قال الرازي في المحصول:
الفصل العاشر في ضبط أبواب أصول الفقه قد عرفت أن أصول الفقه عبارة عن مجموع طرق الفقه وكيفية الاستدلال بها وكيفية حال المستدل بها
أما الطرق فإما أن تكون عقلية أو سمعية أما العقلية فلا مجال لها عندنا في الأحكام لما بينا أنها لا تثبت إلا بالشرع وأما عند المعتزلة فلها مجال لأن حكم العقل في المنافع الإباحة وفي المضار الحظر وأما السمعية فإما أن تكون منصوصة أو مستنبطة أما المنصوص فهو إما قول أو فعل يصدر عمن لا يجوز الخطأ عليه والذي لا يجوز الخطأ عليه هو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ومجموع الأمة والصادر عن الرسول وعن الأمة إما قول أو فعل والفعل لا يدل إلا مع القول فتكون الدلالة القولية مقدمة على الدلالة الفعلية والدلالة القولية إما أن يكون النظر في ذاتها وهي الأوامر والنواهي وإما في عوارضها إما بحسب متعلقاتها وهي العموم والخصوص أو بحسب كيفية دلالتها وهي المجمل والمبين والنظر في الذات مقدم علي النظر في العوارض فلا جرم باب الأمر والنهي مقدم على باب العموم والخصوص ثم النظر في العموم والخصوص نظر في متعلق الأمر والنهي والنظر في المجمل والمبين نظر في كيفية تعلق الأمر والنهي بتلك المتعلقات ومتعلق الشئ متقدم على النسبة العارضة بين الشئ وبين متعلقه فلا جرم قدمنا باب العموم والخصوص على باب المجمل والمبين وبعد الفراغ منه لا بد من باب الأفعال ثم هذه الدلائل قد ترد تارة لإثبات الحكم وأخرى لرفعه فلا بد من باب النسخ
وإنما قدمناه على باب الإجماع والقياس لأن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به وكذا القياس ثم ذكرنا بعده باب الإجماع ثم هذه الأقوال والأفعال قد يحتاج إلى التمسك بها من لم يشاهد الرسول صلى الله عليه وأله وسلم ولا أهل الإجماع فلا تصل إليه هذه الأدلة إلا بالنقل فلا بد من البحث عن النقل الذي يفيد العلم والنقل الذي يفيد الظن وهو باب الأخبار فهذه جملة أبواب أصول الفقه بحسب الدلائل المنصوصة ولما كان التمسك بالمنصوصات إنما يمكن بواسطة اللغات فلا بد من تقديم باب اللغات على الكل وأما الدليل المستنبط فهو القياس فهذه أبواب طرق الفقه وأما باب كيفية الاستدلال بها فهو باب التراجيح وأما باب كيفية حال المستدل بها فالذي ينزل حكم الله تعالى به إن كان عالما فلا بد له من الاجتهاد وهو باب شرائط الاجتهاد وأحكام المجتهدين وإن كان عاميا فلا بد له من الاستفتاء وهو باب المفتي والمستفتي ثم نختم الأبواب بذكر أمور اختلف المجتهدون في كونها طرقا إلى الأحكام الشرعية
فهذه أبواب أصول الفقه
أولها اللغات
وثانيها الأمر والنهي
وثالثها العموم والخصوص
ورابعها المجمل والمبين
وخامسها الأفعال
وسادسها الناسخ والمنسوخ
وسابعها الإجماع
وثامنها الأخبار
وتاسعها القياس
وعاشرها التراجيح
وحادي عشرها الاجتهاد
وثاني عشرها الاستفتاء
وثالث عشرها الأمور التي اختلف المجتهدون في أنها هل هي طرق للأحكام الشرعية أم لا


__________________