بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله
الخوف من الشرك

الحمد لله ربِّ العالمين، خالق الناس أجمعين، ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 70].

نَحمده تعالى ونشكره، ونُثني عليه بما هو أهله، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، لا ربَّ ولا معبودَ بحقٍّ سواه، وأشهد أنْ لا إله إلاَّ هو الملك الحق المبين، خَلَق الخَلْق لعبادته، ولَم يَطلب منهم رزقًا ولا طعامًا، بل هو الرزاق ذو القوة المتين، وأشهد أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله إلى الثَّقلين، خير مَن وحَّد ربَّه، وأطاعَ خالقه، واستقام على الصراط المستقيم، صلوات ربي وسلامه عليه، صلاةً وتسليمًا دائمين إلى يوم الدين.

أمَّا بعدُ:
فإن مما لا يَختلف فيه العُقلاء أنَّ الأمن مطلب رئيس، لا غِنى عنه، ولا خير في رَغَد عيشٍ لا أمانَ معه، فهل يَهنأ إنسان بطعامٍ من ألذِّ الطعام، أو شراب من أحلى الشراب، وهو يرجف خوفًا، أو ينتظر نزولَ قارعة به، أو يرى أمامه الموت قادمًا لا محالة من عدوٍّ يتربَّص به؟ والأخطار التي تُحْدق بالإنسان كثيرة، فمنها: أخطار تعرض في الحياة الدنيا في أثناء تقلُّبات الأحوال، وتغيُّرات الظروف وتكالُب الأُمم وتسابُقها، وهناك الخطر الأكبر والفزع الأعظم يوم القيامة؛ ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ﴾ [الحج: 2]، ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 6].

يوم تَجثو الأُمم وتنادي؛ ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 27 - 28].

عن هذا اليوم وما فيه من الخوف والخطر يُحدثنا القرآن: ﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ﴾ [المدثر: 8 - 10].

﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ﴾ [المعارج: 11 - 14].

في هذا الخوف العظيم والرعب الكبير مَن هو الآمن يا تُرى؟ مَن هو الذي لا يَقلق حين يخاف الناس ويرعبون؟ مَن الذي لا يمسُّه شيء من ذلك الخوف الذي يعمُّ الخلائق إلاَّ مَن رَحِم الله؟ عن هذا السؤال يُجيبنا القرآن الكريم: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].

قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
"أي هؤلاء الذين أخلَصوا العبادة لله وحده لا شريك له، ولَم يُشركوا به شيئًا، هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة".

ويؤيِّد هذا التفسير ما ورَد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: لَمَّا نزَلت ﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾، قال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: وأيُّنا لَم يَظلم نفسه؟ فنزلَت: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، وفي المسند عنه - رضي الله عنه -: لَمَّا نزَلت هذه الآية ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾، شقَّ ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله، أيُّنا لَم يَظلم نفسه؟ قال: ((إنه ليس الذي تَعنون، ألَم تَسمعوا ما قال العبد الصالح: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، إنما هو الشِّرك)).

ومن هنا، مَن أراد الأمن الحقيقي، فعليه بالتوحيد، وليَحذر كلَّ الحذر من أن يُشرك بالله تعالى شيئًا، وأهل الجنة الذين يأمنون فيها هم الموحِّدون دون مَن عداهم، وهم الذين يَنفعهم إيمانهم ولا عِبرة بالمال والبنين؛ ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 37].

وأمْرُ الشِّرك خطير، وأي خطير! لَمَّا عدَّد الله تعالى في كتابه ثمانية عشر نبيًّا من أنبيائه، وصفوة خَلقه، وعدَّد بعض خِصالهم، عقَّب بهذه الآية العظيمة التي تُبيِّن لنا خطورة الشرك: ﴿ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88].

بل ويوحي الله تعالى إلى أفضل رُسله وأنبيائه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - مُحذِّرًا له من الشِّرك، كما حذَّر جميع مَن سبَقه من الرُّسل؛ ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].

فيا لله العجب، إذا كان أنبياء الله ورُسله، وهم صفوة الخَلق وخير البشر، لو وقَعوا في الشرك وحاشاهم، لترتَّب على ذلك بُطلان جميع أعمالهم الصالحة التي قدَّموها، ولأصبحوا من الخاسرين في الدنيا والآخرة، فإن أمرَ الشرك ليس بالهيِّن، فها هو خليل الله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وهو أبو الأنبياء ومِن أُولي العزم من الرُّسل، يدعو ربَّه ويُناجيه قائلاً: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ﴾ [إبراهيم: 35 - 36].

بل ويوصي الخليل وأبناؤه مَن يأتي من ذريَّتهم بالحذر من الشرك؛ ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 132].

هذا وهو إمام الحُنفاء الذي كان أُمَّة وحْده - وقد كسَّر الأصنام بيده - يخاف أن يقعَ في الشرك، فكيف يأْمَن الوقوع فيه مَن هو دونه بمراتبَ؟ و إذا كان الأمر كذلك يا عباد الله، ألا يستحقُّ موضوع التوحيد أن يطرحَ مرارًا وتَكرارًا؟ وما أحوجَ المسلم إلى تحقيق توحيده، والعناية باعتقاده، والحذر من كلِّ شوائب الشرك، والبُعد عن كل الأعمال المناقضة للتوحيد، فمن خطورة الشرك أنه ذنبٌ لا يَغفره الله، أمَّا ما عداه من الذنوب - وإن كانت من الكبائر - فهي تحت مشيئة الرحمن: إن شاء عذَّب صاحبها، وإن شاء غفَر له؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].

وفي صحيح مسلم: ((مَن لَقِي الله لا يُشرك به شيئًا، دخَل الجنة، ومَن لَقِيه يُشرك به شيئًا، دخَل النار))، وقد يسأل سائل، فيقول: ما حقيقة الشرك الذي حذَّرنا منه وحذَّر قبلنا الأنبياء والمرسلين؟

إن الجواب عن السؤال يُحتِّم علينا أن نعرفَ معنى التوحيد أولاً؛ إذ هو ضد الشِّرك، وبضدها تَتبيَّن الأشياء، أمَّا التوحيد فهو إفرادُ الله تعالى بالعبادة، بأن تكون كلُّ عباداتنا خالصة لله تعالى، لا نُشرك معه فيها أحدًا كائنًا مَن كان، مثل الصلاة والدعاء، والاستعانة والاستغاثة، والحَلِف ونحو ذلك، أمَّا الشرك فهو صَرْفُ شيء من العبادة إلى غير الله تعالى، كمَن يدعو بشرًا ويَستغيث به، ويَطلب منه قضاءَ الحوائج، أو يطوف على القبر بحجَّة كونه قبرَ وَلِيٍّ، أو رجل صالح، ونحو ذلك من صُوَر الشِّرك وهي كثيرة.

ولخطورة الشرك بجميع أنواعه، حذَّر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: ((إنَّ أخوف ما أخاف عليكم، الشِّرك الأصغر))، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: ((الرياء، يقول الله يوم القيامة - إذا جُزِي الناسُ بأعمالهم - اذْهَبوا إلى الذين كنتُم تُراؤون في الدنيا، فانْظُروا هل تَجدون عندهم جزاءً؟))؛ أخرَجه أحمد.

هذا في الشرك الأصغر، فما ظنُّكم بمَن وقَع في الشرك الأكبر، المخرج من مِلَّة الإسلام والعياذ بالله؟!

فيا مَن أنعمَ الله عليه بنعمة الإسلام، وهداه إلى التوحيد، حافِظ على هذه النعمة وارْعَها، واحْذَر أن تزلَّ قدَمك في أوحال الشرك، وأكثر من الدعاء النبوي: ((يا مُقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك)).

واحرِص على التفقُّه في دينك، ومعرفة ما يُخِلُّ بالتوحيد، فكثيرًا ما وقَع الإنسان في الشرك جهلاً منه، وما كلُّ جهلٍ يكون عُذرًا أمام الله تعالى، فالدين كامل والمحجَّة بيضاء نقيَّة، اللهم يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلوبنا على دينك، ربَّنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هدَيتنا، وهَبْ لنا من لدنك رحمة؛ إنَّك أنت الوهَّاب.

الخطبة الثانية
أمَّا بعدُ:
فاتَّقوا الله ربَّكم، وأخلِصوا له العبادة، وأطيعوا رسوله - تُفلحوا؛ ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

فهذان شرطان للسلامة: أن تعمل عملاً صالحًا وَفْق الشرع المحمدي، وألاَّ تُشركَ بربك أحدًا، ومن استكمَل هذين الشرطين، فقد نَجَا.

أيها المسلمون:
إنَّ الذي يرفع يديه يدعو وليًّا أو عبدًا صالحًا، قد أخلَّ بتوحيده، وإن الذي يتحاكَم إلى الطاغوت من قوانين البشر، ويَدَع حُكم الله، قد أخلَّ بتوحيده؛ ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].

﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

وإن الذي يضع ثقته في عُقدٍ، أو تَمائمَ، أو حروز، أو خَرزات - قد أخلَّ بتوحيده.

وإن الذي يطوف بالقبور ويُقرِّب القرابين إلى أهلها، ويَعتقد أنهم ينفعون أو يضرون - قد أخلَّ بتوحيده وجعَله وراءَه ظِهريًّا، وما الفرق بينه وبين كفَّار قريش، حين قالوا محتجين على عبادة الأصنام: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3]؟!

ومَن ظنَّ أنَّ غير الله يَستطيع النفع أو الضر، فقد أخلَّ بتوحيده.

ألا وإن المسلم الموحِّد ليَعلم أنَّ النَّفع والضر بيد الله، وأنه - سبحانه - على كلِّ شيء قدير، لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن أمرَه - سبحانه - لا رادَّ له؛ ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].

وكل ما تُبدعه عقول البشر من اختراعات وإبداعات، إنما هي من الله تعالى وتدبيره، أليس هو القائل - سبحانه -: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96]؟!

والمسلم إذا ألَمَّت به نازلة، أو وقَعت به مصيبة، لَجَأ إلى ربِّه - سبحانه - وهو القريب من عباده؛ ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186].

وإذا كان باب الله تعالى مفتوحًا، فعلامَ نَلجأ إليه من المخلوقين الضُّعفاء؛ ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]؟!

عباد الله:
إن لتحقيق التوحيد وتصحيح المعتقد حلاوةً وطمأنينة؛ ففي الصحيحين: ((ثلاث مَن كنَّ فيه وجَد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبُّه إلا لله، وأن يَكره أن يعود في الكفر، كما يَكره أن يُقذف في النار)).

وفي المقابل، هناك حسرة وألَمٌ يَجنيهما مَن عصى الله تعالى وخالَف أمره، وتعرَّض لوعيده بتَرْك دين الإسلام الذي أرسَل به الله تعالى نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - والله تعالى لا يَقبل الكفر ولا يَرضاه؛ ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ﴾ [الزمر: 7].

وعن عقاب الكافرين وأخْذ الله لهم بالبأس والقوة، يُحدِّثنا القرآن: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [فصلت: 13 - 18].

وعن كفار أهل الكتاب يقول - سبحانه -: ﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].

ويقول - سبحانه - مُبيِّنًا جزاءَ الكافرين وعقابَهم، الذي يأتي من حيث لا يشعرون: ﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النحل: 26].

ويُروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند البيهقي: ((إنَّ حقًّا على الله ألاَّ يَرفع شيئًا من الدنيا، إلاَّ وضَعه الله)).

اللهمَّ أحْيِنا مسلمين، وتوفَّنا مسلمين، وثبِّتنا على الصراط أجمعين، اللهمَّ قنا عذابك يوم تَبعث عبادك، واغفِر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهمَّ أبْرِمْ لأُمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أمرًا رشدًا؛ يَعزُّ فيه دينك وأولياؤُك يا كريم يا منَّان، اللهمَّ رُحماك بأُمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - اللهمَّ أصلِح حالهم واهْدِهم سُبل السلام، وقِهم الشرور والآثام، اللهمَّ مَن أراد بالإسلام والمسلمين شرًّا، فاكْفِهم إيَّاه؛ إنك أنت السميع العليم.

اللهمَّ اكشِف الغُمة، وفرِّج الكُربة، سبحانك ربَّنا وبحمدك، لا يُرَدُّ أمرُك، ولا يُهزم جندك، فأنت القائل - تعالى مجدُك -: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 - 173].

اللهمَّ أنت رجاؤنا، وإليك دعاؤنا، وأنت القريب المُجيب، اللهمَّ فاطر السموات والأرض، عالِم الغيب والشهادة، أنت تَحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهْدِنا لِما اخْتُلِف فيه من الحق بإذنك؛ إنَّك تَهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

اللهمَّ أصلِح واهْدِ وُلاتنا وعلماءَنا، ودُعاتنا وجميع المسلمين؛ إنَّك على كلِّ شيء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله ربِّ العالمين.