السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد..فهذه بعض الأحاديث الضّعيفة والموضوعة التي تتعلّق بالحجّ وأحكامه، لنطهّر ألسنتنا منها، مع بعض الفوائد التي لا غنى لنا عنها..من محدّث العصر رحمه الله تعالى، الشّيخ محمّد ناصر الدّين الألباني..
1- يُـذكَر عن ابن عباس رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليهو سلم قال: « إنَّ للحاجّ الراكِبِ بكلّ خَطْوةٍ تَخطوها راحلته سبعين حسنةً،والماشي بكل خطوةٍ يخطوها سبع مئةِ حسنَةٍ ».ضعيف["الضعيفة" برقم (496)].
-فائدة: قال الشّيخ الألباني-رحمه الله-:"... وكيف يكون (الحديث) صحيحاً وقد صحّ أنّه صلى الله عليه وسلم حجّ راكباً، فلو كان الحجّ ماشيا أفضل؛ لاختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ؛ ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى أنّ الحجّ راكباً أفضل؛ كما ذَكَره النووي في "شرح مسلم"، وراجع رسالتي "حِجّة النبي صلى الله عليه و سلم كما رواها جابر رضي الله عنه " (ص16) من الطبعة الأولى، والتعليق
(16) من طبعة المكتب الإسلامي.


2- حديث: « من تمام الحجّ أن تُـحْرِمَ من دُوَيــْرَةِ أهلِكَ » منكر. ["الضعيفة" برقم (210)].
- فائدة: قال الشّيخ الألباني رحمه الله: قد روى البيهقي كراهة الإحرام قبل الميقات عن عمر، وعثمان رضي الله عنهما وهو الموافق لحكمة تشريع المواقيت، وما أحسن ما ذَكَرَ الشاطبي رحمه الله في "الاعتصام" (1/167)، ومن قبله الهروي في "ذم الكلام" (3/54/1) عن الزبير بن بْكَّار قال: حدثني سفيان بن عيينة قال: (سمعت مالك بن أنس- أتاه رجل- فقال: يا أبا عبد الله! من أين أُحرِم؟ قال: من ذي الحليفة، من حيثُ أحْرمَ رسول الله صلى الله عليه و سلم . فقال: إني أريد أن أُحْرِم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل، فإني أخشَى عليك الفِتنة. فقال: وأيُّ فتنة في هذهِ؟ إنما هي أميال أزيدها! قال: وأيُّ فتنة أعْظَمُ من أنْ ترى أنك سبقتَ إلى فضيلةٍ قصَّر عنها رسولُ الله صلى الله عليه و سلم ؟! إني سمعتُ الله يقول( فَلْيَحْذَرِ الذينَ يُخالِفون عنْ أمْرِهِ أنْ تُصيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُم عذابٌ أليمٌ (63) [النور] .
فانظر مبلغ أثر الأحاديث الضّعيفة في مخالفة الأحاديث الصحيحة والشريعة المستقرة، ولقد رأيتُ بعض مشايخ الأفغان هنا في دمشق في إحرامه، وفهمت منه أنه أحْرَم من بلده! فلما أنكرتُ ذلك عليه احتج عليَّ بهذا الحديث! ولم يدْرِ المسكين أنه ضعيف لا يُحتَجّ به، ولا يجوز العمل به لمخالفته سنّة المواقيت المعروفة، وهذا مما صرّح به الشوكاني في "السيل الجرّار" (2/168).
3- عن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال: « مَنْ أهَلَّ بـحَجَّةٍ أو عُمْرةٍ من المسجدِ الأقصى إلى المسجد الحرام؛ غُفِرَ له ما تقدمَ من ذنبه وما تأخر، أو وجَبَتْ لهُ الجنة » ضعيف [الضعيفة برقم(211)].
4- حديث: « تحيّة البيت الطّوا ».لا أصل له.["الضعيفة" برقم (1012)]. 

 

- فائدة: قال الشّيخ رحمه الله:" ولا أعلم في السنّة القولية أو العمليّة ما يشهد (لمعنى هذا الحديث)، بل إنّ عموم الأدلّة الواردة في الصّلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام أيضاً، والقول بأنّ تحيته الطّواف مخالف للعموم المشار إليه، فلا يُـقْـبَل إلاّ بعد ثبوته-وهيهات-لا سيما وقد ثبت بالتجربة أنّه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم، فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، (( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )) [الحج: 78].
وإنّ ممّا ينبغي التنبّه له أنّ هذا الحكم إنّما هو بالنسبة لغير المُـحرِم، وإلاّ فالسنّة في حقّه أن يبدأ بالطّواف ثمّ بالرّكعتين بعده. [انظر بدع الحج والعمرة في رسالتي "مناسك الحج والعمرة" رقم البدعة (37)]".
5- حديث: « من حجّ البيت، ولم يزرني؛ فقد جفاني » موضوع.["الضعيفة" برقم (45)].
- فائدة: قال: "ومّما يدل على وضعه أن جفاء النبي صلى الله عليه و سلم من الكبائر؛ إن لم يكن كفراً، وعليه فمن ترك زيارته صلى الله عليه و سلم يكون مرتكباً لذنب كبير، وذلك يستلزم أن الزيارة واجبة كالحج، وهذا مما لا يقوله مسلم؛ ذلك لأن زيارته صلى الله عليه و سلم وإن كانت من القُـربات، فإنها لا تتجاوز عند العلماء حدود المستحبات، فكيف يكون تاركها مُجافياً للنبي صلى الله عليه و سلم ومُعْرِضاً عنه؟!".
6- حديث: « من حج، فزار قبري بعد موتي؛ كان كمن زارني في حياتي ».موضوع [الضعيفة رقم (47)].
- فائدة: قال رحمه الله: "واعلم أنه قد جاءت أحاديث أخرى في زيارة قبره صلى الله عليه و سلم ، وقد ساقها كلّها السبكي في "الشفاء" وكلها واهية، وبعضها أوهى من بعض، وهذا أجودها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الآتي ذكره، وقد تولى بيان ذلك الحافظ ابن عبد الهادي في الكتاب المشار إليه آنفاً بتفصيل وتحقيق لا تراه عند غيره، فليرجع إليه من شاء".يقصد كتاب:"الصّارم المنكي في الردّ على السّبكي".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة" (ص57): ( وأحاديث زيارة قبره صلى الله عليه و سلم كلها ضعيفة، لا يعتمد على شيء منها في الدين، ولهذا لم يَرْوِ أهل الصحاح والسنن شيئاً منها، وإنما يرويها من يروي الضعاف، كالدارقطني، و البزار،وغيرهما ).
ثمّ ذكر هذا الحديث، ثم قال: (فإنّ هذا كذبه ظاهر، مخالف لدين المسلمين، فإن من زاره في حياته، وكان مؤمناً به، كان من أصحابه، لا سيما إن كان من المهاجرين إليه، المجاهدين معه، وقد ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: « لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل أٌحُدٍ ذهباً، ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نَصيفَـه ». خرجاه في الصحيحين.والواحد من بعد الصحابة لا يكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة كالحج،والجهاد، والصلوات الخمس، والصلاة عليه صلى الله عليه و سلم ، فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين ( يعني زيارة قبره صلى الله عليه و سلم )، بل ولا شُرِع السفر إليه، بل هو منهي عنه، وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه، فهو مستحب).
(تنبيه): يظن كثير من النّاس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحى نحوه من السّلفيين يمنع من زيارة قبره صلى الله عليه و سلم، وهذا كذب وافتراء، وليست هذه أوّل فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى وعليهم، وكلّ من له اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره صلى الله عليه و سلم واستحبابها إذا لم يقترن بها شيء من المخالفات والبدع، مثل شد الرحال، والسفر إليها، لعموم قوله صلى الله عليه و سلم: « لا تشدّ الرّحال إلا إلى ثلاثة مساجد ». والمُستثنَى منه في هذا الحديث ليس هو المساجد فقط-كما يظنّ كثيرون – بل هو كل مكان يُقصَد للتقرب إلى الله فيه، سواء كان مسجداً، أو قبراً أو غير ذلك، بدليل ما رواه أبو هريرة قال (في حديث له): فلقيت بَصْرة بن أبي بَصْرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلتُ: من الطور. فقال: لو أدركتُـكَ قبل أن تخرج إليه ما خرجت! سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: « لا تُـعْـمَل المطِيُّ إلاّ إلى ثلاثة مساجد...» الحديث.
[أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص226)].
فهذا دليل صريح على أن الصحابة فَهِموا الحديث على عمومه، ويؤيده أنه لم يُنقَـل عن أحد منهم أنه شدّ الرّحال لزيارة قبر ما، فهم سلف ابن تيمية في هذه المسألة فمن طعن فيه، فإنّما يطعن في السلف الصالح- رضي الله عنهم- ورحم الله من قال:
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف"
7- حديث: « من زارني بعد موتي، فكأنما زراني في حياتي ». [باطل. "الضعيفة" برقم (1021)].
8- حديث: « من حجّ حجّة الإسلام، وزار قبري، وغزا غزوة، وصلَّى عليَّ في المقدس؛لم يسأله الله فيما افترض عليه ». [موضوع. "الضعيفة" برقم (204)].
- فائدة: قال رحمه الله تعالى: لقد تساهل السّخاوي رحمه الله بقوله - بعد إيراده إياه في "القول البديع"(ص102):".. وفي ثبوته نظر "؛ فالحديث موضوع ظاهر البطلان، فكان الأحرى به أن يقول فيه -كما قال في حديث آخر قبله -: (لوائح الوضع ظاهرة عليه، ولا أستبيح ذِكْره إلاّّ مع بيان حاله).
ذلك لأنّه يوحي بأنّ القيام بما ذُكِر فيه من الحجّ والزّيارة والغزو يسقط عن فاعله المؤاخذة على تساهله بالفرائض الأخرى، وهذا ضلال، وأيُّ ضلال! حاشا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ينطق بما يُوهِم ذلك، فكيف بما هو صريح فيه؟!
9-عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله تعالى:(( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) قيل: يا رسول الله ! ما السّبيل ؟ قال: « الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ » ضعيف. ["إرواء الغليل"(4/160)].
أخرجه اللدّارقطني (254) والحاكم وقال:"صحيح على شرط الشّيخين" ووافقه الذّهبي، ووخالفهما البيهقي، وذكر أنّ الصّواب أنّه مرسل، وكذا قال ابن عبد الهادي في"تنقيح التّحقيق"(2/70/1)، وذكر أنّه قول شيخ الإسلام. والصّواب أنّ الاستطاعة في الآية عامّة، وليست مجملة فلا تفتقر إلى بيان.
10- عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال: « يلبّي المعتمر حتّى يستلم الحجر ». ضعيف [الإرواء 4/298].
هذا الحديث رواه أبو داود والتّرمذي والبيهقي مرفوعا ولا يصحّ، ولكن صحّ موقوفا كما عند البيهقي، وخالفه ابن عمر فكان يقطع التّلبية إذا دخل الحرم كما في صحيح البخاري، وهو الصّحيح.
والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.