928 - " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم ، والناس يمرون بين يديه ، ليس بينه وبين الكعبة سترة . ( وفي رواية ) : طاف بالبيت سبعا ، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام ، وليس بينه وبين الطواف أحد " .


ضعيف

.
أخرجه أحمد ( 6 / 399 ) والسياق له وعنه أبو داود ( 1 / 315 ) والأزرقي في " أخبار مكة " ( ص 305 ) والبيهقي في " سننه الكبرى " ( 1 / 273 ) عن سفيان بن عيينة قال : حدثنا كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة سمع بعض أهله يحدث عن جده به .

قلت : وهذا سند ضعيف لجهالة الواسطة بين كثير وجده .

وفيه علة أخرى وهي الاختلاف في إسناده ،

فقد رواه سفيان مرة عن كثير ، هكذا ، وقال مرة أخرى : حدثني كثير بن كثير عمن سمع جده ، وقال سفيان : وكان ابن جريج أنبأ عنه قال : حدثنا كثير عن أبيه فسألته ؟ فقال : ليس من أبي سمعته ولكن من بعض أهلي عن جدي ! قلت : ورواية ابن جريج أخرجها النسائي ( 1 / 123 و2 / 40 ) وابن ماجه ( 4958 ) وهي الرواية الثانية وهي رواية لأحمد وابن حبان ( 415 - موارد ) وكذا البيهقي وقال : " وقد قيل عن ابن جريج عن كثير عن أبيه قال : حدثني أعيان بني المطلب عن المطلب ، ورواية ابن عيينة أحفظ " .
قلت : ويحتمل عندي أن يكون الاختلاف من نفس كثير بن كثير ، بل لعل هذا أولى من نسبة الوهم إلى ابن جريج ؛ لأن كثيرا ينزل عن ابن جريج في العدالة والضبط كثيرا !

ومما يؤيد الاحتمال المذكور أنه قد تابع ابن جريج زهير بن محمد العنبري عند ابن حبان ( 414 )

. وأي الأمرين كان فالحديث ضعيف لجهالة الواسطة كما سبق .
ثم رأيت الحديث في " فوائد محمد بن بشر الزبيري " ( 28 / 1 ) من طريق سالم بن عبد الله ، رجل من أهل البصرة عن كثير بن كثير أن المطلب بن أبي وداعة رأى النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الكعبة وقام بحيال الركن الأسود فصلى ركعتين ، والناس يمرون بين يديه : النساء والرجال " .

فهذا اختلاف آخر يؤكد ضعف الحديث .


وإذا عرفت ذلك فقد استدل بعضهم بالحديث على جواز المرور بين يدي المصلي في مسجد مكة خاصة ، وبعضهم أطلق ،

ومن تراجم النسائي للحديث " باب الرخصة في ذلك " يعني المرور بين يدي المصلي وسترته ، ولا يخفى عليك فساد هذا الاستدلال ، وذلك لوجوه :

الأول : ضعف الحديث .


الثاني : مخالفته لعموم الأحاديث التي توجب على المصلي أن يصلي إلى سترة وهي معروفة ، وكذا الأحاديث التي تنهى عن المرور كقوله صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا من أن يمر بين يديه " . رواه البخاري ومسلم وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 698 ) .


الثالث : أن الحديث ليس فيه التصريح بأن الناس كانوا يمرون بينه صلى الله عليه وسلم وبين موضع سجوده ، فإن هذا هو المقصود من المرور المنهي عنه على الراجح من أقوال العلماء . ولذلك قال السندي في " حاشيته على النسائي " : " ظاهره أنه لا حاجة إلى السترة في مكة . وبه قيل ، ومن لا يقول به ، يحمله على أن الطائفين كانوا يمرون وراء موضع السجود ، أو وراء ما يقع فيه نظر الخاشع " .

ولقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف في مكة حينما حججت لأول مرة سنة ( 1369 ) ، فقد دخلتها ليلا فطفت سبعا ، ثم جئت المقام ، فافتتحت الصلاة ، فما كدت أشرع فيها حتى وجدت نفسي في جهاد مستمر مع المارة بيني وبين موضع سجودي ، فما أكاد أنتهي من صد أحدهم عملا بأمره صلى الله عليه وسلم حتى يأتي آخر " فأصده وهكذا !! ولقد اغتاظ أحدهم من صدي هذا فوقف قريبا مني حتى انتهيت من الصلاة ، ثم أقبل علي منكرا ، فلما احتججت عليه بالأحاديث الواردة في النهي عن المرور ، والآمرة بدفع المار ، أجاب بأن مكة مستثناة من ذلك ، فرددت عليه ،

واشتد النزاع بيني وبينه

، فطلبت الرجوع في حله إلى أهل العلم ، فلما اتصلنا بهم إذا هم مختلفون ! واحتج بعضهم بهذا الحديث ، فطلبت إثبات صحته فلم يستطيعوا ، فكان ذلك من أسباب تخريج هذا الحديث ، وبيان علته .


فتأمل فيما ذكرته يتبين لك خطر الأحاديث الضعيفة وأثرها السيئ في الأمة .