1.  قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ *  Bsm-allah3

    قال الله عزّ وجلّ في قصّة موسى عليه السّلام : * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ*
    (سورة الشعراء الآيات : 46 - 48) ..
    وقال تعالّى: * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى* (سورة طه آية : 70) ...

    نلاحظ في الآية الأولى تقديم (موسى) على (هارون) بينما جاء العكس في الآية الثّانية فما السّرُّ في اختلاف التّعبيرين والقصّة واحدة ؟

    الجواب :

    من المعلوم أنّ سحرة فرعون كانوا كثيرين ولمّا رأوا معجزة موسى عليه السّلام أعلنوا إيمانهم بالله ربّ العالمين ،

    فكان من الطّبيعي أن تتباين أقوالهم وتختلف ألفاظهم لذلك انقسموا في ذلك إلى طائفتين :

    الطّائفة الأولى قَالت : * آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * وقدّمت اسم موسى اعتباراً بفضله على هارون

    بالرّسالة وكلام الله تعالى وذلك ما جاء في كلّ من سورتي الأعراف: 121 - 122 ) و(الشّعراء : 47 – 48) ...

    والطّائفة الثّانية قالت : * آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * وقدّمت ذكر اسم هارون لأنّه أكبر في السّنّ من موسى

    وذلك ما جاء في (سورة طه آية : 70) ..

    لكن السّؤال هنا هو : لماذا جاء ذِكر قول الفريق الأوّل في (الأعراف والشّعراء) بينما جاء ذكر قول الفريق الثّاني

    في (سورة طه) ؟؟

    ولماذا لم يأت العكس ؟؟

    قال بعض أهل العلم : " إنّ ذلك كان لمراعاة فواصل الآيات لأنّ الواو تأتي لمطلق الجمع ، ولا تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً " ...

    لكن إذا تأمّلنا سياق الآيات سيتبيّن لنا دقّة التّعبير القرآني فقد جاء كلّ لفظ في مكانه المناسب مع مراعاة المعاني

    وفواصل الآيات :

    أوّلاً : * قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * هذا التّعبير جاء في (سورة الأعراف آية : 122) وكذلك في

    (سورة الشّعراء آية : 47 – 48) ...

    1 – ففي (سورة الأعراف) سياق الآيات كلّه يتحدّث عن رسالة موسى فقط لذلك جاء الخطاب بالإفراد من أوّل القصّة

    إلى آخرها ، وجاء قول الملإ من قوم فرعون الذين قالوا : * إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * (آية : 109) وكانوا يقصدون

    موسى عليه السّلام ...

    فجاء ذكر قول الفريق الأوّل بتقديم اسم موسى على هارون مناسباً هنا لسياق الآيات ...

    2 – في سورة (الشّعراء) ذكر اسم هارون مرّتين وجاءت الإشارة إلى نبوّته في قوله تعالى : * فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا

    إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * (آية : 16 –17)

    تأمّل (فقولا إنّا) مثنّى و(رسولُ) مفرد ، واستمرّ الخطاب بعد ذلك لموسى بالإفراد إلى آخر القصّة ولم يَأت

    التّصريح باسم هارون بعد ذلك وجاء قول فرعون للملإ حوله : * إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * (آية : 34) وكان

    يقصد موسى عليه السّلام ...

    فجاء هنا كذلك ذكر قول الفريق الأوّل بتقديم اسم موسى على هارون مناسباً هنا لسياق الآيات ...

    ثـانـيـاً : * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * هذا التّعبير ورد في (سورة طه آية : 70) ..

    والسّياق في (سورة طه) فيه إثبات لنبوّة هارون بعد قول موسى :* وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي

    اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * ثمّ جاء بعد ذلك ذِكر رسالة هارون في قوله تعالى : * فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا

    رَسُولا رَبِّكَ * إلى قوله : * قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * (الآيات 47 - 49) ..

    تأمّل قوله تعالى : * فَقُولا إِنَّا (رَسُولا) رَبِّكَ * بالتثنية فالخطاب هنا موجّه لموسى وهارون معاً بخلاف الإفراد

    الذي ورد في (سورة الشّعراء) ...

    وتأمّل كذلك كيف جاء هنا ذكر قول الذين قَالُوا : * إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم

    بِسِحْرِهِمَا * (آية : 63) (أي : موسى وهارون) مناسباً في هذا المقام كذلك ..

    فناسب هنا ذكر قول الفريق الثّاني الذي قدّم اسم هارون على موسى في قولهم : * آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * .

    وكذلك إذا نظرنا إلى الحروف المقطّعة التي ابتدأت بها سورة (طه) سنجد أنّ فيها (حرف الهاء) وهو أوّل

    حرف من اسم (هارون) وليس فيها أيّ حرف من حروف كلمة (موسى) بينما ابتدأت (سورة الأعراف)

    ب (المص) وفيه حرف (الميم) وهو أوّل الحروف من اسم (موسى) وكذلك (سورة الشّعراء) ابتدأت

    ب (طسم) وفيها حرفين من حروف كلمة (موسى) وهما (السّين والميم) وليس في كلّ من (المص) و(طسم)

    أيّ حرف من حروف كلمة (هارون) فناسب ذلك تقديم اسم (موسى) في (الأعراف) و(الشّعراء) وتقديم

    اسم (هارون) في (طه) ..

    فتأمّل روعة البيان ودقّة التّعبير في الأسلوب القرآني ...

    والله أعلم ...

    والحمد لله ربّ العالمين ..