قال اللهُ تعالى: "قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ الله كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بالله وَحۡدَهُۥٓ".
وقال اللهُ تعالى: "وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦٓ إِنَّنِي بَرَآءٞ مِّمَّا تَعۡبُدُونَ ٢٦ إِلَّا ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُۥ سَيَهۡدِينِ "
وقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: "من قالَ : لا إلهَ إلَّا الله ، وكفر بما يُعبَدُ من دون الله ، حُرِّم مالُهُ ودمُهُ . وحسابُهُ على الله . وفي روايةٍ : مَن وحَّدَ الله . ثُمَّ ذكر بِمثلِه".
فكلمةُ التَّوحيدِ الخالصةُ للهِ تعالى، تتضمَّنُ إيماناً وكفراً، تتضمنُ الإيمانَ بالمعبودِ الواحدِ الأحدِ تبارك وتعالى، وتتضمنُ الكُفرَ بكلِّ ما يُعبَدُ من دونِ اللهِ تعالى، فكلُّ معبودٍ من دونِ الله، وكلُّ عبادةٍ تُصرَفُ إلى غيرِ اللهِ تعالى، فهي عبادةٌ باطلةٌ والمعبودُ من دونِ الله لا يستحقُّ العبادة.
إذن كان لا بُدَّ لنا أن نعلمَ بأنَّ الإيمانَ باللهِ واحداً أحداً متفرداً بالعبادةِ يستلزمُ عملاً ألا وهو ألا نعبدَ إلا الله، ولا ندعوَ إلا الله، ولا نصفَ اللهَ إلا بما وصف به نفسَه، ولا نُسميه إلا بما سمَّى به نفسَه، هذا هو الإيمانُ الحقيقيُّ باللهِ تعالى.
ولا بُدَّ أن نعلمَ أنَّ الكفرَ بما يُعبَدُ من دونِ اللهِ تعالى يتضمَّنُ أن نكفرَ ونُبغضَ ونتبرأَ من كل المعبوداتِ التي تُعبَدُ من دونِ اللهِ تعالى، وأن نعتقدَ قولاً وعملاً أن هذه المعبوداتِ باطلة، وهذا كلُّه يقتضي أن نعلنَ البراءةَ والبغضَ والعداوةَ لكلِّ عبادةٍ تُصرَفُ إلى غيرِ اللهِ تعالى.
فمَنْ قال إنَّ للهِ وَلَداً، وعبدَ ذلك الابنَ المدعوَّ من دونِ اللهِ تعالى، فيجبُ علينا هنا أن نُعلنَ براءتينِ: براءة وعداوة وبغضاء لمن عبدَ من دون اللهِ تعالى، وبراءة من ذاتِ العبادة نُبغضُها؛ لأن اللهَ يُبغضُ هذا الفعلَ ولا يرضاه قال تعالى: "إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ".
وقال تعالى مُعلناً بُغضَه وسُخطَه لمن قال إن اللهَ قد اتخذ وَلَداً: "وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗا ٨٨ لَّقَدۡ جِئۡتُمۡ شَيۡ‍ًٔا إِدّٗا ٨٩ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرۡنَ مِنۡهُ وَتَنشَقُّ ٱلۡأَرۡضُ وَتَخِرُّ ٱلۡجِبَالُ هَدًّا ٩٠ أَن دَعَوۡاْ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٗا ٩١ وَمَا يَنۢبَغِي لِلرَّحۡمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ٩٢ إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّآ ءَاتِي ٱلرَّحۡمَٰنِ عَبۡدٗا ٩٣ لَّقَدۡ أَحۡصَىٰهُمۡ وَعَدَّهُمۡ عَدّٗا ٩٤ وَكُلُّهُمۡ ءَاتِيهِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَرۡدًا ٩٥ ".
وقال تعالى: "لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ".
وفي حديث البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: "كذبني ابن آدم وما ينبغي له أن يكذبني، وشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني. وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا. وأنا الله الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد"
فادِّعاءُ أنَّ للهِ ولداً، وأنه ثالثُ ثلاثةٍ، وأن لهُ شريكاً في العبوديةِ والألوهية التي هي من أخص خصائصِ الربِّ العظيمِ، هو من شتمِ اللهِ وتكذيبِ اللهِ تعالى، تعالى اللهُ عما يقولون علوًّا كبيراً.
ونحنُ مأمورون - كما نقلتُ لكم آنفاً - بالكفرِ بما يُعبَدُ من دونِ اللهِ تعالى، وببغض ما أبغضه اللهُ تعالى من الشركِ باللهِ تعالى، وبُغضِ شتمِ الإله بادِّعاءِ أنَّ لهُ ولداً وُلِدَ في تاريخٍ مُعيَّنٍ مثل 25/12 أو 1/1.
قال تعالى: "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باللهِ فقدِ استمسك بالعُروةِ الوُثقى لا انفصامَ لها واللهُ سميعٌ عليمٌ"
ونحنُ مأمورون بإعلانِ البراءةِ مما يُعبَدُ من دون الله، ومأمورون بإعلانِ العداوة والبغضاء لعبادةِ غير اللهِ تعالى، وشتم اللهِ تعالى بادِّعاءِ الوَلَدِ له سبحانه وتعالى.
هُنَا تعلمُ أيُّهَا المؤمنُ المُوَحِّدُ، يا مَن نبذ التعصبَ، ويا مَن دخل التوحيدُ سُوَيْداءَ قلبِك، تعلمُ جيداً أنَّ "لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله" ليست قولاً باللسان فقط، ولا صلاةً وصياماً وحجاً وزكاةً وجهاداً وبرًّا للوالدَينِ وحسنَ خُلُقٍ فقط، إنَّما البراءةُ من الكفر والكفار وعبادة غير اللهِ تعالى وعقيدةِ الباطلِ التي منها عقيدةُ التثليث والصلب وولادة ابنٍ للهِ تعالى هذه أيضاً ركنٌ ركينٌ، وأصلٌ أصيلٌ لكلمةِ "لا إلهَ إلا الله محمدٌ رسولُ اللهِ".
ومن المعلومِ أنَّ أعيادَ الدياناتِ كلِّها، أكانت الدياناتِ الباطلة أم ديانةَ الحق الديانة السماوية الوحيدة وهي دينُ الإسلامِ دينُ التوحيد الذي جاءَ به الأنبياءُ والمرسَلون جميعاً، كل هذه الأعياد بُنيتْ على عقائدِ تلك الديانات كلها.
إذن العيدُ مبنيٌّ على عقيدةٍ.
وعقيدةُ النصارى قائمةٌ على أنَّ اللهَ قد اتخذ ولداً وأن هذا الولدَ إلهٌ يُعبَدُ من دون اللهِ تعالى.
ولهم أعيادٌ يحتفلون بها، كلُّها بلا استثناء أعيادٌ قائمةٌ على هذه العقيدةِ الشركيةِ الوثنية.
إذن عيدُهم قائمٌ على عقيدةٍ معروفة معلومة، وهي اتخاذُ اللهِ ولداً، وهذا الوَلَدُ شريكٌ للهِ في الملكِ والعبادةِ.
إذن - يا رعاك الله - يا مَن فَطِنَ لمعنى "لا إله إلا الله محمد رسول الله":
اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم أمَرَا بالكُفرِ والبراءة وإعلان العداوة والبغضاء لكلِّ ما يُعبَدُ من دونِ اللهِ تعالى، ولكل عقيدةٍ يُشرَك فيها باللهِ تعالى، أو يُشتَمُ فيها الله بوصفِه بصفات النقصِ كاتخاذِ الوَلَدِ.
وهذه الأعيادُ التي ستُخيِّمُ بالظلامِ على أمةِ الإسْلامِ قائمةٌ على ما أُمِرْنا نحنُ ببغضِه وإعلانِ العداوةِ له والبراءةِ منه.
ففي هذه الأعيادِ يُكفَرُ بالعزيزِ الحكيم، ويُشرَكُ بالواحدِ الأحدِ العليم، ويُشتَمُ الجبَّارُ الحليم، فيُشركونَ بعيسى مع اللهِ، ويكفرون باللهِ لأجل عيسى عليه السلامُ، ويشتمونَ اللهَ بعيسى عليه السلامُ.
هذه هي أعيادُهم، وعلى هذا تقومُ، وهذه هي أفعالُهم في هذه الأيامِ.
فنحنُ مأمورون بإعلان البغض والعداوة والكرهِ والبراءةِ في مقابلِ هذه الأفعال كلها؛ لأننا أُمرنا بأن نكفرَ بما يُعبَدُ من دون الله تعالى، وعلَّمَنا الله بأن ادعاءَ الولد له شتمٌ للذاتِ المُقدَّسَةِ، ولسْنا مأمورينَ بإعلانِ الفرحِ، والانبساطِ لهذه الأفعال الشنيعة، ومشاركةِ هؤلاء بما يفعلونه من كفر وشتم للهِ تعالى.
إذن ولأجلِ ذلك كلِّه:
تهنئةُ النصارى بأعيادِهم، هو تهنئةٌ لهم على ما يفعلونه من كفر وشتمٍ للهِ تعالى، وشركٍ به سبحانَه؛ لأن أعيادَهم مبنيةٌ على ما ذكرْنا آنفاً.
وتهنئةُ النصارى بأعيادهم مخالفٌ للواجبِ الذي علينا وهو إعلانُ العداوةَ والبغضاءَ للكفر باللهِ تعالى، والكفرُ با يُعبَدُ من دون اللهِ تعالى.
فتهنئةُ النصارى بأعيادِهم حرامٌ ولا يجوزُ، بل هو مما يخالفُ معنى "لا إلهَ إلا الله"، ويخالفُ مقتضاها، أقولُ هذا:
قطعاً لا احتمالاً، يقيناً لا ظنًّا، بَتَّا لا شكًّا.
وادعاءُ الخلافِ بين علماءِ المسلمين المعتبرين الربانيين (دعونا من المعاصرين مع احترامي للجميع، بل أتحدثُ عن علماءِ السلف ومن تبعهم من علماءِ المذاهب الفقهية السُّنيَّة السَّنيَّة وأتباعهم)، كذبٌ على الأمةِ، وتلبيسٌ على العامَّةِ.
قال الإمام ابن القيم: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه"
#‏تأمل قال لك : "حرام بالاتفاق.
و #‏تنبه للمثال الذي أورده فإنه مفيدٌ.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" وتهنئتُهم من التسبه بهم.
وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخط ينزل عليهم. أخرجه البيهقي بسند صحيح. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
قال أبو حفص الكبير الحنفي رحمه الله : "لو أن رجلا عبد الله تعالى خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز وأهدى إلى بعض المشركين بيضة يريد تعظيم ذلك اليوم فقد كفر وحبط عمله وقال صاحب الجامع الأصغر إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر ولم يرد به تعظيم اليوم ولكن على ما اعتاده بعض الناس لا يكفر ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصة ويفعله قبله أو بعده لكي لا يكون تشبيها بأولئك القوم , وقد قال صلى الله عليه وسلم { من تشبه بقوم فهو منهم } وقال في الجامع الأصغر رجل اشترى يوم النيروز شيئا يشتريه الكفرة منه وهو لم يكن يشتريه قبل ذلك إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما تعظمه المشركون كفر , وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر" البحر الرائق شرح كنز الدقائق للعلامة ابن نجيم (8/555)
سئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم لكفرهم الذي اجتمعوا له . قال وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له . ورآه من تعظيم عيده وعونا له على مصلحة كفره . ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئا من مصلحة عيدهم لا لحما ولا إداما ولا ثوبا ولا يعارون دابة ولا يعانون على شيء من دينهم ; لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك , وهو قول مالك وغيره لم أعلم أحدا اختلف في ذلك.
المدخل للعلامة ابن الحاج المالكي (2/46-48)
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله تعالى في ( باب الردة ) :
(ثم رأيت بعض أئمتنا المتأخرين ذكر ما يوافق ما ذكرته فقال : ومن أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبه بأكلهم والهدية لهم وقبول هديتهم فيه وأكثر الناس اعتناء بذلك المصريون وقد قال صلى الله عليه وسلم { من تشبه بقوم فهو منهم } بل قال ابن الحاج لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانيا شيئا من مصلحة عيده لا لحما ولا أدما ولا ثوبا ولا يعارون شيئا ولو دابة إذ هو معاونة لهم على كفرهم وعلى ولاة الأمر منع المسلمين من ذلك ومنها اهتمامهم في النيروز بأكل الهريسة واستعمال البخور في خميس العيدين سبع مرات زاعمين أنه يدفع الكسل والمرض وصبغ البيض أصفر وأحمر وبيعه والأدوية في السبت الذي يسمونه سبت النور وهو في الحقيقة سبت الظلام ويشترون فيه الشبث ويقولون إنه للبركة ويجمعون ورق الشجر ويلقونها ليلة السبت بماء يغتسلون به فيه لزوال السحر ويكتحلون فيه لزيادة نور أعينهم ويدهنون فيه بالكبريت والزيت ويجلسون عرايا في الشمس لدفع الجرب والحكة ويطبخون طعام اللبن ويأكلونه في الحمام إلى غير ذلك من البدع التي اخترعوها ويجب منعهم من التظاهر بأعيادهم).
الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي (4/238-239)
قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع (3/131): "( ويحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم ) ; لأنه تعظيم لهم أشبه السلام"
فادعاء الخلاف دعوى بلا دليل ولا برهان، واعلم أنَّ كلَّ خلافٍ حدث بعدَ إجماعٍ، فالخلافُ باطلٌ والإجماعُ لا يُنقضُ بخلافٍ.
عدا عن أدلة الكتاب والسنة وأظنها كافيةً في هذا المقام.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وسلم.