قال البيضاوي والتاج السبكي وشيخ الإسلام زكريا وغيرهم إلخ:- إنه يجب العمل بالعام، ولو بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل البحث عن المخصص، وعللوا ذلك بأن الأصل عدمه، ولأن احتماله مرجوح، وظاهر العموم راجح، والعمل بالراجح واجب، كذا قالوا في مبحث العام والخاص.

ثم قالوا في مبحث تأخير البيان عن وقت الخطاب/وقت الحاجة مسألة مفادها: أنه يجوز أن يسمع المكلفُ اللفظَ العامَّ – وكذا اللفظ المطلق والمجمل – ولا يسمع مخصِّصَه، فيما إذا كان له مخصص، وذكروا له مثال السيدة فاطمة رضي الله عنها؛ حيث طلبت ميراثها، مستدلة بعموم قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم إلخ)، ولم تعلم بوجود مخصصه، وهو (لا نورث، ما تركناه صدقة)، وعدم سماعه للمخصص جائز، يعني يجوز للشارع أن لا يُسْمِعه – أي جميعَ المكلفين، هذا هو فرض المسألة كما صرح بذلك العلامة بحر العلوم – إياه، بل يكفي أن يُسمِعه بعضَ المكلفين، وذلك لكون المكلف متمكنا من البحث عن المخصص، فإذْ لم يبحث عنه فهو المقصر، وليس الشارع مسؤولا عن عدم سماعه، فهذا يعني أنه يجب على المكلف البحث عن المخصص، قبل العمل بالعام.

فلا يخفى من التنافي بين هذه القاعدتين.

وكيف تحل هذا الإشكال ؟


عل الجمع بين القاعدتين أن المكلف الذي هو من أهل الفهم يُمهل بقدر ما ينظر في وجوه تأويل أو تخصيص العام غير مُهمل ولا متأخر عن الوقت الذي يتعين عليه فيه العمل

وقد أشار إلى هذا الجمع مولانا الشيخ الإمام تقي الدين السبكي في رسالته معني قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي ص 96 -97 فقال رحمه الله :

" وقد تكلم الأصوليون في العمل بالعام قبل طلب المخصص والذي أقوله : إن المبادرة إلى امتثال الأمر مطلوبة كمن سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لا رخصة له في تركه ، والمبادرة إلى طلب وجوه التأويل والتخصيص والتقييد وعدم النسخ مطلوبة فلا رخصة في ارتكاب الهوينا بل عليه المبادرة ويُمهل بقدر ما ينظر غير مُهمل ومؤخر عن الوقت الذي يتغين فيه العمل ، وإلا فينقضي العمر ولا يعمل

والمكلف بذلك كل من هو من أهل الفهم بحسب ما تصل إليه قدرته من العلم ، والمبالغة في الطلب واشتراط رتبة الاجتهاد الكامل والتوقف عن العمل حتى يصل إلى أقصى غاية ليس مما تقتضيه سير السلف ،

أما العامي فلا كلام معه إلا أن يقال : هذا حكم الله أو هذا مذهب فلان " اهـ بتصرف يسير

والحمد لله على توفيقه