الفرق بين : (تكُن) و (تك) :  Bsm-allah3
قال تعالى عن لقمان أنّه قال لابنه : * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ
حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ
يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لطِيفٌ خَبِيرٌ * ( سورة لقمان آية : 16) ..
فما الفرق بين : (تكُ) و (تكن) في هذه الآية الكريمة ؟

الجواب :

في القرآن الكريم عموماً وردت هذه الكلمة في عدد من الآيات تارة
كاملة بإثبات (النّون) وتارة ناقصة بحذفها ..
وإذا تتبّعنا مواطن الذّكر والحذف سنجد أسراراً عجيبة فالحذف يأتي
إمّا في مقام الإيجاز أو عند المبالغة في النّفي أو في سياق حدث
غير مكتمل ، أمّا في مقام التّفصيل أو في سياق حدث مكتمل فإنّ
اللّفظ يأتي كاملاً دون حذف !!..
ومن الأمثلة على ذلك :

أوّلاً : بعض الآيات التي جاء فيها (الحذف) :

1 - في قصّة مريم عليها السّلام لمّا بشّرها الملَكُ بأنّها ستلد طفلاً
قالت مستغربةً : * أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلََمْ أَكُ
بَغِيًّا .... * (سورة مريم آية: 20) ، فجاءت هنا كلمة (أكُ) بحذف (النّون)
للمبالغة في النّفي أي : ليس في مريم أدنى شيء من تهمة الزّنا
ولم يحصل منها شيء من ذلك أصلاً لا مقدمات ولا بوادر ولا أيّ شيء
بل لم يخطُرْ ذلك ببالها قطُّ فلم يكن هناك جزء من الحدث أصلاً !!.. لأنّ
مريم كانت صدّيقة طاهرة وقد حفظها الله عزّ وجلّ منذ صغرها قال تعالى:
* فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا * (سورة آل عمران آية:36) .

2 - قال الله عزّ وجلّ : * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ ... * ( سورة النّحل آية : 120) قال: (ولم يك من المشركين)
مبالغة في النّفي لأنّ إبراهيم عليه السّلام لم يشرك بربّه ولو مرّة في
حياته فقد عصمه الله عزّ وجلّ منذ الصّغر ، قال تعالى : * وَلَقَدْ آتَيْنَا
إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ * (سورة الأنبياء آية : 51 ) ...

3 - قال تعالى : * وَإنْ تكُ حَسَنَةً يُضاعفهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا *
(سورة النّساء آية:40) (تك) أي: مهما بلغت حسنتُك أيُّها العبد من الدّقّة
والصّغَر فإنّ الله تعالى سيُضاعفها لك حتّى الهمّ بها يحسب لك حسنة
كاملة كما جاء في الحديث القدسي : ((إنّ الله كتب الحسنات والسّيئات
ثم بيّن ذلك فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة
فإن هو همّ بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة
ضعف إلى أضعاف كثيرة ...)) (رواه البخاري ومسلم) ..
إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى ...

ثانياً : بعض الآيات التي جاء فيها (الإثبات) :

1 - قال الله تعالى : * قَالواْ ألمْ تَكُن أَرْضُ الله وَاسعَةً فَتُهَاجرُوا فيهَا .. *
(النّساء آية:97) (ألم تكن) ،فأثبتت النّون لأنَّ الأرض مكتملة الخِلقة
وواسعة الأطراف ، قال تعالى : * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ
وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * (سورة
ق آية : 7 - 8) ..

2 - قال عزّ وجلّ : * أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ
قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * ( الجاثيّة آية :31) قال : (تكن) فجاءت النّون كذلك ثابتة
هنا كذلك لأنّ آيات اللّه مكتملة وواضحة وليس فيها لبس ولا نقص فَجَاءَ
اللّفظ تامّاً لأنّ المعنى تامٌّ ولا يحتاج إلى حذف ....

3 - قال تعالى : * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن
مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * (سورة الإنسان آية:36 – 38)
تأمّل : لمّا تكلّم على حال الإنسان وهو مازال نطفة وفي طور التّكوين
قال : (أَلَمْ (يَكُ) نطفةً) فحذف النّون لأنّ الفعل لمّا يكتمل بعد فهو مازال
في مرحلة النّطفة ، ولمّا ذكر اكتمال خلقة الإنسان قال : (ثُمّ (كان)
علقة فَخَلَقَ فَسَوَّى) فأثبت فعل (كان) كاملاً دون نقص لأنّ الحدث قد
اكتمل !!...
إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى ...

نأتي إلى الآية التي هي موضوعنا وهي قول لقمان لابنه : * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا
إِن (تَكُ) مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ (فَتَكُن) فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي
الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * ( سورة لقمان آية : 16) ..
تأمّل هذه الآية : فإنّه لمّا قال : (حَبَّةَ من خردل) لمْ يذكر لها مكاناً (فصار
الحدث كأنّه لم يكتمل) قال : * إِن (تَكُ) مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ * فحُذِفت
النّون من الفعل لعدم اكتمال الحدث !!..
ولمّا اكتمل الحدث بذكر مكان حبّة الخردل تلك وتحديده فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي
السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ قال : (فَتَكُن) فأثبت النُّون لأنّ الحدث هنا قد
اكتمل بتحديد مكان الحبّة !!..
ففي موضع الإجمال حذف النّون وفي سياق التّفصيل أثبتها فجاء كلّ
تعبير في مكانه المناسب !!..
والله أعلم ....
والحمد لله ربّ العالمين .....