[size=32]ثبات الأصول
[size=32]بقلم :
الشَّيخ توفيق عمروني حفظه الله
[/size]






[size=32]بسم الله الرحمن الرحيم[/size]
[/size]



إنَّ سلامة منهج أهل السُّنَّة والجماعة وحسن طريقتهم في تميُّزهم عن سائر الفرق والطوائف تكمن في أنَّهم يستمدُّون دينَهم من معين واحد وهو مشكاة الوحي ، فلم يخالفوا الكتابَ ولم يفارقوا السُّنَّة ، ولم ينطقوا بما يناقُضها أو يضادُّهما ، بل يسيرونَ مع السُّنَّة حيث سارت ، ويدورون معَها حيثُ دارت ، ويحكِّمُونها في جميع أمورِهم وشُؤونِهم ، فاستقامَت أصولهم وفروعهم في العِلم والعَمل ، بخلاف مَن زاغَ عن منهجهم وطريقتِهم من أهل البدع والأهواء ، منَ المتفلسفَة والمتكلِّمين والمتصوفة ونحوهم الَّذين أصَّلوا أصولا محدَثةً ، وقعَّدوا قواعدَ باطلةً جعلوها أساسًا لبنائهم ، وسمَّوها قواطع عقليَّة ، وسمَّوا أدلَّتَها براهين يقينيَّةً ، فنتَج عنها فروعٌ هي من أبطل الفُروع ، ولوازمُ هي من أفسَد اللَّوازم ، كتأويل أسماء الله وصفاته ، وتعطيلها ، وكان بناؤهم الَّذي ارتفَع على تلك الأصول من أوهى الأبنية وأضعَفها ، وناقضُوا المعقُول و المنقُول ، ولَزِمَهم ردُّ النُّصوص الصَّريحة الصَّحيحة ، فردُّوا ما لا يجوزُ لهم ردُّه ، وحرَّفوا الكَلم عن مواضِيعه بتأويلات لا يسعفُها لغةٌ ولا شرعٌ .
قال ابنُ القيِّم : " وكلُّ مَن أصَّلَ أصلاً لم يؤصِّلهُ الله ورسولهُ قادَهُ قسرًا ، إلى ردِّ السُّنَّة وتحريفها عن مواضعها ، فلذلكَ لم يؤصِّل حزبُ الله ورسولِه أصلاً غيرَ ما جاءَ به الرَّسولُ ، فهو أصلُهم الَّذي عليه يعوِّلون وجنَّتُهم الَّتي إليها يَرجعون " [ شفاء العَليل (ص :14 ) ].
فانحراف الطَّوائف والفرق – قديمًا وحديثًا – عن صراط الله المستقيم ، سببهُ الرَّئيس هو اعتماد أصول ليس عليها أثارةٌ من علم الكتاب والسُّنَّة ، كتقديم العقل على النَّقل عند التَّعارض ، كتقديم الواقع على الشَّرع تحت مسمَّى فقه الواقع أو مصلحة الدَّعوة ، أو كتقديم المصلحَة على النَّصِّ الصَّريح تحتَ شعار روح الشَّريعة أو فقه التَّيسير ، أو كتأخير أمر الدَّعوة إلى التَّوحيد ومنابذة مظاهر الشِّرك والتَّنديد حفاظًا على مصلحة التَّآلف ، ونحو ذلك ممَّا صيَّروه أصلا وليس بأصل .

وعليه فإنَّ كلَّ من نهج الطَّريق في التَّأصيل كثر منه الاضطراب والتَّناقض ، وتعظم الهوة بينه وبين السُّنَّة كلمَّا استحدث أصلا جديدًا ، وقبض قبضةً من أثر المخالفة ، فيسكتُ عمَّا لا يحسن السُّكوت عنه ، ويعجَلُ إلى ما له فيه أناةٌ ، فيقدِّم ما حقُّه التَّأخير ، ويؤخِّر ما حقُّه التَّقديم ، فيقع في مزَّلة أقدام ، ومضلَّة أفهام ، ولا عصمةَ إلاَّ في اتِّباع السُّنَّة ، ولا أصلَ إلاَّ ما جاءت به السُّنَّة .




المصدر: العدد الواحد والثَّلاثون / مجلَّة الإصلاح – الجزائر

__________________
كانَ ابنُ المبارَك يقولُ: «يَا ابْنَ المبارك! إِذَا عَرَفْتَ نَفْسَكَ، لَمْ يَضُرَّكَ مَا قِيلَ فِيكَ»