بين حكم العقل وعاطفة القلب




تحدثنا في مقال سابق عن القلب، وعلمنا أنه ليس مجرد مضخة للدم، بخلاف ما كان قد استقر لدى علماء الغرب لسنوات طويلة حين درسوه من الناحية الفسيولوجية، وأن هذا المفهوم مخالف لقراءة النصوص في الكتب السماوية التي تعطي القلب موقعاً مركزياً سيادياً على فكر الإنسان ومشاعره وسلوكه.

واليوم نستكشف الجديد عن القلب الذي يكشف العلم عنه يوماً بعد يوم أنه أكثر تعقيداً بكثير مما كنا نتصور، حيث يؤكد أطباء القلب في كل من جامعة ييل الأميركية ومعهد هارتمن بولاية كاليفورنيا بأن القلب أكثر أجزاء الجسم تعقيداً وأكثرها دقة وغموضاً، وأنه يتحكم في المخ أكثر مما يتحكم المخ فيه، ويرسل إليه المعلومات أضعاف ما يتلقى منه، وللقلب القدرة على التفكير والانفعال والشعور والعاطفة وتخزين المعلومات القريبة والبعيدة في ذاكرة تشبه ذاكرة المخ.

وقد قام الدكتور جاري شوارتز وزملاؤه في جامعة ييل بأبحاث ودراسات دقيقة ضمت أكثر من 300 حالة زراعة قلب، فاتضح لهم أنه عند نقل قلب من إنسان إلى إنسان آخر، فإن القلب المنقول يأخذ معه من الذكريات والمواهب والعواطف والمشاعر والهوايات والتفصيلات الخاصة بالشخص الذي أخذ منه القلب والتي تبدو غريبة كل الغرابة عن صفات الشخص الذي تم نقل القلب إليه، وقد نشرت نتائج بعض هذه الأبحاث في الورقة الشهيرة عام 1999 في مجلة (الطب الباطني). ومن هذه الحالات اخترت لكم:
الحالة الأولى: توفي شاب عمره 18 سنة في حادث سيارة، ووالده طبيب وكان هذا الشاب يكتب الشعر ويعزف الموسيقى ويغني، وتم نقل قلبه إلى فتاة في نفس عمره فأصبحت بعد زراعة القلب عاشقة لنفس نوع الموسيقى بل والعزف وإكمال كلمات من أبيات الشعر وكلمات الأغاني للميت لم تسمعها من قبل.


الحالة الثانية: رجل أبيض عمره 47 سنة عامل في مصنع للمعادن تلقى زرع قلب شاب أميركي من أصول أفريقية عمره 17 عاماً. متلقي القلب فوجئ بعد زرع القلب بأنه عاشق للموسيقى الكلاسيكية مكتشفاً لاحقاً أن المتبرع كان مغرماً بهذا النوع من الموسيقى ويلعب بآلة الكمان ومات وهو في طريقه إلى درس الموسيقى.

الحالة الثالثة: طفل في الثالثة عشرة من عمره يدعى جيري غرق في حوض الحمام، وتم نقل قلبه وكانت والدته طبيبة، والمنقول إليه القلب طفل اسمه كارتر يعاني من ثقب في القلب، وبعد الزراعة كان كارتر بصحبة والديه وفجأة أفلت كارتر من يد أمه وهرع إلى رجل غريب من بين مئات الأشخاص الموجودين في المكان وقفز إلى حجره وضمه وناداه بـ(أبي) مما أدهش والديه فقد كان هذا الرجل هو والد المتبرع بالقلب جيري ولم يره كارتر في حياته، وعندما سئل لماذا فعل هذا قال إن جيري هو الذي جرى لوالده وأنا ذهبت معه.