الفرق بين (رؤية) و(رؤيا) :  Bsm-allah3
بسم الله الرّحمن الرّحيم :

(الرّؤية) بالتّاء هي ما تراه العين في اليقظة ،تقول : " رأيته بعيني

رُؤْيةً " ، قال تعالى : * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ

فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ * (آل عمران

آية : 13) لأنّ الآية في أحداث غزوة بدر والرّؤية كانت رؤية عين ..

أمّا (الرّؤيا) بالألف فهي التي تكون في المنام ولذلك يقال : " رأيت

في المنام رؤيا " ، قال تعالى : * لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ

لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ

وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ * (الفتح آية : 27) ...

هذا هو الأصل في لغة العرب ولذلك قال ابن جني: (الرؤيا في

المنام وأمّا في العين فلا أعرفها ،وإن كانت قد جاءت فهي شاذّة)

إذا علمتَ هذا يبقى السؤال :

كيف نوفّق بين هذا المعنى وبين قول ابن عبّاس رضي الله عنه

في تفسير قوله تعالى : * وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً

لِّلنَّاسِ * (الإسراء : 60) حيث قال : " هي رؤيا عَيْن أُرِيها النبيّ

صلّى الله عليه وسلّم ليلة أسْرِيَ به إلى بيت المقدس " (رواه

البخارى في صحيحه) ؟؟؟ .

والجواب :

تأمّل دقّه التّعبير في قوله تعالى : * وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيا التي أَرَيْنَاكَ

إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ * (الإسراء : 60) فقد جاء التّعبير عن (رؤية اليقظة)

هنا بلفظ (رؤيا) التي تكون في المنام لأنّ النّبيَّ صلّى الله عليه

وسلّم رأى (ليلة الإسراء والمعراج) من المعجزات العظيمة والخوارق

العجيبة ما ليس مألوفاً عند النّاس وما لا يستطيع عقل بشر أن

يحيط به ولا أن يرى مثله إلاّ في الأحلام و(الرُّؤَى المنامية) !! ...

فلمّا أشبهتْ حادثة الإسراء والمعراج (الرُّؤَى المنامية) من هذا الوجه

استُعير لها لفظ (الرُّؤيا) تمييزاً لها عن (الرُّؤية) المألوفة ...

فجاء الاستعمال الخاصّ لهذا اللّفظ في هذا الموضع بالذّات لتكون

كلمة (الرّؤيا) هنا مناسبة لخصوصية الحدث العجيب (الإسراء

والمعراج) كأنّ المعنى : " إنّ ما حدث ليلة الإسراء شيء عجيب

لا يحدث مثله إلاّ في الأحلام ، ولكنّه حدث في الواقع .. " ...

فقد كان الإسراء بجسد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وروحه يقظة

لا مناماً من مكّة إلى بيت المقدس وعُرج به إلى السماوات العُلى

وحدث ذلك في مكّة (قبيل الهجرة) فكانت هذه الحادثة (فِتْنَةً لِّلنَّاسِ)

أي : إمتحانا واختبارا لهم ليميز الله الخبيثَ من الطّيب والمؤمن من

الكافر والصّالح من الطّالح لأنّ المرحلة المدنية (التي بعد الهجرة)

ستكون مرحلة بناء الدّولة الإسلامية والدّفاع عن عقيدة التّوحيد

ومرحلة جهاد فينبغي أن لا يبقى في السّاحة إلاّ من كان راسخ

العقيدة قويَّ الإيمان صادقاً مع الله ومع رسوله وكان أهلاً لتحمُّل

المسؤولية والدّفاع عن رسالة الإسلام وتبليغها للنّاس ..

وبالفعل بعد هذه الواقعة ازداد الكفّار كفراً وارتدّ ضعاف الإيمان ،

ولم يثبت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلاّ المؤمنون الصّادقون

الذين كان إيمانهم كالجبال الرّواسي لا يتزعزع ...

هذه الثّلّة المباركة من الرّجال وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله

عنهما [رغم أنف الحاقدين] هم النّواة الأولى لهذه الأمّة ، وهم

الذين هاجروا حاملين معهم نور الإسلام إلى المدينة ولمّا خيّرهم

النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم (يوم بدر) وبين (عير) قريش و(نفيرها)

قالوا له: "يا رسول الله إمض لما أمرك الله به فنحن معك ، والله

لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : (أذهب أنت وربُّك

فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون) ولكن نقول: "إذهب أنت وربُّك فقاتلا إنّا

معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق! لو سرت إلى برك الغماد

(وهو موضع بأقصى اليمن) لجالدنا معك من دونه حتّى تبلغه !! "..

لذلك مدحهم الله عزّ وجل في كتابه فقال : * لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ

أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن

بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *

(سورة الحديد آية : 10) ...

والله أعلم ..

والحمد لله ربّ العالمين ...