هذا مقال كتبه العلامة د. محمد بن خليل هراس، المتوفى سنة 1395هـ رحمه الله تعالى، عنوانه (الرحمن على العرش استوى) قال فيه رحمه الله العلي العظيم:

اعلم أن أهل الإثبات بحمد الله عندهم من هذه النقول ما يملأ مجلدات، وهم لا ينقلون إلا عن كل إمام ثقة في علمه ودينه من سلف الأمة، الذين هم أكملها علماً وإيماناً، وأبرها قلوباً وأقلها تكلفاً وأهداها سبيلاً.
وإليك أيها القارئ طائفة من الحجج والبينات التي يعتمد عليها أهل الحق والإثبات في هذا الباب لكي تدرك الفرق بين ما يسوقه المعطلة من شبه واهية ساقطة، وبين ما يستند إليه أهل الحق من أدلة ناصعة قاطعة.
فمن الكتاب العزيز نسوق هذه الآيات البينات التي لا تقبل جدلاً ولا تحتمل تأويلاً إلا عند من في قلوبهم زيغ، ممن يصرفونها عن معانيها المفهومة منها، إلى ما لا تحتمله من المعاني الفاسدة، جرياً وراء أهوائهم، فيحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون على الله بغير علم.
1- أخبر الله عز وجل في سبعة مواضع من كتابه، أنه استوى على العرش، ولا معنى لذلك أبداً إلا علوه وارتفاعه عليه، كما فسره بذلك مجاهد وأبو العالية وغيرهما من أئمة التفسير، كما رواه عنهم الإمام البخاري في صحيحه عند رده على الجهمية والمعطلة. وكل من حاول صرف هذه الألفاظ عما دلت عليه فقد اتهم الله عز وجل بالقصور في البيان، واتهم كتابه العزيز بالغموض والتعمية والألغاز، فإن اللغة التي نزل بها القرآن لم تستعمل قط لفظ الاستواء متعدياً بعلى إلا بمعنى العلو والارتفاع ونحن نتحدى أن يأتي أحد بنقل صحيح عمن يعتد بهم في لغة العرب أنه ذكر للاستواء معنى غير ذلك.
وأما تأويله بالاستيلاء على العرش استناداً إلى قول الشاعر المجهول:

قد استوى بشر على العراق *** بغير سيف أو دم مهراق

فهو من أسمج التأويلات وأشدها فساداً، إذ يقتضي أن العرش كان في حوزة غيره سبحانه، فلما خلق السموات والأرض ملكه واستولى عليه، مع أنه سبحانه لم يزل مستوياً على العرش وعلى الملك كله منذ خلقه، وأيضا لو كان الاستواء بمعنى الاستيلاء كما يزعمون لما كان للاستواء معنى خاصاً بالعرش، بل لجاز أن يقال استوى على الأرض، كما يقال استوى على العرش. إذ هو مستول عليها كاستيلائه على العرش.
وليس فى استيلائه على العرش معنى يمدح به، فإن العرش لا يعدو أن يكون من جملة مخلوقاته، وإنما يظهر المدح في ارتفاعه وعلوه عليه لتدبير أمور خلقه، كما قال من سورة يونس عليه السلام: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}.
2- سمى الله عز وجل نفسه في كتابه بأنه: {العلي} و {الأعلى} و {المتعال}، وإطلاق هذه الأسماء يقتضي ثبوت كمال العلو له سبحانه، بأن يكون العلو ثابتاً من كل وجه فيتناول علو ذاته فوق خلقه، وعلو مكانته وقدره وعلو غلبته وقهره، فمن خص علوه ببعض هذه المعاني دون بعض فقد قيد ما أطلق الله، ونقص من معنى العلو الذي هو صفة كمال بغير حجة.
3- أخبر الله عز وجل أن بعض الأشياء تنزل من عنده كقوله في شأن القرآن الكريم: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ}، وقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، كما أخبر أن بعض الأشياء تصعد إليه، كقولهِ سبحانه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}، {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ }، {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}، {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}، فكيف يتحقق أن يكون سبحانه مبدأ لما ينزل أو منتهى لما يصعد، إذا لم يكن عالياً على خلقه؟! وإذا كان لا يليق بأحد منا أن يقول لغيره ائت إلي في مكان كذا، ثم يذهب فلا يجده هناك، أليس ذلك غشاً وتضليلاً يتنزه عنه أحكم الحاكمين؟
4- أخبر الله سبحانه أنه في السماء بقوله في سورة الملك: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}، فهل هناك أصرح في إثبات علوه تعالى على خلقه، من إخباره عن نفسه بأنه في السماء أي في تلك الجهة؟ وهل يليق بأحد من العقلاء أن يقول أنا في البيت أو في المسجد من غير أن يكون فيه؟ وما الذي يدعوه سبحانه إلى أن يثبت لنفسه ما ليس بثابت، بل ما هو في زعمكم مستحيل الثبوت؟ ومن العجيب أن هاتين الآيتين قد سيقتا في معرض التهديد والوعيد لإحداث الخشية والمهابة، فإذا لم يكن هو سبحانه في السماء كما أخبر، فأي معنى لذلك التهديد وهل يبقى له فى النفس أثر؟
5- قال الله تعالى في شأن الملائكة: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، ولا شك أن لفظ الفوق إذا جاء مجرورا بـ(من) لا يفهم منه إلا فوقية المكان، كما في قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}، وكقوله: { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} ... الآية، وإذا لم تكن هذه فوقية مكان فما عسى أن تكون؟ لعلكم تقولون أنها فوقية قهر وقدرة، فما الموجب لصرفها عن حقيقتها؟ وأي مدح في تلك الفوقية مع أن قدرته على الخلق كلهم ليست محل شك.

ألم تر أن السيف ينقص قدره *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

6- أخبر الله سبحانه عن بعض الأشياء أنها عنده، كقوله عن الملائكة: { إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}، {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ}، وكقوله عن أهل الجنة: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}، { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}، وكقوله حكاية عن امرأة فرعون: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ}، فما معنى هذه العندية إذا لم تقتض المجاورة والقرب؟ وإذا كانت كل الأشياء سواء بالنسبة إليه سبحانه، لا تفاوت بينها بالقرب والبعد، كما يزعم هؤلاء المعطلة؛ أن محمداً وهو عند سدرة المنتهى لم يكن أقرب إلى الله من يونس وهو في بطن الحوت، فكيف يصح تخصيص بعض الأشياء بكونها عنده؟
7- قال الله تعالى في شأن فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا}، فمن الذي أخبر فرعون بأن إله موسى في السماء، حتى أمر هامان ببناء الصرح ليصل إليه؟ لا شك أن الذي أخبره بذلك هو موسى عليه السلام نفسه، بدليل قول فرعون بعد ذلك وإني لأظنه كاذباً أي فيما أخبرني به من أن إلَهَهُ في السماء. ولا يعقل أن يكون فرعون فعل ذلك من عند نفسه لأنه نفى أن يكون معه إله غيره، فكيف يفترض وجود إله أعلى منه في السماء؟
8- أخبر الله عز وجل أنه يجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، كما في قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ}، وكقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}. فمن أين يجيء الرب جل شأنه، هل يجيء من أمامهم أم من خلفهم أم عن أيمانهم أم عن شمائلهم أم من تحتهم؟
وإذا كانت كل هذه الجهات الخمس لا تصلح أن يأتي منها الرب فلم يبق إلا أن يأتيهم من فوقهم سبحانه وتعالى.
ونكتفي بهذا القدر من آيات الكتاب العزيز ففيه لطالب الهدى كفاية ومقنع.

وننتقل إلى السنة المطهرة التي أثبتت ما أثبته الكتاب، ولم يرد فيها أصلاً نفي أو تأويل لما ورد فيه من الصفات. وسنجتزئ منها بالصحيح خوفاً من التطويل وحتى لا نفتح المجال لقال أو لقيل.
1- منها حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: كانت لي غنم بين أحد والجوانية فيها جارية لي فأطلقتها ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة، وأنا رجل من بني آدم، فأسفت فصككتها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فعظم ذلك عليَّ، فقلت يا رسول الله أفلا أعتقها؟ فقال: دعها، فدعوتها، فقال لها: (أين الله؟) قالت: في السماء، قال: (من أنا؟) قالت: أنت رسول الله، قال: (أعتقها فإنها مؤمنة)، أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
2- ومنها حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون) متفق عليه.
3- حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفة: (ألا هل بلغت) فقالوا: نعم، يرفع اصبعه إلى السماء وينكتها إليهم ويقول: (اللهم اشهد) أخرجه مسلم.
4- حديث أبي هريرة: (إن الله لما قضى الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إنَّ رحمتي سبقت غضبي) متفق عليه.
5- حديث أبي سعيد الطويل في الخوارج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني الوحي صباحاً ومساء).
6- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
7- حديث أنس بن مالك أن زينب بنت جحش كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: (زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات). وفي لفظ أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (زوجنيك الرحمن من فوق عرشه)، صحيح رواه البخاري.
8- حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها)، أخرجه مسلم.
9- حديث أبي هريرة أيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإنه يتقبلها بيمينه ويربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تصير مثل الجبل) أخرجه البخاري.
10- حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن معاذ يوم بني قريظة: (لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سموات).
11- حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الشفاعة الطويل: (فأستأذن علي ربي في داره فيؤذن لي عليه). وفي رواية: (فآتي باب الجنة فيفتح لي فآتي ربي تبارك وتعالى وهو على كرسيه أو سريره فأخر له ساجدا).
12- حديث أبي هريرة وغيره في نزول الرب تبارك وتعالى وهو حديث متواتر ولفظه: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال هكذا حتى يطلع الفجر). وقد ورد في بعض الروايات: (لا أسأل عن عبادي غيري) فهل يعقل نزول إلا ممن هو عال؟ لكن بعض العلماء يمارون في حديث النزول ويعترضون عليه بأن في كل لحظة من الزمان ثلث ليل آخر، فهلا اعترضوا بذلك على قائله عليه الصلاة والسلام؟
وإذا كان هذا هو مبلغ إيمان هؤلاء بكلام نبيهم، فماذا نملك نحن لهم؟ اللهم إنها فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء.
13- حديث الإسراء والمعراج، وهو متواتر أيضاً، وفيه: (ودنا الجبار فتدلى حتى كان قاب قوسين أو أدنى) وفيه أيضاً أن موسى قال لنبينا عليهما الصلاة والسلام: (ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف) وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مازلت أرجع بين ربي وبين موسى).
ونجتزئ بهذا القدر من السنة المطهرة، وكلها أحاديث متونها وأسانيدها كالشمس في الإشراق، ولكن المعطل الجاحد بما في قلبه من غرض التعطيل لا يسيغها بل يشرق بها.

ومن يك ذا فم مر مريض *** يجد مراً به الماء الزلالا

وأورد بعد ذلك ما يتسع له المجال من كلام الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الهدى الذين هم أعرف بالله ودينه وكتابه، وأشد تنزيها له من هؤلاء النافين الجاحدين.
1- أخرج البخاري في تاريخه من حديث نافع عن ابن عمر قال: "لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه: أيها الناس، إن كان محمد إلهكم الذي تعبدون فإنه قد مات، وإن كان إلهكم الذي في السماء، فإن إلهكم لم يمت".
2- قال عمر رضي الله عنه في شأن خولة بنت ثعلبة: "هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات".
3- قال عبد الرحمن بن غنم: سمعت عمر بن الخطاب يقول: "ويل لديان الأرض من ديان السماء يوم يلقونه، إلا من أمر بالعدل فقضى بالحق ولم يقض على هوى ولا على قرابة ولا على رغبة ورهبة، وجعل كتاب الله مرآة عينيه".
4- روى عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال: "العرش فوق الماء والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم".
5- وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "من قال سبحان الله والحمد لله والله أكبر، تلقاهن ملك فعرج بهن إلى الله فلا يمر بملأ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وجه الرحمن عز وجل".
6- وصح عنه كذلك أنه قال: "إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى إذا تيسر له، نظر الله إليه من فوق سبع سموات، فيقول للملائكة اصرفوه عنه فإنه إن يسرته له أدخلته النار".
7- وصح عن عائشة أنها قالت يوم قتل عثمان: "وايم الله إني لأخشى لو كنت أحب قتله لقتلت، ولكن علم الله فوق عرشه أني لم أحب قتله".
8- روى الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قالت: "الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به إيمان والجحود به كفر" وهذا القول محفوظ كذلك عن ربيعة الرأي ومالك بن أنس وغيرهما.
9- كان مسروق إذا حدث عن عائشة يقول: "حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سموات".
10- قال نوف البكالي من وعاظ التابعين : "إن موسى عليه السلام لما سمع كلام الله قال: من أنت الذي يكلمني؟ قال: أنا ربك الأعلى".
11- وروى اللالكائي عن ثابت البناني قال: "كان داود يطيل الصلاة ثم يرفع رأسه إلى السماء ويقول إليك رفعت رأسي، نظر العبيد إلى أربابها، يا ساكن السماء".
12- روى مقاتل بن حيان عن الضحاك في قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}، قال: "هو على عرشه وعلمه معهم"، وفي لفظ: "هو فوق العرش وعلمه معهم حيث كانوا".
13- قال الحكم بن عبد الله البلخي صاحب الفقه الأكبر: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض. فقال: "قد كفر. لأن الله تعالى يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وعرشه فوق سمواته". فقلت: إنه يقول: أقول على العرش استوى ولكن قال: لا يدرى العرش في السماء أو في الأرض، فقال: "إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر".
14- قال الأوزاعي إمام أهل الشام: "كنا، والتابعون متوافرون، نقول إن الله عز وجل فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته".
15- روى البيهقي بإسناده عن مقاتل بن حيان وهو إمام ثقة في قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ}، قال: "هو الأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، والظاهر فوق كل شيء، والباطن أقرب من كل شيء، وإنما قربه بعلمه وهو فوق عرشه".
16- روي عن سفيان الثوري أنه قال في أحاديث الصفات: "أمرها كما جاءت بلا كيف".
17- روى عبد الله بن رافع عن مالك إمام دار الهجرة أنه قال: "الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء".
18- روي عن علي بن الحسن بن شقيق أنه قال: "قلت لعبد الله بن المبارك: كيف نعرف ربنا عز وجل؟ قال: في السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية: أنه هاهنا في الأرض".
19- روي من طريق صحيح عن الشافعي رحمه الله أنه قال: "القول في السنة التي أنا عليها ورأيت الذين رأيتهم، مثل سفيان ومالك وغيرهما: إقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الله على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء".
20- روى أبو بكر الخلال قال: قيل لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل رحمه الله: الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه في كل مكان؟ قال: "نعم هو على عرشه ولا يخلو شيء من علمه".
ويتعب القلم وينفد المداد لو حاولنا إحصاء كل ما روي عن هؤلاء الأئمة الأعلام، حفاظ السنة وقامعي البدعة، فلنكتف بهذا القدر الآن. فإنما أردنا به أن يتبين طلاب الحق أين هو؟ أهو في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام صحابته والتابعين لهم، وأئمة الهدى في كل عصر وزمان؟ أم هو في قول جهم بن صفوان وأشياعه وتلاميذه في التعطيل والنكران؟ والله هو وحده المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.