العلم والتحقيق والتدبر القرآني سيوافقونه عليها، بدون مراجعة كان الأولى بل الواجب عليه هو أن يطلبها طلبا من الناس، لا أن يزعم أن ما يقدمه لهم تامٌّ، وأنه تجاوز كل ما يمكن أن يقدم، واشتمل على محاسن ما قُدِّم ممن سبقوه! ولم يبقَ للناس والباحثين إلا أن يجعلوه لهم منهجا معتمدا، فيستثمروه لينظروا في نتائجه التي هي بالضرورة في نظره ستكون لها هذه المنزلة الهائلة من التوقير والصواب والإجلال أيضا، فما بني على هكذا منهج عال مرتفع ينبغي أن يكون مثله.