بسم الله الرحمن الرحيم


أنقل مواضع وقفت عليها من كلام الأئمة رضي الله عنهم بخصوص هذه القاعدة

الأول عن السيوطي رحمه الله في الفتاوى :

لا شك أن المفتي حكمه حكم الطبيب، ينظر في الواقعة ويذكر فيها ما يليق بها بحسب مقتضى الحال والشخص والزمان، فالمفتي طبيب الأديان، وذلك طبيب الأبدان، وقد قال عمر بن عبد العزيز: يحدث للناس أحكام بحسب ما أحدثوا من الفجور.
قال السبكي: ليس مراده أن الأحكام الشرعية تتغير بتغير الزمان، بل باختلاف الصور الحادثة، فإنه قد يحصل بمجموع أمور حكم لا يحصل لكل واحد منها، فإذا حدثت صورة على صفة خاصة علينا أن ننظر فيها، فقد يكون مجموعها يقتضي الشرع له حكما خاصا. هذا كلام السبكي، قرره في كتاب ألفه في شأن رافضي حكم بقتله، وسماه غيرة الإيمان الجلي لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي،



وقال السبكي أيضا في فتاويه ما معناه:
يوجد في فتاوي المتقدمين من أصحابنا أشياء لا يمكن الحكم عليها بأنها المذهب في كل صورة؛ لأنها وردت على وقائع، فلعلهم رأوا أن تلك الوقائع يستحق أن يفتى بها بذلك، ولا يلزم اطراد ذلك واستمراره، انتهى من الحاوي للفتاوى




وهذا من كلام ابن حجر رحمه الله في فتاواه :

ويؤيد المنع أيضا قول عائشة رضي الله عنها (( لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل )) لكن كلامها محتمل أيضا لوجوب المنع ولجوازه ، واحتماله لوجوبه أقرب ، ويدل عليها الملازمة المذكورة المستنبطة من القواعد الدينية المقتضية لحسم مواد الفساد .
ويؤيد ما استنبطته قول مالك رضي الله عنه (( يحدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا من الفجور )) وإنما نسب لمالك ؛ لأنه أول من قاله ، وإلا فغيره من الأئمة بعده يقولون بذلك كما لا يخفى من مذاهبهم ومن تخيل أن هذا من التمسك بالمصالح المرسلة التي يقول بها مالك وهي مباينة للشريعة فقد وهم ، وإنما مراده ما أرادته عائشة رضي الله عنها من أن من أحدث أمرا يقتضي أصول الشريعة فيه غير ما اقتضته قبل حدوث ذلك الأمر يجدد له حكم بحسب ما أحدثه لا بحسب ما كان قبل إحداثه .

قال بعض المحققين :
وقولها ذلك بمنزلة الخبر لا من قول الصحابي المختلف في كونه حجة ؛ لأنها اطلعت منه صلى الله عليه وسلم أنه إذا اطلع على ما أحدثت النساء لمنعهن .
ويؤيد ذلك حديث ابن ماجه عنها (( بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد إذ دخلت امرأة مزينة ترفل في زينة لها في المسجد فقال صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبختروا في المساجد " )) }
قال بعض المتأخرين : وفيه دليل لتحريم الفعل لترتب اللعن عليه ، وإذا كانت المرأة لا تخرج إلا كذلك منعت ا هـ

واعتذر في الإحياء عن قول بعض أولاد عبد الله بن عمر لما ذكر حديث (( لا تمنعوا إماء الله )) " بلى والله لنمنعهن " فضرب صدره وغضب .
قال الغزالي : وإنما استجرأ على المخالفة لعلمه بتغير الزمان ، وإنما غضب عليه لإطلاق اللفظ بالمخالفة ظاهرا من غير عذر ا هـ فتأمله تجده صريحا في اعتماد ما مر عن عائشة رضي الله عنها
اهـ




وقوله :
ثم قال : فإن قلت أتقول بمنع خروج النساء إلى المساجد والمواعيد وزيارة القبور غير قبر النبي صلى الله عليه وسلم
قلت : كيف لا أقول به وقد صار متفقا عليه ؛لعدم شرط جواز الخروج في زمنه صلى الله عليه وسلم وهو التقى والعفاف اهـ



ثم قال :
وقد ذكر ذلك من المتقدمين الشيخان الإمامان الزاهدان الورعان الشيخ تقي الدين الحصني ، وشيخنا علاء الدين محمد بن محمد بن محمد النجاري تغمدهما الله برحمته وفيما ذكراه كفاية لمن ترك هواه ،
وقد ظن بعض الناس أن القول بالتحريم وادعاء الاتفاق على المنع مخالف للمذهب وليس كذلك ، وعلى ما أذكر كلاما مجموعا من كتب المذهب وغيره يوضح مرادهما ويبين أنه لا خلاف فيما قالاه ، وأن من يخالفهما فلعدم اطلاعه على ما علماه ولا يلزم من عدم الاطلاع للبعض العدم للكل .

فما ذكراه أن المفتى به في هذا الزمان منع خروجهن ولا يتوقف في ذلك إلا غبي تابع لهواه ؛ لأن الأحكام تتغير بتغير أهل الزمان ، وهذا صحيح على مذاهب العلماء من السلف والخلف .
اهـ




وقال أيضا :

والذي نقله عن الحصني كأنه أخذه من كلامه في ( شرح أبي شجاع وغيره ) ، وقد أطال الكلام في ذلك بما حاصله
أنه ينبغي القطع في زماننا بتحريم خروج الشابات وذوات الهيئات لكثرة الفساد ، والمعنى المجوز للخروج في خير القرون قد زال ، وأيضا فكن لا يبدين زينتهن ويغضضن أبصارهن وكذا الرجال ، ومفاسد خروجهن الآن محققة ، وذكر ما مر عن عائشة رضي الله عنها ونقله عن غيرها أيضا ممن مر ذكرهم ثم قال : ولا يتوقف في منعهن إلا غبي جاهل قليل البضاعة في معرفة أسرار الشريعة قد تمسك بظاهر دليل حملا على ظاهره دون فهم معناه مع إهمالهم فهم عائشة ومن نحا نحوها ومع إهمال الآيات الدالة على تحريم إظهار الزينة وعلى وجوب غض البصر فالصواب الجزم بالتحريم والفتوى به اهـ .

وهذا حاصل مذهبنا ، واحذر من إنكار شيء مما مر قبل التثبت فيه ، ولا تغتر بمن تموه بلسانه وتفوه بما لا خبرة له به فإن العلم أمانة ، والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق والإعانة
اهـ





فرق بين حافظ الفروع وناقلها ، وبين فاهم على أي أصول بنيت ، وبأي ضوابط قيدت ، وفي أي ظروف قررت ، متحري القول ، فإن قال فبنحو ما لو كانوا معنا لقالوه ... فالفقه الفهم ، والفتوى القول من الفقيه الثقة ، وأما التيسير فيحسنه كل أحد !