(ليس كمثله شيء)

دَرَسْتُ وأنا تلميذ في المدرسة الإعدادية ثم الثانوية في مصر ، درستُ صفات الله  (ليس كمثله شيء) .... ومخالفة الله للجوادث  3za ، وكنت أدرسها من كتاب التربية الإسلامية المقرر.

وهو كتاب مختزل في مئة صفحة تقريبا ، يُدَرَّس في ٩٠ دقيقة على حصتين أسبوعيا ، وعلى يد معلم ليس معه من الثقافة الإسلامية من عقيدة وفقه وغيرهما إلا - بالكاد - المعلوم من الدين بالضرورة.

وكان الكتاب يذكر الصفة وتحتها دليل عقلي ودليل نقلي، أما الدليل العقلي فكان شيئا عجبا ؛ إذ يكاد يكون هو نفسه ، بل بلفظه في كل الصفات ، والدليل النقلي يسوق لنا فيه آية أو حديثا نَبَوِيا.

وكنا - نحن الطلاب - نحفظ ذلك ، ونَتَقَيأه في ورقة الإجابة يوم الامتحان.

أما صفات الله من السمع والبصر وغيرها - على قصور الكتاب وعجز المعلم - فكنتُ أدركها بشيء من الفِطرة ، فكان قلبي وعقلي يخاطباني:
إنَّ الذي وَهَبَنا السمع والبصر لابد أن يكون سميعا بصيرا ، والذي غَرَسَ فينا الإرادة لابد أن يكون مريدا ،
والذي وهبنا العلم وحُسْنَ التدبير لابد أن يكون عليما حكيما ؛
إذ أنَّ فاقد الشيء لا يعطيه.

أما صفة :
(مخالفة الله للحوادث)
فلم أُدرك كُنْهَها ، ولم أعِ معناها ،
ولم يكن في المعلم رجاء.
فقد ساق الكتاب الدليل النقلي آية "ليس كمثله شيء"
والدليل العقلي:
إن الله لو لم يكن مخالفا للحوادث ، لكان موافقا لها ، ولَجَرَى عليه ما يَجْري على خلقه ، وهذا نقص في حق الله ، والنقص مُحَال على الله.
وكفى.

وما كنتُ أقرأ - وأنا في هذه السن - إلا الصحف وشيئا من القصص ، وشيئا من كتب السير والتاريخ.

ولعل أسوأ وأخبث ما قرأتُ في تلك الفترة (الصحف) وكنتُ أتابعها دائما ؛ فقد غَرَسَت فيَّ تَوَجُّهات وأفكارا مُضَلِّلة احْتَجْتُ بعدها لزمن طويل لتصحيحها.

وظَلَلْتُ في حيرة من هذه الصفة (مخالفة الله للحوادث) حتى بدأتُ المطالعة في بعض كتب العقيدة،
فَعَلِمْتُ أنها أَخَصُّ صِفَة لله  (ليس كمثله شيء) .... ومخالفة الله للجوادث  3za ، بل هي أعظم صفاته ، بل لعلها هي أصل صفات ألوهيته  (ليس كمثله شيء) .... ومخالفة الله للجوادث  3za ،
وهي أصل صفات ربوبيته.
إذ أن أساس هذه الصفة :
مخالفة الخالق للمخلوق في كينونته وفي صفاته.

فإننا نسمع ونرى بآلات ، والله يسمع ويرى بكيفية فوق إدراكنا لا يعلمها إلا هو.
وليس لنا أن نتفكر فيها ؛
فإن الله  (ليس كمثله شيء) .... ومخالفة الله للجوادث  3za :
كشف لنا عن صفاته وأسمائه
وشيئا من أفعاله ،
ولم يكشف لنا عن ذاته.

وقد كشف لنا عن بعض آيات قدرته في خلقه وفي الكون ، ودعانا إلى تأملها وتدبرها ، فهي السبيل لمعرفة الله ، والإيمان به ، والتسليم له.

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
إنه  (ليس كمثله شيء) .... ومخالفة الله للجوادث  3za:
ليس يشبهه شيء في ذاته
ليس يشبهه شيء في أسمائه
ليس يشبهه شيء في صفاته
ليس يشبهه شيء في أفعاله

إن الله  (ليس كمثله شيء) .... ومخالفة الله للجوادث  3za :
لا يحيط به مكان ، ولا يحويه زمان ،
ونحن يمضي علينا الزمان ونفنى ، ويحوينا المكان ونبلى.

وصدق القائل:
" لا تتفكروا في ذات الله ، وتفكروا في خلقه وآلائه"

إن التفكير في ذات الله يحملك على الشطط ، ويزيع بك عن سُبُل الهُدى والرَّشد.

أما التأمل في آيات خلقه ، والتدبر في عظيم قدرته ، والتدقيق في إحكام صنعته، فإنه يحملك على:
ترسيخ الإيمان في قلبك ،
وتثبيت يقينك بربك ،
وتقوية محبتك له ،
وتعلق روحك به.

التقيتُ يوما أحد الأخوة
فقال : رُبَّ صُدفة خير من ألف ميعاد.
فقلت : بل هو قَدَرٌ قَدَّرَه الله ؛
أنا وأنت لم نرتب للقاء ،
فهو علي وعليك صدفة ،
لكنه قَدَرٌ قد قَدَّرَه الله قبل أن يخلق الخَلق.

وهذا أحد الجوانب لصفة الله (مخالفته للحوادث) ،
إنما تجري الحوادث على الخلق ولا تجري على الله ؛
فهو -  (ليس كمثله شيء) .... ومخالفة الله للجوادث  3za - قد قَدَّرَها سلفا وكتبها ، ووقعت كما قَدَّر وكتب.

وقد نرتب أنا وأنت ونُقَدِّر الأمور ونخطط لها ، ويتم الأمر على ما خططنا وقَدَّرنا ،
لكن هذا أيضا تقدير قَدَّرَه الله على يدينا ،
وهو  (ليس كمثله شيء) .... ومخالفة الله للجوادث  3za إن شاء أَمْضَى ما قَدَّرنا ، وإن شاء قَدَّرَ غيره.

فإننا حين قَدَّرنا ، قد قَدَّرنا أمرا مُقَدَّرا ، قَدَّرَه الله سَلَفا ، وعَلِمَه ، وسَجََّله عنده سلفا.

هذا ليس قولا بالجبرية
أو قولا بالقدرية ،
وإنما هو تسليم بقضاء الله وقدره.
فكل مُيَسَّر لما خُلِق له
وإنا نعمل ونأخذ بالأسباب ونسلم الأمر لله ونرضى بما قضى فينا وقدر.

قال مُقَدِّرُ المقادير:
"إنا كل شيء خلقناه بِقَدَر"

وقال سبحانه:
"وخلق كل شيء فَقَدَّره تقديرا"

ومن أركان الإيمان:
الإيمان بالقضاء خيره وشره

فمَن رضي فله الرضا ،
وله الفضل من الله عاجلا ،
وله الأجر والثواب آجلا.

ومَن سخط فله السخط ،
ولن يكون إلا ما قَدَّرَ الله.

وإن الإيمان بالقضاء والقدر من أَجَلِّ نِعَم الله على المؤمن ؛
لأنه إذا رضي بقضاء ربه ، ذهب رَوْعه ، واطمأن قلبه ، وطابت نفسه ، فأصاب الأجر ، ونَعِمَ بالفضل في الدنيا والآخرة