بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله

(يا أيها الذين اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيها الذين اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)

أما بعد


دعونا نتكلم بألفاظ عادية سلسلة ليس فيها مصطلحات ولا تعاريف..

لو جاء أبوك وقال لك يا بني غدا سنذهب إلى السوق ، فهل أنت بحاجة لتوثيق كلامه ؟ أم أنه " ثقة " عندك كلامه حق 100%؟

ولو قال لك أبوك أخبرني أبي (يعني جدك) أنه في سنة 1950 حدث كذا وكذا ،، فهل تكذبه أم تصدقه ؟

عكس لو ما جاءك ابن الجيران المعروف بكذبه وتخاليطه فقال غدا إجازة رسمية من الدولة فهل تصدقه ، أم تحتاج لمن يؤكد لك الخبر رسميا ؟ وهذا ما يسمى حديثا مكذوبا

ولو قال لك أخوك (الأصغر منك) حدَّثني جدِّي (وأنت تعلم أن أخاك وُلِد بعد وفاة جدك) بكذا وكذا، ستعلم أن أحدًا أخبره بالقصة وليس أنه سمعها من جده مباشرة، فقد يكون أبوك أخبره أو عمك أو غيرهما. فهذا يسمى حديثا منقطعا للانقطاع بين أخيك وجدك.

ولو أخبرك خالك بقصة غريبة لا يقولها غيره رغم أن خالك لا يكذب ولا يُعرف عليه الكذب، فهذا يسمى حديثا غريبا في المصطلح لانفراد خالك به.

كما لو كان الطلبة في المدرسة فقال لهم الأستاذ قال لنا مدير المدرسة أنَّ وزارة التربية تقول غدا عطلة رسمية فالطلبة حتما ودون تردد لن يحضروا غدا. وهذا ما يُسمَّى الحديث الصحيح

هذا باختصار طريقة حفظ الحديث النبوي والقرآن الكريم مع زيادة الكتابة

لأن العرب الاوائل في الجاهلية وأثناء عصر الإسلام الأول ، لم يكن عندهم ما يشغلهم عن حفظ القرآن والحديث والأشعار وخُطَبِ الأولِّين وحكاياتهم، فلم يكن لديهم تلفزيون ولا تلفون ولا انترنت ، ولا "ويك إند" للخروج في فسحة إجبارية مع الأهل والأصدقاء ، ولا تخطيط لبناء بيت بعد عشرين سنة ، ولا مشروع تجاري ولا هذا الذي يُشغلنا اليوم ، فكانوا يمتازون بصفاء الذهن وقوة الحفظ والفهم الدقيق وسرعة البديهة.

فكان الصحابة إذا سمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم حفظوه وعلّموه من بعدهم الذين أصبح إسمهم "التابعون بإحسان" وكان هؤلاء كسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر ، وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، والحسن البصري ومحمد ابن سيرين، ونافع مولى ابن عمر، وزيد بن أسلم يحفظونه ويبلغُّونه من بعدهم، وكان الحفظ هو الأساسي في حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعكس القرآن الذين كُتِبَ في السنة الثانية عشر للهجرة (بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعام) بمشورة عمر الفاروق لأبي بكر الصديق مخافة أن يضيع القرآن.

فلمَّا جاء عصر المائة الثالثة انتبه مجموعة من حفَّاظ الحديث لهذا الأمر مخافة ضياع السنة ، فانتدبوا لحفظها وتمييز صحيح الروايات من المكذوبة ، فأول من بدأ ذلك أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله (ت 241 هـ ) فله أحاديث في كتابه "المُسند" بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث رجال فقط ، مثال ذلك - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ فَأَتَى عَلَيْهِنَّ النَّبِيُّ وَهُنَّ يَسُوقُ بِهِنَّ سَوَّاقٌ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَنْجَشَةُ ، رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ . وهذا يسمى حديثا عاليا لعلو سنده.
ومثله حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ إِلَى مَكَّةَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجَّةً.

وكان الإمام مالك بن أنس ( ت 178 هـ ) يروي الحديث عن نافع مولى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو أعلى الأئمة سندًا على الإطلاق.

ولتقريب الفكرة ، لو أنَّ والدتك قالت لك سمعت خالتي تقول عام 1961 سافرنا بالطائرة ، فذهبت أنت وسمعت الحديث من خالة أمك لأصبح سند حديثك عاليًا فأنت الآن لا تقول قالت أمي عن خالتها، بل تقول قالت خالة أمي سافرنا بالطائرة عام 1961. وهذا سند أعلى ففيه ميزتان:
1- ارتفاع السند "العُلوُّ"
2- الحفاظ على اللفظ الأصح وهذا يسمى "متن الحديث"

وللإمام البخاري ثلاثيات أيضا منها قال ابو عبد الله :حدثنا المكي بن إبراهيم قال حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يقل علي ما لم اقل فليتبوأ مقعده من النار الصلاة : ابواب سترة الصلاة: باب سترة الأمام سترة من خلفه . مع العلم أن البخاري وُلِد 194 هـ وتوفي 256 هـ

وليس للإمام مسلم ( ت 261 هـ ) ولا لأبي داود ( ت 275 هـ ) ولا للنسائي ( ت 303 هـ ) ثلاثيات بل لهم رباعيات وأكثر من ذلك.

وكل هذا من الحرص على حفظ السنة

هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم